..[ من مأمنه يؤتى الحذر ].. مثل عربي أؤمن دوماً بِأن الثقة موقفٌ وليستْ صفةً ذاتيةً متأصِّلَةً في الموثوقِ به فالثقة التي فيه وجرِّبناها إنما هي تصرُّفٌ راقٍ نبيلٌ في موقف من مواقف الحياة ولأجل هذا كانت الأمثال الدارجة تحملُ شيئاً مقرِّراً لهذا المعنى، كالمثَلِ المشهور أعلاه ” من مأمَنِهِ يُؤْتَى الحَذِرُ “ و ” إحذرْ عدوَّك مرة وإحذرْ صديقَك ألفَ مرَّة “ و ” إحذرْ نفسَك التي بين جنْبَيْك “ ولم يُتْرَك هذا على إطلاقِهِ بل أتوا بأمثالٍ مقيِّداتٍ كـ ” حرِّص الناسَ ولا تخوِّنْهم “ والأمثال دروس الحياة المضمونة إذا فُهِمَتْ فهماً صحيحاً. كل ذلك يبعثُ إلينا برسالةٍ كبيرة وهي أن نكون أشدَّ ما نكون حّذَراً من تلك الأشياءَ التي نجد فيها أمْناً كبيراً ونطمئن إليها إطمئناناً عظيماً وأول ذلك كله أن نحذرَ أنفسنا في رؤيتها وتقييمها لتلك الأشياء قبل أن تُصْدِرَ حُكماً عليها وفي قراراتنا التي تحكُمُ مسيرة حياتنا وعلاقاتنا ذلك الحذر لا يضطرنا إلى إتهام الناس بل يجعلنا نضعهم في مكانهم المناسب لهم والإنسانُ يُوضَع حيث وضَع نفسه فإنْ وضَعها في موضِعٌ تُحمَد عليه حُمِدَ وإن وضعها في موضِعٍ تُذمُّ به ذُمَّ وليس على أحد لومٌ في أحكام تترتَّبُ على ذلك. الحذرُ ليس صفةً سلبية وليست عيباً في الإنسان بل هي عين الإحتياط في سلامة الأمور وإنما العيبُ والخطأ في النتيجة السلوكية التي يُوظَّف فيها الحذَر فمن يتخذ الحذَرَ لأجلِ أن يجعل الناس كلهم مخطئون وكلَّهم متهمون فلا يتواصل معهم ولا يأمَنهم هذا إنسان هو في نفسه يعيش تلك الأشياء فيرميها على غيره ليبرأَ هو من وصمتها على حكْم المثلِ الآخر ” رَمَتْني بدائها واَنْسَلَّتْ “
إذن لأجل أن تسلم الحياة علينا أن نكون حَذِرين في مواضعِ الخُطْى فيها وأن تحيَّن فُرَصَ الصوابِ في التعامل مع الحياة ولنحْذرْ مآمِننا