كانت السدود العظيمة التي شيدها السبئيون والمعابد أهم علامة بلوغ حضارتهم وأوجها وذلك في القرن العاشر قبل الميلاد بلغ ارتفاع سد مأرب 16 متراً وعرضه60 متراً وطوله 620 متراً، وهذا يعني حسابياً أنه يمكن أن يروي 9600 هكتارا من الأراضي، منها 5300 في السهل الجنوبي، والباقي للسهل الشمالي، كان يشار إلي هذين السهلين في النقوش السبئية مأرب والسهلان 41 و يشير التعبير الدقيق في القرآن: (جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ) إلي وجود حدائق وكروم في هذين الواديين أو السهلين، لقد أصبحت المنطقة أكثر مناطق اليمن غني وإنتاجاً بفضل السد ومياهه. أثبت الباحثان: الفرنسي ج. هوفلي والنمساوي غلاسر أن سد مأرب قد أوجد منذ زمن بعيد. وتروي الوثائق المكتوبة بلغة "حِمْيَر" أن هذا السد قد جعل المنطقة في غاية الخصوبة والعطاء.
لقد تم إصلاح هذا السد خلال القرنين الخامس والسادس للميلاد، إلا أن هذه الإصلاحات لم تمنع السد من الانهيار عام 542 للميلاد. انهار السد بسبب سَيل العَرِمِ الذي ذكره القرآن الكريم، والذي سَبَّبَ أضراراً بالغة، لقد هلكت كل البساتين والكروم والحدائق التي بقي السبئيون يرعونها لعدة قرون علي بَكْرَةِ أبيها، بعد انهيار السد عاني السبئيون من فترة ركود طويلة لم تقم لهم قائمة بعدها... وهذه كانت نهاية القوم التي بدأت مع انهيار السد.
نقوش مكتوبة بلغة سبأ
"كما استخدم في التعبير سيل العرم، فإن كلمة عَرِم مشتقة من كلمة عريمين المستخدمة في لهجة سكان جنوب الجزيرة، والتي تعني السد، الحاجز ، وقد عثر علي هذه الكلمة في أثناء الحفريات التي نفذت في جنوب اليمن باستعمالات كثيرة تفيد هذا المعني، علي سبيل المثال: استخدمت هذه الكلمة في الكتابات التي كانت تملي من قبل "أبرهة" الحبشي الذي حكم اليمن، بعد تعمير وأصلاح سد مأرب في 542 و543 م لتعني السد الحاجز مرة أخري. إذن فإن (سَيْلَ العَرِم) يعني "كارثة السيل التي حدثت بعد تحطم سد".
(وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (سبأ: 16). أي: إن البلدة بكاملها قد غرقت بعد انهيار السد بسبب السيل، لقد تحطمت جميع أقنية الري التي حفرها السبئيون، وكذلك الحائط الذي أنشؤوه ببنائهم حواجز بين الجبال، ولم يعد لنظام الري أي وجود، وهكذا تحولت الجنان إلي أدغال، ولم يبقَ من الثمار شيء، سوي ثمار تشبه الكرز وأشجار قصيرة كثيرة الجذور.
لقد أقر الكاتب وعالم الآثار المسيحي وورنر كيلر صاحب كتاب الكتاب المقدس كان صحيحاً" أن سيل العرم قد حدث كما ورد وصفه في القرآن الكريم، وأنه وقع في تلك المنطقة، وأن هلاك المنطقة بكاملها بسبب انهياره، إنما يبرهن علي أن المثال الذي ورد في القرآن الكريم عن قوم الجنتين قد وقع فعلاً.
وبعد وقوع كارثة السد، بدأت أراضي المنطقة بالتصحر، وفقد قوم سبأ أهم مصادر الدخل لديهم مع اختفاء أراضيهم الزراعية، وهكذا كانت عاقبة القوم الذين أعرضوا عن الله وترفعوا عن شكره، وتفرق القوم بعد هذه الكارثة، وبدأ السبئيون يهجرون أراضيهم مهاجرين إلي شمالي الجزيرة، مكة وسوريا.
يأتُي الحيز الزماني الذي شغلته هذه الكارثة بعد زمن العهد القديم والعهد الجديد، لذلك لم يرد ذكره إلا في القرآن الكريم.
تقف آثار مأرب المهجورة والتي كانت في يوم من الأيام موطناً للسبئيين، كآية من آيات العذاب تنذر أولئك الذين يكررون خطيئة القوم.
أصبح السبئيون أصحاب أعظم حضارة قامت علي الري بعد بنائهم سد مأرب بأحدث الوسائل التقنية، لقد سمحت لهم أرضهم الخصبة التي امتلكوها وسيطرتهم علي الطرق التجارية، أن ينعموا بالرخاء والازدهار الذي طبع أسلوب حياتهم، ومع ذلك "أعرضوا عن الله" الذي يتوجب عليهم أن يكونوا ممتنين، شاكرين له ولأَنْعُمِه، لذلك انهار سدهم وأهلك "سيل العَرِم"كلَّ ما بنوه. عاد اليوم السد السبئي المشهور مرة أخري إلي ما كان عليه من إمكانات الري السابقة
هذه صورة سد مارب التاريخي الذي بناه الشيخ زايد رحمه الله