ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيماً فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق
ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.
عن أنس رضي الله عنه قال" خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين،
والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا"
- رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي.
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له
ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.
وفي رواية ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله
- رواه مالك والشيخان وأبو داود.
عن عائشة رضي الله عنها قالت
"ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا،
فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط
إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم".
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
(الانبياء:107)
وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم "إني لم أبعث لعانًا،
وإنما بعثت رحمة" - رواه مسلم.
" قال عليه الصلاة والسلام : اللهم إنما أنا بشر ،
فأيُّ المسلمين سببته أو لعنته ، فاجعلها له زكاة و أجراً "
رواه مسلم .
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً ، فشقَّ عليهم ، فاشقُق عليه ، و من ولي من أمر أمتي شيئاً ، فرفق بهم ، فارفق به  
قال صلى الله عليه وسلم : (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم) رواه البخاري.
قال تعالى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ..)
(آل عمران:159)
وقال صلى الله عليه وسلم في فضل الرحمة:
(الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)
رواه الترمذي وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة الذين أخبر عنهم بقوله:
( أهل الجنة ثلاثة وذكر منهم ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم )
رواه مسلم.
عفو النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أنس رضي الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقًا،
فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم
، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق،
فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك
فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله – فذهبت"
رواه مسلم وأبو داود.
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ
قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي ،
فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَه مَه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزرموه، دعوه) ،
فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:
(إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن)
قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه.
رواه مسلم
تواضعه صلى الله عليه وسلم :
وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوتهم دعوة الحر والعبد والغني والفقير
ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر.
وكان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين ، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى:
(( تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ ))
[ القصص 83 ].
فكان أبعد الناس عن الكبر ، كيف لا وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم :
(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله)
رواه البخاري.
كيف لا وهو الذي كان يقول صلى الله عليه وسلم :
(آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني.
كيف لا وهو القائل بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم
(لو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ ولو دُعيت عليه لأجبت)
رواه الترمذي وصححه الألباني.
كيف لا وهو الذي كان صلى الله عليه وسلم يحذر من الكبر أيما تحذير فقال :
( لا يدخل في الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) رواه مسلم
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب الدعوة
ولو إلى خبز الشعير ويقبل الهدية.
عن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير
والإهالة السنخة فيجيب - رواه الترمذي في الشمائل.
الإهالة السنخة: أي الدهن الجامد المتغير الريح من طوال المكث.
مجلسه صلى الله عليه وسلم
كان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط،
عن أنس رضي الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه
لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده،
ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه،
ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له" - رواه أبو داود والترمذي بلفظه.
عن أبي أمامة الباهلي قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا،
فقمنا إليه، فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا -
رواه أبو داود أبن ماجة وإسناده حسن.
زهده صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة خيره الله تعالى
بين أن يكون ملكا نبيا أو يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا.
كان ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة،
وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه :
( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة
من أدم حشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف
النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر:
أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال : بلى قال: هو كذلك )
وكان من زهده صلى الله عليه وسلم وقلة ما بيده أن النار
لا توقد في بيته في الثلاثة أهلة في شهرين .
عن عروة رضي الله عنه قال: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تقول:
والله يا ابن أختي كنا لننظر إلى الهلال ثم الهـلال ثـلاثة أهله في شهرين ما أوقـد في أبيـات رسـول الله صلى الله عليه وسلم نار،
قلت: يا خالة فما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان ـ التمر والماء ـ)
متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله
لا يجدون عشاءاً، وكان أكثر خبزهم الشعير)
رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.
عبادته
كان عليه الصلاة والسلام أعبد الناس ،
و من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان عبداً لله شكوراً.
فإن من تمام كريم الأخلاق هو التأدب مع الله رب العالمين
وذلك بأن يعرف العبد حقّ ربه سبحانه وتعالى عليه فيسعى لتأدية ما أوجب الله عز وجل عليه
من الفرائض ثم يتمم ذلك بما يسّر الله تعالى له من النوافل ،
وكلما بلغ العبد درجةً مرتفعةً عاليةً في العلم والفضل والتقى
كلما عرف حق الله تعالى عليه فسارع إلى تأديته والتقرب إليه عز وجل بالنوافل.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين في الحديث القدسي
الذي يرويه عن ربه إن الله تعالى قالى:
(... وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه،
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به
ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها،
وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه...) رواه البخاري.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرف حق ربه عز وجل عليه
وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على الرغم من ذلك
كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ
ويسجد فيدعو ويسبح ويدعو ويثني على الله تبارك وتعالى
ويخشع لله عز وجل حتى يُسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل.
فعن عبدالله بن الشخير ـ رضي الله عنه ـ قال:
(أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء)
رواه أبو داود وصححه الألباني.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله
وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) رواه البخاري.
وكان مـن تـمثله صلى الله عليه وسلم للقـرآن أنه يذكر الله تعالى كثيراً،
قال عز وجل : (( ....وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُـم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيـماً ))
[ الأحزاب 35 ].
وقال تعالى : (( ... فَاذْكُرُونِيَ أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )) [البقرة 152 ].
ومن تخلقه صلى الله عليه وسلم بأخلاق القرآن وآدابه تنفيذاً لأمر ربه عز وجل
أنه كان يحب ذكر الله ويأمر به ويحث عليه،
قال صلى الله عليه وسلم :
(لأن أقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس)
رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم :
(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره ، مثل الحي والميت) رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم :
(ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله)
أخرجه الطبراني بسندٍ حسن.
كان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس دعاءً،
وكان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول:
(اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)
متفق عليه .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ
أنه كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته:
(اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) رواه النسائي وصححه الألباني.