جميعنا في مسيرتنا بالحياة نبحث عن تحقيق «كُن» ونعشق كل الطرق التي تؤدي إليه، وقد اكتشف المتخصصون في التنمية البشرية تلك الحاجة الملحة فشمروا سواعدهم للوصول بنا إليه وفرشوا الطُرق ومهدوا لها لكي ندلف معهم نحو «كُن».
من هذا المنطلق ومن باب مشاركتهم هذه الهمة في صناعة «كُن» التي تعني «بناء الإنسان ليحقق النجاح الواعد ويكون لبنة صالحة في مجتمعه وعنصرًا فاعلاً فيه»، أكتب لكم في هذه المساحة المقتضبة والحروف تتزاحم المورد والعبارات تتنافس لتعبر لكم عن مكنون «كُن» وإنني واثق أنكم ستُفتشون عن «كُن» وتردون مورده العذب ليشبع فضولكم العلمي الراقي.
وقد قسمت «كُن» إلى ثلاث محطات يمكن أن نستعرضها كما يلي:
المحطة الأولى: أذكر فيها أن «الأفكار تُغير العالم» وأضح أهمية الفكر في بناء الذات وتحقيقها وتشكيل الشخصية كخطوة أولى من خطوات بناء الوعي العام لدى الشخص وكيف أن بناء الصورة الذهنية الإيجابية تحقق انطباعًا إيجابيًّا لدى الآخرين، وترسم من خلالها شخصية متوازنة تؤمن بالعطاء، يحركها الشغف، ويحفزها الإيمان بأن تترك أثرًا يُمكّنُك من الإسهام في بناء فكر تستطيع من خلاله أن تطور ملكاتك، وتغير حياتك، وتؤسس لمستقبل واعد؛ فالتغيرات المهمة تبدأ بفكرة.
يقول الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت Auguste Cont «وحدها الأفكار تُغيّر العالم»، ويرى جورج برنارد شو George Bernard Shaw أن التقدم مستحيل بدون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء، ولذا؛ ففي هذه المحطة متى ما استطعت أن تبني صورتك الذهنية المميزة من خلال وعي بما تملك وثقة بما لديك ستتغير قناعاتك عن ذاتك يتعبها تغير في فكرك وأفكارك.
المحطة الثانية: «كُن في جلبابك» يقول لك ضيفنا في هذه الزاوية جون ديوي John Dewey «إن أعمق دافع في طبيعة الإنسان هو الرغبة في أن يكون مهمًّا». ويؤكد مهاتما غاندي قائلاً وداعيًا «كن أنت التغيير الذى تريد أن تراه في العالم». أما ستيف جوبز Steve Jobs الرئيس التنفيذي السابق لشركة أبل ِApple: فيرشدك لذلك بقوله: «إن جميع المفكرين قديمًا وحديثًا، أجمعوا على أهمية التعليم الذاتي، من يتوقف عن التعليم سيقف مكانه أو يتلاشى في عالم شديد المنافسة وسريع التقدم بدرجة مرعبة».
لذا احرص على ارتداء جلبابك الذاتي مستفيدًا من خبرة من مر في محطات التميز، ولتعمل على صهر تلك الخبرات في جلباب يناسبك ويميزك؛ فلا تكون نسخة مكررة، بل إضافة لمن سبق، وقدوة لمن يلحق - بإذن الله تعالى - في قابل الأيام عليك أن تؤمن بما تملك لأن التميز يُثمر من خلال اكتشاف ما لدى الآخرين وما يحملونه من تميز وأفكار وقدرات ومهارات ولكل مشرب نكهة وجمال نتاجك هو أن تصهر تلك المزايا في جلباب خاص بك يؤكد أنك مررت من هُنا وكان لك أثر.
المحطة الثالثة: «تفقد أدواتك» قال صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز». رواه مسلم. ورُوي عن الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه أنه قال: «لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته»، ولذلك عندما تكتسب همة عظيمة فإن أفكارك ستنطلق بعقلك ليتجاوز الحدود، وسيتوسع في كل اتجاه، ومتى وثقت بما تملك وأيقنت بقدراتك وشحذت همتك فإنك بحاجة لأدوات تُحقق لك الوصول لمرفأ «كُن» ألا وهي الشغف والمهارات والحرص على التعلم لتعرف ولتكون ولتعمل وتتعايش في عالم يؤمن بأن المعرفة قوة والإمكانات سلاح والحُلم مطية، وهذا العطاء المنبثق من معرفة وإيمان وقدرة ثق أنه سيهبك ما يبحث عنه الجميع ألا وهي السعادة، فما بالك إن جمعت بين العطاء والاحتساب، فلن تتخيل مردود ذلك عليك وعلى من حولك والإنسانية؛ فكن معطاءً لما تملك من علم ومعرفة وقدرات؛ تكن أسعد الناس.
ختامًا أسال الله لنا ولكم العلم النافع وأن نُحقق «كُن» لننطلق في طريق التميز والمستقبل الواعد في وطن يتبنى رؤية واعدة ويتوق لتحقيق أحلام بحجم شموخ طويق.
د. علي بن سعد الفريدي
أستاذ مشارك
جامعة شقراء
كلية التربية
المصدر صحيفة رسالة الجامعة
http://rs.ksu.edu.sa/issue-1337/11897
2