الإخلاص لله والتَّجرد له والصدق معه ظاهراً وباطناً, قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
واعلم أنَّ الإخلاص وحُبَّ الثناء لا يجتمعان في قلب مؤمن صادق أبداً, فهما نقيضان وضِدَّان, وكن كحال ذلك الأعرابي الذي جاهد مع النبي صلى الله ليه وسلم بصدقٍ ونوى أن يُضْرَبَ بسهمٍ في عنقه ليموت شهيداً, ولم يأخذ نصيبه من الغنيمة, فأصابه سهم في المكان الذي نواه, فلما استشهد قال صلى الله ليه وسلم: «صدق الله فصدَقه الله» !! فهل أنت كذلك؟
ترفَّع عن متاع الدُّنيا فإنَّها دَنِيَّة, عمُرها قصير, أولها بكاء, وأوسطها عناء, وآخرها فناء, غرَّارةٌ مكَّارة, قولها مضحك وفِعلها مبك, فطَلِّقها بالثَّلاث, واجعل همَّك الآخرة وما عند الله تعالى, يكفيك الله سائر همومك, قال رسول الله صلى الله ليه وسلم: «ما لي وللدُّنيا,إنَّما مثلي كرجلٍ استظلَّ بظلِّ شجرة, ثمَّ قام وتركها». نعم خُذ حاجتك منها فقط ممَّا هو زادٌ للآخرة؛ فإنَّما خُلِقتَ لِتَجُوزها لا لِتَحُوزها, ولتَعْبُرها لا لتَعْمُرها, فاقتل قلبك وهواك المائل إليها, واقبل نصحي ولا تعوِّل عليها تكُن بإذن الله مِن الفائزين.
كُن في حِلِّك وترْحالك وحضرك وسفرك كالمطر؛ أينما وقع أَنْبَت وأَثمر, ما لم تكن الأرض جدباء قِيعان, فإنها لا تُمسك ماءً ولا تنبت كلأً, فلا يهمك النَّاس، بل عليك تبليغ دين الله تعالى والمساهمة في نشره, وأمَّا هداية النَّاس وتوفيقهم فهذا موكول إلى خالقهم جل وعلا {إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبلاغُ} وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}، فلا تحتقر نفسك وهِمَّتك وعملك, بل اعمل في كلِّ الميادين واطرق كل الأبواب وساهم في كل المجالات؛ فلربَّما فتح الله على يديك خيراً كثيراً قد لا تتوقعه أبداً, وفي الحديث: «طوبى لعبدٍ آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مُغبرةٌ قدمه, إن كان في الحراسة كان في الحراسة, وإن كان في السَّاقة كان في السَّاقة» (رواه البخاري).
حدِّد لك وقتاً تخلو فيه مع نفسك, وتُعَلِّق فيه قلبك بالله تعالى بذكره وتلاوة كتابه؛ فأنت عبدٌ ضعيف وتحتاج إلى مزيدٍ من الشحنات الإيمانية الوقائية, وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه».
خالط النَّاس واصبر على أذاهم و تحمَّل في سبيل الله تعالى, فهذا لقمان الحكيم لمَّا وصَّى ابنه بوصاياه العظيمة التي سجلها القرآن, كان مِمَّا جاء فيها: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} ثم قال له: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} أي مِن جُفُوِّ النَّاس وإعراضهم, فكُن لهم كالطبيب والأب الحنون الذي لا يسعى إلا إلى مصلحة من ولاَّه الله وجعلهم تحت رعايته.