*((أفلت شمسكِ يا أمي))*
مما لا يخفى؛ صعوبة أن تجود قريحة المرء في حديثٍ عن عزيز قد رحل من الدنيا وفارق الحياة،،
فما الظن بالمرء إذا كان حديثه عن جزء من حياته، وضياء دربه، ونور حياته، عن أمه الذي ارتاح في حضنها، واستقى من ثديها، واستظل بظلها..
إن والدتي أنموذجٌ من النماذج التي أرجو أن يتم دراستها وتدريسها تربوياً واحتماعياً وأسرياً.
فهي قدوة حسنة للنساء والفتيات.
قد حازت على فضائل عدةٍ اجتمعت في شخصها الغالي..
فقد كانت تعطي كل ذي حق حقه، إذ لديها قداسة وطاعة لزوجها،،، وحب وعطف وتضحية لأبنائها، واحترام وتقدير للكبير، ورأفة ورحمة للصغير. أحبها الجار والجاره والقريب والقريبة والخادم والخادمة.
قد حباها الله بخصائص ومعطيات فريدة إلا أنها لم تفخر بذلك يوماً أو تُمايز به آخرين.
دائما كانت تردد: “الله يرحم ضعفنا”، ودائماً تسأل الله عز وجل الستر والعافية في الدنيا والآخرة.
حريصة على حجابها ولباسها، حتى وهي في مرضها الذي توفيت به؛ لما أُخرجت من العملية وهي ليست بوعيها كانت تضع الحجاب على وجهها، فإذا أراد الطبيب
الكشف عليها ترفض وبشدة، فلما طلبنا منها كشف وجهها وألححنا عليها، استجابت، ولكن بعد أن رددت: “الله لا يكشف سترنا”
كانت رحمها الله تصوم كل اثنين وخميس والأيام الفاضلة،
وعندما مرضت مرضها الشديد؛ كنا نقول لها: أنت مريضه! فتقول: لا أدري فقد يأتي يوم لااستطيع أن أصوم!!!
وبالفعل لم تصم مع المسلمين ستَ رمضاناتٍ بسبب مرضها الشديد.
كانت تكثر من الصدقه بالخفاء،
وكانت تعطي عطاء كثيرا، فلا يهمها كم تعطي أو كم تنفق.
باتت مرضة مدةَ ستِّ سنواتٍ، أصيبت بالجلطه ثم السرطان،،
وكانت صابرة محتسبة.
*نعم هي نموذج من نماذج التضحية والعطاء والصبر والرضى*
إن مجرد الكتابة لا تكفي للتعريف بهذه المؤمنة القدوة.
وإني لا أجد إلا أن أرفع أكف الضراعة إلى الله الرحمن الرحيم، وأسأله سبحانه أن يجزيها عنا خير الجزاء، وأن يجمعنا وإياها بحبيبنا الأول وصحابته الكرام في جنات النعيم.
إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى،
إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون)
وإنا بفراقكِ يا أمي لمحزونون
وكتبه
نواف بن عبيد الرعوجي