عندما يقبل رمضان
تنساب دموعه على وجهه ..
فتجده يصلي ويبكي لكن أهي دموع فرح بقدوم هذا الشهر ؟؟
أم ماذا .. ؟؟!! جلست أسأل نفسي ..
وبدأت تدور في داخلي كثير من الأسئلة ..
أسئلة تحلل هذه الدموع وفجأة ..
ودون سابق إنذار ... سقطت من عينيّ دموعاً ..
لا تختلف كثيراً عن دموع هذا الرجل الذي أمامي لكن ... لكن دموعي جاءت حزناً عليه ..
وعلى حاله التي رأيته بها ..
أما دموعه ... هذا ما حيرني ..!؟
وجعلني أدخل في دوامة من الأفكار والأسئلة .. ***
اقتربت منه بعد أن أنهى صلاته ..
قبلت رأسه وجلست بجواره ..
وباركت له بالشهر الكريم
ألتفت إلي .. ثم أبتسم ابتسامته المعهودة ..
على الرغم من الدموع التي ملئت وجهه ولحيته ..
ثم قال :
(
بارك الله فيك يابنتي )
ودعا لي .. ثم رجع إلى ما كان عليه ..
وخفض رأسه وبدأ يتمتم بكلمات لم تكن واضحة لتقطع صوته ..
أصغيت إليه .. إنه يحمد الله ويشكره ..
اقتربت منه أكثر .. فأكثر..
وجلست أتأمله .. وكأنني لأول مرة أراه ..
أعترف لكم أنني لم أستطع الجلوس كثيراً .. لا أحتمل بكاءة
قبلت رأسه مرةً أخرى ثم خرجت دون أي كلمة ...
***** بعد أن خرجت.. توجهت إلى غرفتي .. وقبل أن أصل إليها ..
رأيت أهلي مجتمعون ،ذهبت إليهم ،وجدتهم سعداء ..
سعداء بهذا الشهر الكريم ..
سلمت على الجميع ثم جلست بينهم ..
دقائق هي حتى سبحت في بحر من الأفكار والتساؤلات ..
مضى وقت غير قصير وأنا في هذا البحر اللّجي من الأفكار..
خرجت منه إلى شاطيء الواقع..
توقعت أن البعض سوف يسأل عن دواعي غيابي لهذه اللحظات ..
وبماذا كنت مستغرقة .. وماذا يشغل بالي ..
ولكن ..
كان الجميع مازالوا بفرحتهم .. لم يعي أحد تلك اللحظات التي ابحرت بها ..
لذلك أردت الخروج ..
وقبل أن أنهض من بينهم سمعت أحدهم يتكلم عن ذالك الرجل..
وعن سر بكاءه..
تصلبت في مكاني .. .. ..
لقد وصلت إلى ما أريد
***
قد تتساءلون عن سر هذه الدموع ..
مثل ما تساءلت أنا تماماً.. لقد علمت سببها .. علمت أن تلك الدموع ليست إلا ... دموع الفرح بأنه شهد رمضان .. هذا الشهر الكريم ..
لا ليستمتع بالسهر .. أو ليجلس أمام أطباق تنوعت أشكالها يأكلمنها ما يشاء ..
دموعه ليست للذة دنيا ..بل..
بل ليزداد قرباً إلى خالقه .. ليكثر من الأعمال الخيرة .. التي سيحتاجها يوماً ما .
***
لقد عرفت السبب ووعيته..
لكن ما أن أقبل رمضان هذه السنة حتى وجدت نفسي ..
بين تساؤلات أكثر تعقيداً من التي قبلها .. تساؤلات كثيرة أحزنتني ..
ولا زالت تدور في مخيلتي ..
قد يكون لها إجابة ..
ولكنها لا تفيدني بشيء بل تزيد حزني حزنا .. أتُرى هل سيبكي هذا الرجل ..
مثل ما بكى في رمضان السابق والذي قبله وقبله ؟؟!
أتُرى هل .. هل سيبادلنا التهاني .. كما كان يفعل قبل ؟؟!
هل سيكون بيننا .. ويدعو لصغيرنا وكبيرنا .. ويشاركنا صيامنا ؟؟!
ابتسامته .. ابتسامته المعهودة … هل سنفتقدها للأبد ؟؟!
أحاديثه العذبة .. قصصه ..نصائحه .. كلماته التي لا تمل ..
هل سيتحفنا بها كما في السابق ؟؟!
أسئلة كثيرة مازلت أكررها بيني وبين نفسي .. ذهبت إجابتها مع ذلك الرجل .. الذي رحل ليتركني أعيش وحيدة بعد أن كان لي الأب والأم وكل شئ في حياتي ..
نعم تركني ورحل ...
وترك معي همومي ..
همومي التي ما أن أراه حتى أنساها ..
أما الآن .. فلا .. لقد أضحت تزداد يوماً تلو اللآخر
***
بقي أن أخبركم من هو هذا الرجل
( جــــدي
)
بل والدي ..
لقد رحل تاركاً هذه الدنيا عن عمراً يناهز التسعين عاماً ...
مخلفاً وراءه ابنةً تنساب من مآقيها الدموع حزناً عليه..وعلى فراقه ..
فراقهُ الذي أجدُ منه
مرارة في الكبد.. وغصة في الحلق ..ودمعةً في المآقي
*
*
*
في هذه المرة وفي بداية رمضان وكل رمضان .. ستكون الدموع لي بدلً منه .. لكنها
لكنها .. ليست دموع الفرح بل هي دموع الفراق
***
( الدمعــ الحائرة ــــة )