يستمر عرض مسرحية "السيد إبراهيم وزهور القرآن" للكاتب إريك إيمانويال شميث في مسرح "ريف غوش" أمام جمهور يملأ القاعة كل مساء، ويزداد تجاوبا مع البطل المسلم الذي قدم القرآن كحديقة تنبت فيها زهور التآخي والتكافل والتضامن والتسامح والترغيب خلافا للصورة النمطية السائدة التي يروجها محترفو التخويف والترهيب.
وتدور أحداث المسرحية في باريس في ستينيات القرن الماضي في شكل حوار بين السيد إبراهيم تاجر المواد الغذائية المسلم المعروف عند فرنسيي الأحياء المخملية "بعربي الزاوية" وبين الطفل اليهودي مومو الذي يفقد والده، بعد أن انتحر بسبب عدم قدرته على تحمل حياة الوحدة و"الأمية العاطفية والروحية".
لالان تقمص دوري التاجر إبراهيم والطفل مومو في المسرحية (الجزيرة) ملجأ روحي "السيد إبراهيم" تركي مسلم صوفي، وليس عربيا كما كان يعتقد سكان الحي، ومن بينهم مومو ابن الثالثة عشرة الذي وجد في السيد إبراهيم ملاذا روحيا وعائليا ونفسيا إثر انتحار والده المحامي، متأثرا بوحدة قاسية بعد فشله في حياة زوجية كادت أن تقضي على طفولة الابن البرئ، لولا التاجر الذي أخرجه من محنته وعلمه معاني التسامح والسعادة الروحية والعطاء من خلال مقولته "الشيء الذي تعطيه يعد ملكا دائما والشيء الذي تحتفظ به يعد خسارة أبدية". مع مرور الأيام، لم يعد الطفل مومو قادرا على الاستغناء عن "السيد إبراهيم"، الذي أزاح عن عيونه غشاوة الأفكار المسبقة عن الغريب الآتي من بعيد وأمده الحب والحنان والحكمة، وكبر الطفل مع السيد إبراهيم وبلغ الالتقاء الروحي بينهما درجة أدت إلى إقدام التاجر المسلم على تبني الطفل اليهودي مومو، وسافرا معا إلى تركيا. هناك اكتشف المراهق سحر وروحية الشرق، وفهم مغزى رقصات الدراويش الدوارين، قبل وفاة السيد إبراهيم في مشهد تراجيدي بكى مومو خلاله، متأثرا بالأب الثاني والحقيقي، الذي أسعده بقيمه الإنسانية والروحية وعطائه دون مقابل أو طمع مادي، ولكن طلبا لسعادة نفسية تغمر الإنسان. مسرحية "السيد إبراهيم وزهور القرآن"، التي قدمت في مسارح أوروبية عديدة، ليست فقط نصا بديعا مزج من خلاله شميث بين المسرح والشعر والرواية والفلسفة، بل تمثل أيضا تحفة فنية أبدعتها المخرجة آن بورجوا، التي عرفت كيف تجعل من الموسيقى والإضاءة والسينوغرافيا عوامل تناغم مسرحي. كما تمكنت بورجوا من تفجير طاقة الممثل والمغني الملتزم فرنسيس لالان على النحو الذي مكنه من تقمص دوري التاجر والطفل، ومن تجسيد لعب كوميدي وتراجيدي باحترافية مدهشة صفق لها الجمهور مطولا في غياب عرب ومسلمين مازالوا غير معنيين بما يتعلق بهويتهم في باريس كل الفنون. " مسرحية " السيد إبراهيم وزهور القرآن"، ليست فقط نصا بديعا مزج من خلاله شميث بين المسرح والشعر والرواية والفلسفة، بل تمثل أيضا تحفة فنية أبدعتها المخرجة آن بورجوا " نجاح سينمائي ويجدر الذكر أن مسرحية "السيد إبراهيم وزهور القرآن"، التي أصدرها شميت عام 2001 عن دار ألبا ميشال، وباع منها ثلاثة ملايين نسخة في أوروبا قد عرفت طريقها إلى السينما عام 2003، حينما تحولت إلى فيلم أخرجه فرنسوا دوبيران، ومثل فيه النجم العربي عمر الشريف دور السيد إبراهيم، وظفر يومها بجائزة سيزار أحسن ممثل، وكانت عودته إلى السينما حديث كل نقاد ومحبي الفن السابع. كاتب المسرحية شميث الذي ولد عام 1960 بضواحي ليون اشتهر منذ التسعينيات بمسرحيات "ليلة فلوني" و"الزائر" وتنوعات غامضة" و" فردريك أو شارع الجريمة" و"مدرسة الشيطان" و"ألف حياة وحياة"، وتفرغ لاحقا للكتابة المسرحية تاركا الفلسفة التي نال فيها شهادة الدكتوراه. وعرف شميث روائيا بأعمال هامة في العشرية الأخيرة من بينها " الإنجيل حسب بيلات " –سيرة المسيح – و" نصيب الآخر" و" حينما كنت تحفة فنية " – أسطورة فوست- و" ميلاريبا- عن البوذية– و" أوسكار والسيدة الوردية" –عن المسيحية- و" طفل نوح" – عن اليهودية. أما المغني والممثل فرنسيس لالان، السيد إبراهيم، فهو من مواليد عام 1958 بمدينة بايون جنوب فرنسا، واشتهر بألبومه الأول "ادخل بيتك" عام 1979، وهو صاحب روايات ومجموعات قصصية وشعرية، وبلغت معارضته للرئيس السابق ساركوزي حدا دفعه إلى مراسلته من خلال قصيدة تندد بتراجع العدل وحقوق الإنسان أثناء فترة حكمه