البر سبب لرضا الله تعالى:
كما في الترمذي بسند صحيح من حديث ابن عمرو أن الحبيب
قال: ((رضاالرب من رضا الوالدين، وسخط الرب من سخط
الوالدين)).
فيا من تهينهما ولا تكرمهما، يا من تغضبهما ولا ترضيهما،
احذر عضب
الجبار جلّ وعلا، ألك قدرة على الله؟! ألك قدرة على النار؟! إن
أخذه شديد
مرير عسير، أخذ عزيز مقتدر. ويا من حرصت على رضاهما،
هنيئا لك برضا الله
الذي هو أكبر من الدنيا، بل أكبر من الجنة وما فيها، وَرِضْوَانٌ
مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ
، وخدمتهما شهادة لك بين يدي الجبار جل وعلا، ورضاهما ثروة
لك في الدنيا
قبل الآخرة. وانظر حينما يكون الأب والأم في رضا عن ولدهم؛
كان رجل يقال
له: كلاب بن أمية بن الأسكر، له أبوان شيخان كبيران، وكان
يأتيهما
بصبوحهما وغبوقهما ـ الصبوح: شرب اللبن في الصباح،
والغبوق: في المساء
ـ، فجاءه رجلان فلم يزالا به يرغبانه في الغزو حتى اشترى غلامًا
فأقامه
مقامه وخرج للجهاد، فجاء الغلام ذات ليلة بغبوق الأبوين وهما
نائمان،
فقام ساعة فلم ينبههما فذهب وتركهما، فانتبها في بعض الليل
وهما جائعان
فقال الشيخ:
|
لِمن شيخان قد نشدا كلاباكتابَ الله إن قبـل الكتابـا |
تركت أباك مرعشـة يـداهوأمك ما تسيغ لهـا شرابـا |
إذا نعب الحمام ببطـن وجعلـى بيضاتـه ذكـرا كـلابـا |
أتــاه مهـاجـران تكـنـفـاهففارق شيخه خَطِئا وخابـا |
أناديـه فيعـرض فـي إبــاءفلا وأبي كـلاب مـا أصابـا |
وإنك والتماس الأجر بعديكباغي الماء يتبـع السرابـا |
|
وكان عمر بن الخطا رضي الله عنه إذا قدم عليه قادم سأله
عن الناس وعن
أخبارهم وعن حالهم، فقدم عليه قادم فقال: من أين؟ قال: من
الطائف قال:
كيف تركتهم؟ قال: رأيت بها شيخًا يقول.. وذكر الأبيات، فبكى
عمر وقال:
أجل، وأبي كلاب ما أصابا. ثم إن أمية بن الأسكر أخذ بيد قائده
ودخل على
عمر وهو في المسجد فأنشده:
|
أعاذل قـد عذلـت بغيـر قـدرولا تدريـن عـاذل مـا ألاقــي |
فإمـا كنـت عاذلـتـي فــرديكـلابــا إذا تـوجــه لـلـعــراق |
فتى الفتيان في عسر ويسرشديد الركن في يوم التلاقي |
فلا وأبيـك مـا باليـت وجـديولا شفقي عليك ولا اشتياقي |
وإيـقـادي علـيـك إذا شـتـونـاوضمك تحت نحري واعتناقي |
فلو فلـق الفـؤاد شديـد وجـدلَهـمَّ ســواد قلـبِـي بانـفـلاق |
سأستعدي على الفاروق ربـاله دفـعَ الحجيـج إلَـى بسـاق |
وأدعــو الله مجتـهـدًا عـلـيـهببطـن الأخشبيـن إلَـى دفـاق |
إن الفـاروق لَـم يـردد كـلابـاعلـى شيخيْـن هامُهـمـا زواق |
|
فبكى عمر وكتب إلى أبي موسى الأشعري في ردّ كلاب إلى
المدينة، فدعاه
فقال: الحق بعمر بن الخطاب، فقال: لِمَ؟! ما أحدثتُ حدثا ولا آويت
محدثا،
قال: انطلق. فجاء إلى عمر بن الخطاب، فلما قدم دخل عليه فقال
له عمر:
ما بلغ من برّك بأبيك؟ فقال: كنت أوثِره وأكفيه أمرَه، وكنت أعتمد
إذا
أردت أن أحلب له لبنًا إلى أغزر ناقة في إبله، فأسمنها وأريحها
وأتركها
حتى تستقرّ، ثم أغسل أخلافها حتى تبرد، ثم أحتلب له فأسقيه.
فبعث عمر إلى
أبيه فجاءه فدخل عليه وهو يتهادى وقد انحنى فقال له: كيف
أنت يا أبا كلاب؟ فقال: كما ترى يا أمير المؤمنين، فقال: هل لك
من حاجة؟
قال: نعم،
كنت أشتهي أن أرى كلابا فأشمه شمّة وأضمه ضمّة قبل أن
أموت، فبكى عمر
وقال: ستبلغ في هذا ما تحبّ إن شاء الله تعالى. ثم أمر كلابا
أن يحتلب لأبيه
ناقة كما كان يفعل ويبعث بلبنها إليه، ففعل وناوله عمر الإناء
وقال:
اشرب هذا يا أبا كلاب، فأخذه فلما أدناه من فمه قال: والله
يا أمير
المؤمنين إني لأشم رائحة يدَي كلاب، فبكى عمر وقال: هذا
كلاب عندك حاضر،وقد جئناك به، فوثب إلى ابنه وضمّه إليه
وقبّله وبكى
بكاء شديدًا، فجعل
عمر والحاضرون يبكون وقالوا
لكلاب: الزم أبويك، فلم يزل مقيمًا عندهما إلى أن مات.
فانظر إلى هذا
المثال الرائع في رضا الوالد والوالدة