عندما تتهاوى القيم ، وتتداعى المُثُل ، فيستحيل المجد المذخور زيفاً كزيف الأساطير ؛ سيفقد من كل شيء في الحياة قداسته ، وسيسفه كل وشيجة ورابطة في الحياة .
عندما تسقط القيم والمٌثُل وينكشف زيف المجد ، سيتخلى عن كل نعرة وكل قومية وكل عصبية لحزب أو لأرض أو لفكرة كان يحتضن ، وقد يتخلى عن كل دين .
لكن تهاوي الآمال واضمحلال المجد ، ووكسة الانكسار ، والبداية من الصفر ، ليست شيئاً جديداً عليه .
فكم هام وتغرب ، ورأى وجرب ، ولم يكن يوماً يبني الآمال على المجد عينه ، أو عصبة حوله ، أو فكر قيادي يسوسه ..
بل كان يخوض الكفاح وحيداً في هذه الحياة مراهناً بها جملة ، وهي كل ما يملك من مجد وعصبة وفكرة .
ولحسن طالعه ؛ لم يكن يؤمن بغير الله ـ تعالى ـ والحب والكفاح ، وعدا هذا كان لا يؤمن به ولا يركن إليه ، كما تقتضي طبيعة المراهنة .
فعاش حيناً من الدهر في حزن عميق ، ووجدٍ أسيف ، وبقلب جبار ونفس ضعيفة .
وإن أقسى ما يمر عليه من لحظات في هذه الحياة ، هي تلك اللحظات التي تعده وتمنيه وتوسوس له بأن يؤمن بشيء جديد .
وتلك اللحظات تكمن قسوتها في عظيم قسوة لحظة يخسر فيها الرهان فيخسر كل شيء .
ويعود لنقطة الصفر من جديد ويبدأ لا يؤمن إلا بالله ، ولا يملك إلا الكفاح ، ويسعى إلى الحب المنشود ، يسير في المهامه والمجاهيل ويخوض في المعامع كفاحاً دائباً بوعد من الحب صدوق ، يسير على عين الله ، وفي حفظ الله ، وعلى بركة الله .
عبدالله بن غنام الفريدي
20 / 5 / 2000م
هذه الخاطرة أعلاه نقلت لكم كما هي في مسودتها بلا تعديل ، لكني أحب أن أضيف عليها أشارة هنا إلى تلك القيم والمثل التي تتهاوى وتسقط في كل مرحلة من مراحل صاحبنا ـ عفى الله عنه ـ ولأني أعرف الناس به أقول أن تلك المرحلة التي كتبت بها الخاطرة أعلاه ، كنت مرحلة التساؤل أو البحث عن القيمة الأمثل .
كان كلما رأي قيمة رفيعة قال : هذا ربي هذا أكبر .
والحمدلله الذي هداه لقيمة لم تتضعضع منذ أن عرفها ولا تزال تكبر في نفسه كل يوم.