27-07-07, 04:03 AM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو مؤسس و اداري سابق
| الرتبة: | | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Mar 2007 | العضوية: | 16 | الاقامة: | مجــالس الفــردة | المواضيع: | 237 | الردود: | 2689 | جميع المشاركات: | 2,926 [+] | بمعدل : | 0.45 يوميا | تلقى » 7 اعجاب | ارسل » 12 اعجاب | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 120 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
مكتبة المجالس العبــــادة العبادة
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) (النحل : 36 ) إن كل ثقافة لا تقوم على دين لا تصنع حضارة ومصيرها إلى الزوال والنسيان والخسران قبل ذلك والبوار، وأنى تقوم الحضارة بلا دين ؟ فليست تقوم على هوى ونزعات فرد فاني بعمر محدود ، أو علم من ليس بكل شيء عليم ، فلا تستقيم الحضارة إلا على دين من عند الله.
وكل دين لا يقوم على إيمان بالله وحده دون شريك هو ضلالة توجب الخسران والبوار فسيروا في التاريخ وأنظروا كيف كان عاقبة أمم كانو أشد منكم قوة وبأساً لكنهم لم يمضوا على هدى من الله فحقت عليهم الضلالة فأنظروا كيف كانت عاقبتهم ، إبحثوا في التاريخ فأنظروا بماذا تبنى الأمم وكيف تكون الحضارة وعلى أي هدى تمضي.
فقط أنظروا في التاريخ ، وأبحثوا عن الجواب ، بأي شيء تبنى الأمم ، وكيف تصنع الحضارة ؟ وسيجيب التاريخ بالجواب المقتضب ، وبالسهل الممتنع ، ويقول : على هدى من الله ، أي بدين من عند الله ، بمعنى دستور من الله. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يامعاذ ، هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله ؟. ) قلت : الله ورسوله أعلم. قال : ( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاَ.) قلت : يا رسول الله أفلا أبشر به الناس؟. قال : ( لا تبشرهم فيتكلوا.) البخاري 2644 ورواه مسلم 44 وابو داوود 2196 وابن ماجة 4286 والترمذي 2567 وأحمد 13245 الإسلام لا يعارض الحياة أو إتجاهات الهوى ونزعات النفس ولكنه يصبغها بصبغة يرضاها الله ، وتلك ميزة هذا الدين ، أنه دين يتماشى ويناغم مع الفطرة الإنسانية ـ الثابت مع الثابت والمتحرك مع المتحرك ـ فلا تناقض ولا تضاد بينهما حتى كأنه هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وهو بناء قويم دقيق متين يقوم بعضه على بعض ، فالجزء منه يُمثل صورة الكل والكل جمع صورة الأجزاء ويمثل ذات الصورة ، فهو في كليته وفي كل جزء منه ينبثق من مركز واحد ، كل جزء من الكل مربوط بوتر بذلك المركز ، وكل أجزائه مترابطة ، والكل جملة واحدة مربوط بوتر واحد إلى ذات المركز ، والمركز هو كونه قائم على الإيمان بالله وتحقيق العبودية خالصة لله.
وكل جزء منه حلقة في سلسلة طويلة تمضي حتى أقصى أدق تفاصيل الحياة ، وتمضي حتى تحيط بشتى مشاعر وفكر ومعنويات وسلوكيات النفس البشرية في كل صورة لها.
حتى كأن كل جزء من المنهج الإسلامي خلية حية ذات نواة لها روح ، فلست تدري هل الروح تنبعث من كل نواة خلية في هذا الجسد حتى تتحد فتشيع الحياة في الجسد ، أم أن الروح تنبعث من مقر لها في الجسد حتى تبعث الحياة في كل نواة خلية ، تلك هي الروح في الجسد في كل شيء في الجسد حتى تهيمن على كل شيء فيه فتبعث فيه الحياة ، وتلك هي روح الإسلام ـ العبودية الخالصة لله ـ العبودية الخالصة لله تعني التعبد لله دون سواه بإيمان بالله وكفر بما سواه فليست الطاعة إلا لله ولا الخضوع إلا لله ولا تقرر العقيدة في كل شئ إلا بكتاب من عند الله ـ ـ هي في كل المنهج ـ كأساس ـ وفي كل شيء في المنهج ـ كشرط لصحة وأستقامة العمل ومن ثَمَّ لقبول العمل ـ . وبذلك يتضح أن من مزايا هذا المنهج هو في طريقة التعامل معه فلن تتعامل معه كنظرية بالفكر المجرد فقط ، وإنما ستتعامل معه كما تعامل مع كائن حي فيه روح فتفاعل الروح مع الروح والفكر مع الفكر والمشاعر والعواطف مع الإستجاشة.
وذلك لأن المؤمن يستحضر قرب الله إليه ومعيته له سبحانه وحتى مراقبته تعالى للعبد وعدم غفلته لحظة عن كل أولئك . وبذا يستفيض الإحساس عند العبد بأنه يتعامل مع الله مباشرة لا مع مجرد ناموس أو شريعة مبتورة الصلة بالحياة والناس والوجود وخالق هذا الوجود جل وعلا. "إن جمال هذا التصور يتمثل ـ أول ما يتمثل ـ في كماله . . في تكامله وتناسقه . . إنه ليس مجموعة قضايا منفصلة . ولا مجموعة حقائق منعزلة . . إن كل حقيقة من الحقائق التي يقوم عليها . . . كل مقوّم من مقوّماته . . يؤدي دوره في (الكل) المتكامل المتناسق . وهو يفقد قوام حقيقته وروحها حين ينفصل من هذا الكل . . إنه ليس أجزاء وتفاريق يمكن تناول أي جزء منه ـ أو أي جانب من جوانبه ـ وحده ، بعيداً عن بقية الجوانب المنسوقة . . إن إنفصال هذا الجزء ـ أو هذا الجانب ـ يذهب بجماله ، ويذهب بجمال الكل . بل يذهب بحقيقته وحقيقة الكل ايضاً !" ( مقومات التصور الإسلامي لسيّد قطب صفحة 41، 42. انظر للتوسع المقال في ذات المسمى في ذات الكتاب) " تتنوع مقومات التصور الإسلامي وتتوزع ، ثم تتضام بعد ذلك وتتجمع ؛ لتكوّن بذلك (الكلّ) الذي يشخّص ويمثّل ذلك التصور.. هذا ( الكلّ ) هو : العبودية لله وحده بلا شريك ، والدينونة لله وحده بلا منازع ، وشمول هذه العبودية لكل شئ ، ولكل حي في هذا الوجود [شمولها كمطلب من كل شئ وكل حي وهي طبيعة حال كذلك] ، في عالم الغيب والشهادة [في عالم الغيب كالملائكة والشياطين مطالبين ايضاً بالعبادة خالصة لله، وفي عالم الشهادة كالإنسان وكل ما يعرفه الإنسان في عالمه مُطالب كذلك] ، في الحياة الدنيا والآخرة ، في نظام الكون وحياة الناس " (مقومات التصور الإسلامي لسيد قطب ص 81) قال ابن جرير الطبري حدثنا المثنى قال ثنا أبو صالح قال ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ونحو هذا قال أخبر الله سبحانه أن الإيمان هو العروة الوثقى وأنه لا يقبل عملا إلا به ولا تحرم الجنة إلا على من تركه.
والهدف البعيد لهذا الدين هو تغيير واقع البشرية المريض أو الجاهلية الضالة ، بضبط معايير سلوكيات النفس البشرية وتقويمها ، أو بمعنى آخر هو ربط الحياة والعباد بالخالق العظيم ، وصبغ الحياة بصبغة الله ، ومحو الأمية الفكرية والتبعية البليدة التي لا تسير على هدى منير ولا تقوم على أساس متين ولا تسعى إلى هدف نبيل كما لا تترك الأثر السليم ـ على الأفراد والجماعات بطبيعة الحال ـ ، وتوجيه الفكر البشري إلى البناء والإيجابية والجدية والمسئولية في البناء ـ في كل شئ يحتاج البناء ـ . ويتم تحقق هذا الهدف بإقامة الإنسان على قاعدة صحيحة قويمة ، وأساس متين مستقيم.
إذ أن كل تلكم الأفلاك الدوارة في فضاء ذلك الدين تتمحور حول مركز ثابت لا يدور ، حتى كأن ذالكم المشروع الأصلاحي الجبار ينبثق من ذلك المركز إنبثاقاً ؛ فبدونه لا يكون وبغيره لا يستقيم ، وذلك المركز أو تلك القاعدة هي العروة الوثقى وهي تحقيق العبودية خالصة لله لا مجرد الإيمان بالله ؛ بل الإيمان بالله والكفر بكل معبود سواه ، لأن هذه العروة أو المركز أو القاعدة يقوم عليها كل ما بعدها ، ويستمد وجوده من وجودها ، واستقامته من استقامتها ، ثم يتحقق كل ما بعدها بتحقيقها بتلقائية تتابعية بحدود طاقة كل نفس ـ وفي عالم كل نفس بمقدار ما تأخذ تلكم النفس منه قدر ماتستطيع أو قدر ما ترضى ـ وبجدية حليمة كريمة وتناغم سلس وهين لين مع الفطرة البشرية. ( أنظر كتاب : هذا الدين لسيّد قطب صـ 26 ، 30 ـ 33 ) فإذا حقق الإنسان العبودية خالصة لله ، حقق الألوهية والربوبية على الوجه الأمثل ، وتحققت تباعاً النسك والشعائر فتحققت ـ بتلقائية تتابعية ـ محبة الله ثم تحققت كنتيجة حتمية ـ وكحلقة في سلسلة ـ العدالة بين البشر ، ثم حق الحق بطبيعة الحال ، فعُرف المعروف وأُنكر المنكر وأستقام الطريق ، وأضمحلت الجاهلية المريضة والواقع الضال ، فعاد الناس أسويا كما فطروا ، وسواسية كما جعلوا ، فالكل كالواحد تحت حكم النظام العام ؛ الدستور الذي خطه سيّد هذا الكون ومليكه.
إذاً فالبداية تحقيق العبودية خالصة لله. والإستمساك بالعروة الوثقى والأخذ بها كما جاءت من المصدر الرباني نقية شفافة واضحة لا لبس فيها ولا جدال ، وتوقيفية تؤخذ كما هي دون أن تمسها فكرة بشر ، فلا تؤخذ العقيدة بالله ـ معرفته جل شأنه بأسمائه وصفاته ـ والعبودية لله من تصور بشر وقد قصها لنا الله في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين ، لكي تكون لنا النبع الزاكي الرقراق إذا تعكرت الجداول والمسارب ، وهي بين اليدين غير بعيد ، محفوظة بحفظ الله ، وهي كذلك لأنها العروة الوثقى التي يقوم عليها كل ما بعدها ـ أي الدين بكل أهدافه ومبادئه ومعانيه ـ ، ويستمد وجوده واستقامته من وجودها واستقامتها .. وما بعدها يتحقق بتلقائية تتابعية بحدود طاقة وطبيعة كل نفس.
ولذا كانت هي المطلب الذي يلح عليه القرآن دائماً ـ كمطلب أول وأساسي يستقيم كل ما بعده إذا استقام بلا إنحراف ولا ضلال أوينحرف وينهار كل ما بعده إذا كان هشاً ضعيفاً أو في غير الإتجاه الصحيح ـ وكان شديد الحرص على توضيح معنى العبادة الخالصة وحصرها وتقييدها وبيان صورتها ومقوماتها ومعوقاتها ونواقضها ومكمن الزلل والشطط في عقائد السابقين ؛ أين أصابوا الحق وأين أخطأوا؟.
( وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )(البينة : 5 )
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) (النحل : 36 )
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (الذاريات : 56 )
( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ) (الزمر : 11 )
والعبادة الخالصة تبنى على أربعة أركان : ـ ــ الركن الأول : الإيمان بالله : عقيدة في الله واضحة ـ معرفته جل شأنه بأسمائه وصفاته أي سماته وخصائصه سبحانه وتعالى علواً كبيراً ، ومعرفة حقوق ربوبيته وإلاهيته بالمقتضيات والمقومات والخصائص ، والعمل بهما ـ.
ومعرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله والإقرار والإيمان والتسليم بها لله هو توحيد الربوبية ـ والتوحيد نفي الشريك والمثيل والشبيه ـ ، وتوحيد الإلهيه هو توحيد الله وأفراده بالعبادة وصرفها له وحده بلا شريك ونبذ ما يعبد من دونه فلا يصرف لغير الله شيئاً من أمور العباده أو خصيصة من خصائص الإله. " يدعو ـ القرآن الكريم ـ جميع الأنس والجن إلى أن يعبدوا الله تعالى وحده بكل معاني العبادة المختلفة ، فلا تكون العَبْدِيّة (بمعنى المملوك خلاف الحر) إلا له ، ولا يطاع إلا هو ، ولا يتأله المرء إلا له ( أي يصرف ما يصرف للإله من الدعاء وتقديم القرابين وطلب قضاء الحاجات وطلب الإجارة مما لا يقدر عليه إلا الله وكل طريقة يجعل بها المخلوق مساوياً للخالق ونداً له ) ، ولا تكن حبة خردل من أي تلك الأنواع للعبادة لغير وجه الله " ( المصطلحات الأربعة في القرآن لأبو الأعلى المودودي صـ 111 ) ــ والركن الثاني : العبادة توقيفية فلا توخذ الا من المصدر الرباني ، كتاب الله وسنة نبيه ، فلا يعبد الله إلا بما أمر ، وبإعتبار أن ممارسة الحياة تعبد لله ؛ يلزم الإنسان الرجوع إلى المصدر لمعرفة ماله وما عليه ولتقويم عبوديته لله ، ولتطبيق مبداء الحاكمية ( حتى يحكموك ) بإعتبار أن التشريع حق لله وحده وهو خصيصة من خصائص الألوهيه التي لا تنبغي إلا لله وحده دون سواه ، لذا يلزم رد هذا الأمر اليه سبحانه وأستقائه من المصدر الرباني فقط ـ كتاب الله وسنة نبيه ـ.
( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) (النساء : 65 ) ــ والركن الثالث : عقيدة عامة عن عالم الغيب كذلك ـ التسليم بكل ما نص عليه المصدر الرباني مما يمثل غيباً للإنسان خفياً عنه لا يراه ولا يعلمه من غير هذا المصدر ومنه الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره وغير ذلك مما اشتمل عليه الكتاب من البعث والحشر واللوح المحفوظ والقلم وسدرة المنتهى والعرش والكرسي والسموات السبع والأرضين السبع وإتيان الأرض وإنقاصها من أطرافها وإنشقاق القمر وطي السموات.. الخ ما أشتمل عليه المصدر الكريم ، وكذلك ما ذكر من قصص السابقين والأحداث التي تقع في المتأخرين ـ. ــ والركن الرابع : تصور سليم لعالم الشهادة : حقيقته ـ كما قرر المصدر الرباني ـ والهدف المطلوب فيه ، والضالة المنشودة في أثنائه ، والمبادئ المتبعة في التعامل معه وفيه ـ إنطلاقاً من أصل أن العبودية لله فإن تفعل فلوجه الله وتقرباً إلى الله وأن تترك لله وتقرباً لله كذلك ـ ، وبنائه ـ أي عالم الشهادة ـ البناء القويم ـ في كل ما يحتاج إلى بناء ، وكل فرد وما بين يديه ـ وعدم الركون إليه على حساب التقصير في ركن من الركنين السابقين.
ويجب أن تسير هذه الأركان متوازية متساوية في ضمير العبد حتى تحقق في ضميره العبودية خالصة لله فتكون أساساً متيناً يبنى عليها ما بعدها ، وحتى يبداء الإنسان ـ فرداً أو جماعة ـ مشروع إصلاح الإنسانية من نقطة البداية ، ومن حيث بداء كل رسول ، بل من حيث أمر الله أن نبداء.
( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (الأنعام : 162 )
" إن إنحراف العقيدة وفسادها ينشئ آثاره في حياة الجماعة الواقعية ، ولايقتصر على فساد الإعتقاد والطقوس التعبدية . وتصحيح العقيدة ينشئ آثارة في صحة المشاعر وسلامتها ، وفي سلامة الحياة الإجتماعية واستقامتها . فالحياة لايمكن إلا أن تتأثر بالعقيدة ، والعقيدة لايمكن أن تعيش في معزل عن الحياة ."(الظلال ، ج 4 - 2225)" سيد قطب" هي لا تعيش في معزل عن الحياة ، فالحياة كما يقال عقيدة وجهاد ، فلابد قبل الجهاد من عقيدة ، ولابد قبل الحركة من فكرة ، لكن هل تنفصل الحركة عن الفكرة ؟ ، كيف تنفصل والحركة نتيجة الفكرة ؟ ، ولا تستقيم الحركة مالم تتحقق الأحاطة والدراية بالفكرة ؛ لأنها تشرح وتقرر طبيعة الحركة ، ومنهج الحركة وهدف الحركة كذلك ، والفكرة هنا هي إقامة العبودية خالصة لله ، والحركة ممارسة تفاصيل الحياة ـ كل تفاصيل الحياة ـ إنطلاقاً من ذلك المبداء ـ ممارسة الحياة لا الرهبانية ولا الزهد ، وإلا كيف يكون البناء؟ ، ويخطئ من لا يُفرق بين الوَرَعّ والزهد والتعبد والرهبانية ـ ، وبذلك تكون الحياة كلها بكل تفاصيلها عبادة لله ـ على صراط مستقيم ـ ، وهذا بجملته هو الهدف المرجو من الإنسان والسبب الذي من أجله خلق لهذه الحياة.
أما التعبد والرهبانية بمعنى إنقطاع الفرد عن التفاعل والتناغم مع الحياة والمشاركة الفاعلة في بناء الحياة فهو حفظ لشيء واحد وتجاهل لكل شيء سواه ، وبذا لايكون تطبيقاً للعبودية الخالصة لله على صورتها الكاملة ، حيث أن تطبيق العبودية يكون بممارسة كل تفاصيل الحياة بإيمان خالص بالله ، أما الزهد في ممارسة الحياة فليس من الدين في شيء ، وهي نكوص وسلبية وطمس للإنسانية لم يأمر بها الدين.
( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (الحديد : 27 ) والعبادة ـ الخالصة لله ـ هي القاعدة التي لا يستقيم الإنسان ـ فكره وسلوكه وحتى معنوياته ـ إلا بها ولإنها الأساس الذي لايعرف الإنسان نفسه إلا به ـ من أين جاء ؟ ، وإلى أين يذهب ؟ ، ولأي شأن جاء ؟ ، ومن هو ؟ ، وإلى أين يمضي ؟ ، وكيف يمضي ؟ ، وماهي القاعدة الفيصل الحَكَم التي يعوذ إليها فكره عن الضياع ؟ وكقاعدة ينطلق منها ، ولا يعرف الحق إلا بواسطته ، ولا يستنير السبيل إلا بهداه ـ في تعاملاته مع الناس أو مع الطبيعة أو بينه وبين نفسه ـ ، ولا يتضح له التصور بجلاء شفاف إلا بالعيش في ظلال العبادة الخالصة لله على صورتها الأصيلة وبعد فهمها الفهم الصحيح.
( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (البقرة : 143 )
[size=5]قال ابن جرير الطبري ثنا أبو كريب قال ثنا وكيع الجراح وعبيد الله وحدثنا سفيان بن وكيع قال ثنا عبيد الله بن موسى جميعا عن إسرائيل بن يونس بن إسحاق عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلون نحو بيت المقدس؟. فأنزل الله جل ثناؤه ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ).أ.هـ إذاً فالإيمان فكرة تستقر في القلب وتترجم حركة في الواقع ، فهو فكرة وحركة ، أي عقيدة في الله واضحة وعبودية لله خالصة ، تطبق في واقع الحياة ، كالصلاة.[/size] والفكرة في الإسلام ليست للتنظير فقط لا حظ لها من الواقع ، إنما هي مبادئ أو أوامر جاءت لتفرض على أرض الواقع وتطبق في حياة الناس.
وبما أن الإيمان هو فكرة وتطبيقه حركة والحركة هي إخلاص العبودية لله ، يكون الإيمان هو العروة الوثقى ، أو تطبيق العبودية خالصة لله بناء على على صحة الإيمان بالله هو العروة الوثقى ، فالإيمان والعبودية وجهان لعملة واحدة كما يقال ، فهما الفكرة والحركة أو العلم والعمل أو الدراسة والمشروع أو العقيدة والشريعة ، سمهما ما شئت ، ولا جدوى البتة لأحدهما دون الأخرى ، بل لا وجود ولا اعتبار لوجود أحدهما دون الأخرى.
تلك هي القاعدة التي يجب أن يقوم عليها تفكير الإنسان وسلوكه في تفاعله وتناغمه مع الكون وكل ما في الكون إبتداء من نفسه من تلك المعركة الصغيرة بين نزعاته وإنفعلاته ومبادئه وثوابته وحتى مواجهة القوى المادية الطاغية في كل ما حوله.
************************************************** **** من مقومات العبادة الخالصة : ـ ـ ( وضوح العقيدة في الله وصحتها ) تمجيد وتعظيم الله وتنزيهه عما سواه بكل شئ ـ (ممارسة كل تفاصيل الحياة بتعبد لله ، أو بعبارة أخرى : الحياة في سبيل الله ) وهذا هو العمل أو الجزء الحركي أو التطبيق على الواقع ، وهو التعبد والتنسك وأداء الشعائر التعبدية لله بما شرع وكما أمر بلا زيادة عما قرر ـ ( تطبيق العبودية على حقيقتها ) الطاعة لله بكل الجوارح ـ حتى بالمشاعر وإتجاهات الهوى ـ تسليماً وخضوعاً وتذللاً لله ـ الدعاء ( الإبتهال والمناجاة والصلاة إتصالاً مع الله وتقرباً له ومدداً للإيمان ) الإتصال الروحي بالله حتى يكون الله تعالى في سمع العبد وبصره وحسه ـ بمعنى إستحضار وجوده ومراقبته واليقين بإحاطة علمه جل شأنه. ـ ( توقيف العبادة على ما أمر الله ولله فقط ) عدم صرف شئ من مقومات العبادة لغير وجه الله تعالى ، وعدم الإجتهاد فيها بشيء لم ينص عليه المصدر الرباني. ـ ( تطبيق الحاكمية لله ) الرجوع الى المصدر الرباني وأستقاء الهدى منه لا من سواه والتمسك به ورد كل شيء إليه. ـ ( إقامة الوزن بالميزان الرباني لكل شي وكل حي ، وهذا العنصريدخل ضمناً في الحاكمية ) الأعتدال والموازنة في الحكم والنظر إلى كل شيء وكل حي ، ومن منظور إسلامي. ـ الخلوص من الأساطير والحكايات والخرافات التي لم ترد في المصدر الرباني وعدم الركون إليها كمصدر للحكمة هو الأول ، ومنها كذلك كل الكتب السماوية حاشا القرآن الكريم ، على إعتبار أنها بوضعها الراهن ليست الوحي الخالص بل هي وحي عطل وحرف وزيد عليه ونقص منه. ( العنصر السابق ) ـ علم الأنسان أن الله أعطاه الحرية في إختيار دينه ومنهجه وكفل له هذه الحرية ونهى عن حرب هذه الحرية ، وعلمه كذلك أن تلك الحرية مسئولية يتحدد بها مصيره فإن هلك فعن بينة وإن نجى فعن بينة كذلك. ( العنصر السابق ) ـ ( وضوح وصحة العقيدة في الله وعالم الغيب والشهادة وفهم بصير لمبداء الحاكمية ) علم الإنسان أن الله لم يجعل بينه وبين عباده حجاب ولا وسطاء فليس يحتاج العبد عند الله وساطة ولا شفاعة من أحد في هذه الدنيا لا من الأحياء ولا من الأموات ولا الأنبياء ولا الصالحين فالعبادة بين العبد وربه بلا شريك ولا وسيط إنما هو شفيع نفسه وقربته وتعبده تشفع له عند الله. وأنه لا يشفع أحد عند الله بالعبد إلا إن أذن الله للشافع بالشفاعة. وأن التشفع بمن لم يأذن الله به شرك أكبر بالله يخرج صاحبه من دائرة الأسلام لأنه خرج من دائراة التوحيد. ولا يدخل في هذا أن تطلب من أخيك الدعاء لك.
************
( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) (الأنعام : 57 )
( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (الكهف : 110 )
ربي تقبل مني
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء
هذا مذهبي والله اعلم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
كتبه :
عبدالله بن غنام الفريدي
ابو عزام
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله بن غنام ; 27-07-07 الساعة 04:11 AM |
| |