آخر 15 مواضيع : كتاب وصفات منال العالم           »          كتاب شهيوات شميشة           »          كتاب أطباق النخبة أمل الجهيمي           »          كتاب مقبلات و مملحات-رشيدة أمهاوش           »          شيلة (صدقيني ) للشاعر/ مبارك سالم المصلح الحربي ( ابن دهيم...           »          شيلة حرب(طالب من رفيع العرش)للشاعرسالم بن علي المصلح الحربي...           »          شيلة (احبك ) للشاعر/ مبارك سالم المصلح الحربي ( ابن دهيم...           »          اجتماع عائله الدغاشمه من فرده من حرب في ملتقاهم السنوي...           »          اجتماع الملسان السنوي الثالث للعام 1438           »          تغطية / اجتماع الدبلان السنوي لعام ١٤٣٨هـ           »          لجنة التنمية الاجتماعية في خصيبة تقيم فعاليات رمضانية...           »          لجنة التنمية الأهلية في خصيّبة توافق على إقامة ملتقى...           »          الشاعر/مبارك بن سالم المصلح الحربي ( ابن دهيم )قصيدة ( حرب )           »          تغطية زواج الشاب: خالد بن عفتان بن زويد الفريدي           »          قصيدة الشاعر/ نايف بادي طليحان المخرشي ورد الشاعر/عبدالله...



العودة   مجالس الفرده > المجالس االعامة > مجالس الثقافة .. والأدب .. والحوار > مجلس الحـــوار الهــــادف
مجلس الحـــوار الهــــادف هذا القسم خاص بالنقاشات حول الموضوعات الاجتماعية

المسلَّمات الثقافية تُعطّل عقل الفرد والمجتمع

هذا القسم خاص بالنقاشات حول الموضوعات الاجتماعية


 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-04-07, 10:52 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
::عضو جديد::

البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 227
الجنس: ذكر
المواضيع: 1
جميع المشاركات: 1 [+]
بمعدل : 0.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم:
نقاط التقييم: 50

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
كلمتنا غير متصل
وسائل الإتصال:

المنتدى : مجلس الحـــوار الهــــادف
افتراضي المسلَّمات الثقافية تُعطّل عقل الفرد والمجتمع

لولا أن المسلَّمات الثقافية المتوارثة والطارئة تعطِّل العقل البشري تعطيلاً شديداً دون أن يفطن هو لهذا التعطيل فتستبقيه في حركة دائرية عميقة سواء على مستوى الجماعات والفئات والطوائف والمجتمعات والشعوب والأمم أو على مستوى الأفراد لكانت الحضارة الإنسانية قد حققت ازدهارها الحالي منذ آلاف السنين، فالتسليم بما هو موروث والاستسلام لما هو قائم والإذعان للمألوف يستبقي كل شيء على ما هو عليه بل يتسارع التدهور، فالزمن لا يبقى دون أثر، فإما أن تنفرط المسلَّمات فيتصاعد التقدم أو يحصل العكس فتتوالد المسلَّمات ويتواصل الانحدار، أما التوقف فغير ممكن لذلك ظلت الإنسانية آلاف السنين وهي تدور في نفس المسارات، فكل تقدم نسبي يعقبه تراجع يساويه أو يزيد عليه، فاستمر التأرجح بين الصعود والهبوط ولم تخرج البشرية من هذه الدائرة المغلقة إلا بعد اكتشاف أن المسلَّمات الثقافية تعطِّل عقل الفرد والمجتمع، غير أن الكثير من الشعوب لم تستفد حتى الآن من هذا الاكتشاف العظيم فبقيت مأسورة للمألوف ومستسلمة للسائد وتدور في حلقة المسلَّمات المفرغة...
إن أي مطّلع على التنوعات الثقافية في العالم ولديه إلمام بالتطورات الحضارية خلال العصور وعلى دراية بتاريخ العلم ومناهجه وآلياته وروحه ومتابع للتفاوت الهائل في أوضاع وأحوال الشعوب لا بد أن يكتشف بأن هذا التفاوت الشاسع بل النوعي يعود بالدرجة الأولى إلى الاختلافات الثقافية، فلكل أمة ثقافة تختلف عن ثقافات الأمم الأخرى، ولكل ثقافة مسلَّمات سابقة للعلم ومحدِّدة لآثاره وهي في الغالب ليست قائمة على معرفة ممحصة اختبرها الوعي الفردي والجماعي واقتنع بها ثم مارسها حتى صارت سلوكاً تلقائياً لا شعورياً، وإنما هي مسلَّمات عفوية يتوارثها المجتمع عن أسلافه جيلاً بعد جيل، ويتشرَّبها الأفراد بشكل تلقائي، فهي لا تمر بالوعي ولا يغربلها العقل وإنما هي انسياب تلقائي من اللاوعي الجمعي إلى اللاوعي الفردي وقوامها التقليد والمحاكاة والوجدان والتلقين والحس المشترك ويمتصها اللاوعي الفردي مباشرة من المجتمع وبذلك فهي ليست نتيجة بحث وتدقيق واستقصاء وإنما هي امتصاص تلقائي وتكيّف وتطبّع ويستمر من المهد إلى اللحد ومصدر هذا التطبع هو البيئة وثقافة المشافهة والمحاكاة والتقليد والارتجال وردود الأفعال والانفعال التلقائي والسلوك العفوي إنها مسلَّمات تكوَّنت بالنسبة للمجتمع خلال التاريخ بكل ما فيه من صراعات وتحيزات وأهواء ودعاية وتزييف وحجب للحقائق ويمتص الأفراد منذ الطفولة كل هذا الركام غير الممحص فيذوبون به ويمتزجون فيه...

إن المسلَّمات محصَّنة عن فاعلية العقل بالبداهات السائدة، فعقل كل فرد في أي مجتمع يتشكَّل منذ الطفولة بالمسلَّمات المهيمنة في مجتمعه فيتعامل معها بتلقائية تامة ولا يخطر على باله أنها قابلة للشك أو الفحص أو المراجعة، فهي ممزوجة بذاته بل هي ذاته فالذات لا تتكوَّن إلا بما يمتصه الفرد من المجتمع فهي بحكم هذه التلقائية العمياء تبدو وكأنها حقائق ناصعة ومكتملة وبذلك تتحصَّن عن فاعلية العقل الناقد فالعقل لا يكون في حالة الفاعلية إلا إذا هو انفك بالشك من تدفق التلقائية العمياء إن العقل في فاعليته هو الشك المنهجي وهو التعقل المتأني وهو التدقيق المستوثق وهو التوقف الفاحص وهو التمحيص الواعي وهو الشعور بالمسؤولية الفردية بواجب التحقق وهو الارتقاء بالذات عن التصديق الأبله وهو الخروج من سذاجة التلقائية البليدة إلى فاعلية العقل الناقد...

ولكن المسلّمات الثقافية سابقة دائماً للتعقل الفردي ومقولبة له، فالعقل البشري لا يعمل إلا ضمن إطار إداركي وهو سياق متكوِّن قبل إشراق وعي الفرد وهو له بمثابة نظام معرفي يُسيِّره تلقائياً فإذا كان هذا الإطار الإدراكي محكوماً بالمسلمات كما هو في الثقافات المغلقة فإنه يكون إطاراً آسراً يتحكم بحركة العقل فهو مأخوذ دوماً بالأوامر والنواهي يخشى التجاوز ويخاف عواقبه فيبقى مستسلماً للمسلَّمات وإذا تساءل أو شكَّك أو ناقش أحد النابهين فإن المجتمع المحبوس بالمسلَّمات يستنكر عليه ذلك ومن هنا يستمر العقل المنفعل مسيطراً ويتعطل العقل الفاعل وإذا نشط العقل الناقد فلا أحد يستجيب له بل يواجَه بالرفض العنيد القاطع والمؤاخذة الحاسمة الغليظة.

لذلك فإن التفكير عند أكثر الناس وعند الكثير من المجتمعات ليس أكثر من دوران في نفس المكان، فهو يظل مأسوراً بالمسارات المألوفة وفي هذه الحالة هو تفكيرٌ منفعل وليس تفكيراً فاعلاً إنه دوران من غير ناتج وإنما هو استهلاك لطاقة العقل دون مردود. أما التفكير الفاعل فهو الذي يتوقف عند كل شيء ويتساءل حول أي تصور ويتشكك في أية قيمة، وبهذا يكون الفرد مستخدماً لعقله الفاعل وليس فقط منفعلاً بفكر غيره وكما يقول المفكر الفرنسي إدجارموران: "لكي نفكر فلا بد من أن نكون قادرين على خرق ما تعارفنا عليه والعودة لإجراء تصحيحات مجزأة وقطاعية". إن المسلَّمات قيود ثقيلة تكبل العقل وتشل التفكير وتستبقي الفرد والمجتمع في إطار التقليد والاجترار، فلا بد من القفز واختراق المتعارف عليه وإخضاع المسلَّمات للمحاكمة والتدقيق وعدم العودة إلى الوثوق النهائي مهما كانت النتائج وحتى ما يجري التوصل إليه بالبحث العلمي والاستقصاء الدقيق ينبغي أن يظل موضوعاً للنقد والمراجعة والتصحيح، وكما يقول أيضاً إدجار موران: "لا بد أن لا نصبح أسرى لما يبدو لدى البعض على أنه طوق عقلي، فالمنطق يجب أن يكون في خدمة الفكرة وليس العكس أي لا يصح أن تكون الفكرة في خدمة المنطق". إن الفكر هو الذي أسس لنهضة العلم وهو الذي يجب أن يظل يحفزه على المزيد من التحقق والتقدم، فلا نقمع فكرة تراودنا لمجرد أن العلم في مرحلة من مراحل تطوره يقول غير ذلك، لأن العلم ذاته في حالة مراجعة دائمة وتصحيح مستمر ويجب أن يبقى كذلك، فالمسلَّمات حتى لو كانت علمية فإنها إذا صارت نهائية فإنها تعطل حركة العقل وتوقف نمو المعرفة وتوهن اهتمامات الإنسان وتعوق صعود الحضارة..

ويجب ألا تخدعنا كثرة المتعلمين، فحفظ المعلومات لا ينقض المسلَّمات ولا يتعرض لها بالنقد والتحليل، وهو لا يعني اكتساب الروح العلمية، فهذه المزية النادرة مازالت محصورة في أطرها الضيقة ضمن دوائر بحثية وفردية ولم تتغلغل في الكيانات الثقافية الشعبية، لذلك فإن الأمم والشعوب مازالت تتوارث مسلَّمات خاطئة وعائقة للفكر الناضج والفعل الراشد، وهي تعتقد أن هذه المسلَّمات الخاطئة أوثق من الحقائق وأرسخ من الجبال وأوضح من الواضحات، فتجعلها فوق النقد وتستنكف أن تضعها موضع المراجعة أو الشك وهذه الحصانة للمسلَّمات ضد النقد هي التي تضمن لها الاستمرار مما يجعلها تقيِّد حركة المجتمع وتستبقيه ضمن سياقها المطرد ولو جرى وضعها تحت مجهر النقد لتهاوت كل المسلَّمات الخاطئة فتنفك قيود المجتمع ويخرج من سياق الدوران المأسور بالمسلَّمات إلى سياق الصعود الحر المنطلق في كل الآفاق، إن كل المجتمعات تملك قابليات التفكير السليم كما تملك قدرة اكتشاف الأخطاء بشرط أن تنفك من أسرار المسلَّمات بدليل هذا الازدهار الشامل والمذهل للأمم التي استخدمت بكفاءة عالية آلية النقد والتصحيح كما يؤكد ذلك أيضاً أنه من السهل على أية أمة أن تكتشف أوهام وحماقات الأمم الأخرى لأنها غير محصنة بالالفة والتسليم ولكنها تعمى عن رؤية أوهامها وحماقاتها ليس لعجز العقل عن رؤية هذه الأوهام والحماقات لو قام بفحصها، ولكن لتحصينها عنه ومنعه من تسليط أضوائه عليها فالمسلَّمات العمياء هي الآفة الكبرى للعقل وهي العائق المحوري لتقدم الأمم والمجتمعات والشعوب...

وتفعل الأهواء فعلها في ترسيخ العمى المزدوج، فهي تمجِّد مسلَّمات الذات وهي في الوقت ذاته تشوِّه حقائق الآخرين وبهذا تكون الخسارة في ضياع الحقيقة مزدوجة ومضاعفة، فنجد أن كل أمة تنظر إلى مزايا الأمم الأخرى على أنها نقائص وإلى حقائق هذه الأمم على أنها أوهام، وبالمقابل فإنها تعتبر أوهامها هي حقائق ونقائصها مزايا وينغمر الأفراد في هذه الأوهام دون أن يفطنوا لها لأن التسليم الأعمى بما هو متعارف عليه في المجتمع يحول بينهم وبين رؤية الحقائق، فأحكام الأمم بعضها على بعض هي في الغالب أحكام جائرة وغير موضوعية، بل هي أحكام متوارثة ومسبقة وجاهزة دوماً دون بحث أو استقصاء، لكن هذه الأحكام الجائرة على الآخرين والأوهام المزكية للذات تبقى تتوارثها الأجيال من هذه الأمة أو تلك دون أن تضعها موضع الشك والمساءلة أو التحليل والمراجعة، فليس من طبيعة الأفراد إحسان الظن في ثقافات وقيم الآخرين ولا الشك في مسلَّمات مجتمعاتهم، لأن التسليم المتوارث قد أكسبها حصانة تقترب من مستوى القداسة فتبقى في منأى عن اهتمام العقل الواعي إلا عند أفراد نابهين قليلين لا تأثير لهم في خلخلة المسلَّمات إلا في المجتمعات التي ترحب بالنقد وتستجيب له وتستفيد منه وتنظر إلى هذه الآلية الناجعة بوصفها الجهاز المناعي للأمة..

إن لكل أمة مسلماتها وأوهامها التي تستبقيها مقيدة وعاجزة عن مبارحة واقعها المتخلف ما لم تخرج من هذا الأسر بفضل العقل الفاعل والاستجابة له، أما الفارق الذي أوجد هذا التفاوت الهائل في المستوى الحضاري بين الأمم منذ بزوغ العصر الحديث فهو امتلاك آلية التصحيح عند المزدهرين أو الافتقار إلى هذه الآلية العجيبة عند المتخلفين فكل أمة لم تتمرس بآليات الشك والنقد والمراجعة والتحليل فإنها لا تستجيب لمفكريها ولا تستفيد من مبدعيها فتبقى مقيَّدة بالمسلَّمات ومشدودة بالمسارات التاريخية الآسرة تجتر تاريخها وتعيد إنتاج ذاتها وتكرر السير مع نفس المسارات التي تتوارثها الأجيال منذ مئات السنين...

وكلما زاد انغلاق الثقافة زادت مسلَّماتها وصار من الصعب نقد هذه المسلَّمات من داخلها، ومن الأمثلة الشائعة على المسلَّمات الخاطئة التي لا تستند إلى أي مبرر موضوعي توهُّم كل أمة من الأمم مثلاً أن لغتها هي اللغة الإنسانية الحقيقية وأنها ذات امتياز مطلق على كل اللغات وأنها لغة استثنائية بل إنها أحياناً تراها مقدسة وأنها تحمل سراً خاصاً ليس موجوداً بأية لغة أخرى، وتستمر الأجيال تتوارث هذا الوهم الساذج دون أن يتطرق إليه أي شك وحتى أشد الأفراد ذكاء لا يخطر على باله أن يسأل ما هي المكوِّنات والحاضنات الموضوعية التي تبرر مثل هذا الادعاء الأخرق وما هي مقومات وعناصر هذا التفرد المزعوم وما هي المزايا التي تنفرد بها هذه اللغة لتجعلها لغة استثنائية وفريدة ومن أي مصدر جاءت وكيف أتت...؟!!

ومع أن الحكم على الشيء فرعٌ من تصوره، فإن هذا الحكم القاطع باستثنائية هذه اللغة أو تلك وتوهُّم تفردها واعتقاد امتيازها أو قداستها ليس مبنياً على أية دراسة أو مقارنة موضوعية، فالأميون والمتعلمون والمراهقون والشيوخ بل والأطفال كلهم يتساوون في الاندماج بهذا الوهم المعطّل للعقل، فالتسليم بالامتياز يستبقي الوهم خارج دائرة العقل الفاعل، فالقناعة العمياء تتدفق من اللاوعي بغزارة وحرارة وثقة وهي بفجاجتها وببعدها عن الحقيقة تؤكد سُخف العقل حين يؤسر بالمسلَّمات، فأهل اللغة الذين يعيشون هذا الوهم لا يتساءلون أبداً كيف وصلوا إلى هذا الحكم القاطع وهم لم يدرسوا اللغات الأخرى بل يتوارث العامة والخاصة هذا الوهم دون أن يخطر في بالهم أن يضعوه موضع المساءلة والتحقق، فمعرفة المزايا أو النقائص لا يمكن أن تُعرف تلقائياً وإنما تتطلب معرفة تامة ودقيقة وعميقة وواسعة بكل اللغات الأخرى وبعد المقارنة الموضوعية العادلة يكون الحكم الصائب والعادل، أما الأحكام المرتجلة فهي من املاءات الرغبة وإغراءات الأهواء فكيف يصح مثل هذا الادعاء الساذج الذي يقول به الأميون قبل المتعلمين ممن لا يعرفون مزايا ونقائص لغتهم فضلاً عن أن يكونوا ملمين بوظيفة اللغة وبظروف وبيئة نشأتها وواعين بطبيعة كل اللغات الأخرى ومدركين لمكوِّناتها، فهم يعيشون وهماً محضاً لا يقوم على أي تصور صحيح ولا على أية مقارنة دقيقة وإنما هو حكمٌ ارتجالي أوجدته الرغبة الفطرية في الامتياز وهو من رواسب عهود المفاخرة الفارغة والتنابز الأخرق، ومع ذلك يبقى هذا الوهم الساذج من المسلَّمات التي يؤمن بها الجميع أميون ومتعلمون، وهذا الوهم حول الامتياز اللغوي ليس سوى مثال واحد على المسلَّمات الكثيرة الشائعة التي لم تخضع لأية مراجعة أو تمحيص!!!...

إن عظمة أي لغة لا تأتيها من ذاتها وإنما تكتسبها مما ينتجه أهلها من أفكار وعلوم وآداب وإنجازات ثقافية وعلمية وفكرية وتنظيمية وقدرة على التجديد المستمر في المعاني والممارسات والمهارات والأفكار، فاللغة تتشكل من خلال الاستخدام الجيد أو الرديء وبحسب تطور الممارسات والإنجازات الثقافية يكون تطور اللغة فهي نتاجٌ مرتبط بالمستوى الحضاري الذي تعيشه الأمة فلا يوجد لغة عظيمة بذاتها وإنما تستمد عظمتها من محتواها ولكن هذه البداهة الصارخة تختفي أمام سلطة المسلَّمات...

إن استمرار تحكُّم المسلَّمات الخاطئة بالعقل يعود لأسباب كثيرة معقدة ولكن من أبرزها أن الذكاء الإنساني لا يكون فاعلاً إلا بما يهتم به، فذكاء الأفراد بشكل عام في أي مجتمع لا يهتم بمراجعة المسلَّمات، فكل فرد يعتبرها شأناً عاماً، فهي في نظره حقائق ثابتة يؤمن بها الجميع، وهي بداهات مستقرة تتوارثها الأجيال توارثاً يقترب من درجة التقديس مما يجعلها محصَّنة عن الشك، فلا يصح عنده أن توضع موضع المراجعة، فهو يمتصها من ثقافة المجتمع تلقائياً دون إعمال العقل بل يتشرَّبها ويتشكل بها في طفولته قبل أن يتكوَّن وعيه ويبقى مؤمناً بها إيماناً راسخاً لا يتطرق إليه الشك، فهذه المسلَّمات تبقى خارج نطاق اهتماماته الفاحصة لأنها في نظره حقائق ثابتة وبديهية فيستغرق في شؤونه الخاصة وكل فرد يفعل نفس الشيء وتبقى المسلَّمات الوهية تتحكم والسُّبات في حالة اليقظة والتساؤل وبذلك تعود للعقل فاعليته وتنتقل الثقافة في سياق دائري عقيم إلى سياق صاعد منتج ولا يتحقق ذلك إلا إذا تكامل النقد من المفكرين والاستجابة من المجتمع، أما النقد الذي لا يستجاب له فلا تأثير له...

إن الذكاء المعيشي يخدع الإنسان فهو هنا يستخدم ذكاءه ومهاراته بفاعلية ويكون شديد الحذر وحاضر الانتباه، لأنه يتعامل باهتمام وتركيز، أما القضايا الكبرى العامة فهو يتلقاها امتصاصاً من المجتمع باستسلام مطلق وبتلقائية تامة، فلا يستخدم فيها عقله الناقد وإنما هو منساق تلقائياً مع المسلَّمات المحصَّنة عن النقد ومن هنا يأتي الخلل..

إن الإنسان وهو يرى الناس في عراكهم اليومي في الحياة وهم يتعاملون بذكاء وحذر وفطنة يعتقد أن العقل عندهم يمارس أقصى فاعليته في التحقق من التصورات والأفكار بنفس المستوى الذي يمارس به الناس حياتهم المعيشية ويغفل عن هذا التباين الشديد في فاعلية العقل ولا ينتبه الراصد غير المهتم للمفارقة ويستبعد حصول مثل هذه الغفلة المطءبقة عن قضايا الوجود الأساسية فيتوهم أن الناس يدققون كل شيء، ولكن الحقيقة خلاف ذلك، فالناس شديدو الفطنة في أمورهم المعيشية، أما أخطر قضايا الوجود وأمور المنشأ والمصير وغيرها من الأفكار العامة والمعتقدات والتصورات والعادات والقيم والأخلاق والاهتمامات غير الذاتية، فإنهم يتبرمجون بها من المجتمع دون أي تدخل من العقل الواعي، بل إن هذه البرمجة تتشكَّل وتكتمل قبل بلوغ الفرد مرحلة الوعي، لذلك يكون الأفراد مقتنعين أشد الاقتناع بأمور خاطئة، بل بأفكار مدمرة أحياناً لكنهم لا يسألون عن كنهها ولا كيف جرى التحقق منها، فيهبونها حياتهم ويمحضونها ولاءهم دون أن يبذلوا أي جهد للتحقق؟؟!!

إن عقل الإنسان واقعٌ في مفارقة غريبة هي التي توهمه وتستبقيه غارقاً في المسلَّمات، فهو في تعاملاته اليومية الجارية وفي بيعه وشرائه وأمور دنياه الراهنة يوليها عنايته الشديدة واهتمامه التام فيكون حذراً ونبيهاً ودقيقاً ويستخدم ذكاءه بفاعلية، أما الأمور الكبرى التي لا تتعلق بمسائل المعيشة فهو يكون فيها مغموراً بالسائد فلا يتساءل حول أي شيء ولا يشك في أي أمر، بل يمتص بكل تلقائية ما يُفيضه عليه المجتمع دون أية مراجعة أو تدقيق ومن هنا يبقى الوثني وثنياً وهو يحمل أرفع الشهادات الأكاديمية في أشد العلوم دقة، فهو عقلاني مهنياً، ولكنه ممعن في الخرافة ثقافياً!!! ولو تأملت أحوال الناس في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب لوجدت هذه الحقيقة التي تعطل العقل شديدة الوضوح، بل إنها صارخة في كل مكان وهي بهذا الشيوع عند كل الشعوب والأمم تؤكد مهزلة العقل البشري إذا هو تعطَّل بالمسلَّمات

ابراهيم البليهى الأحد 21 شوال 1427هـ - 12نوفمبر 2006م - العدد 14020


الرابط













التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله بن غنام ; 27-04-07 الساعة 07:10 PM سبب آخر: تنسيق وتجميل
عرض البوم صور كلمتنا  
 

الكلمات الدلالية (Tags)
الثقافية , الفرد , المسلَّمات , تُعطّل , عقل , والمجتمع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عقل الرجال أرخص ابو الرجال استراحة المجالس 6 02-10-11 11:22 PM
هل تعلم ما هي مميزات عقل المرأة ريم مجلس حواء العام 15 27-08-11 05:06 PM
أثر الذنوب والمعاصي على الفرد موسى الطميشاء المجلس الإسلامي 3 30-09-10 04:14 PM
الثقة بالنفس أو عصا الثقة f15 مكتبة المجالس 2 22-11-09 09:28 AM
هل المرأة ناقصة عقل ودين أو الرجل ؟؟!! شوق عبدالله مجلس حواء العام 34 24-07-07 09:37 AM


الساعة الآن 09:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
لتصفح الموقع بشكل جيد الرجاء استخدام الإصدارات الاخيرة من متصفحات IE, FireFox, Chrome

Security team

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52