الجزيرة نت-خاص استطاعت الجزيرة نت الدخول إلى درعا مهد الثورة في سوريا وتسجيل شهادات الأهالي بشأن الشرارة الأولى التي أطلقت الاحتجاجات ليس في المحافظة فحسب وإنما في عموم البلاد. البداية كما روى سكان المدينة كانت يوم الثلاثاء 15 مارس/آذار 2011 عندما خطط مجموعة من الشباب من مشارب متنوعة للاعتصام في ساحة السرايا بدرعا، لكن الأمن كان موجودا بكثافة في المكان والموعد المزمع، لذا اختاروا التأجيل إلى يوم الجمعة الموافق 18 مارس/آذار. قال أحد هؤلاء الشباب للجزيرة نت "اشترينا أعلاما وتوقعنا التعرض للضرب والاعتقال، لذلك بحثنا عن أنسب عيادة يمكن نقل الإصابات إليها إذا حدثت، واتفقنا على تنفيذ الاعتصام في حال تجاوز عدد المشاركين في قلب الساحة مائة شخص، لكن لم نتمكن من ذلك". الهتافات الأولى
ثم تجددت المحاولة -بحسب الشاب- بعد صلاة الجمعة في جامع الحمزة والعباس، حيث انطلقت من هناك التكبيرات والهتافات الأولى للحرية، وعبر المتظاهرون الزقاق المؤدي إلى الجامع العمري حيث تزايدت أعداد المشاركين، وانضم إليهم أهالي درعا المحطة لاحقا. "تكاثر الناس بطريقة عفوية، وكثير منهم لم يكن على علم مسبق بالأمر" وفق المصدر، وتابع "في تلك اللحظات أدركت أن الأمر خرج من عقاله وأن الحراك سيأخذ مداه، وحدث تبادل للقذف بالحجارة بين الأمن والمتظاهرين.. كان هناك شرطي عالق بسيارته بين الناس استطعنا إخراجه وتهريبه، في حين بدأ شرطي آخر إطلاق النار في الهواء". أحد الناشطين قال "لا نعرف كيف تدبر الشباب أمر كتابة اللافتات، وعرفنا أنهم استعانوا ببعض الورق من الجامع إذ لم يكن ذلك في الحسبان في يوم عطلة". ووصل محافظ درعا فيصل كلثوم مع مديري الأمن العسكري والسياسي في محاولة لضبط الوضع، لكن المحافظ أثار المزيد من سخط الناس بقوله إن الرتب التي على كتفي رجل الأمن الذي أصيب بالحجر شرف لهم، فقذفه المتظاهرون بالحجارة واضطر على إثر ذلك للفرار على دراجة نارية. وسرعان ما بدأت تصل تعزيزات إلى درعا عبر طائرات حوامة كانت تحط في ملعب كرة القدم بساحة البانوراما، ونشر ناشطون مقطع فيديو يظهر وصول تلك الطائرات على دفعات وهبوطها داخل الملعب ثم إقلاعها مجددا. استخدم رجال الأمن الغازات المدمعة والحجارة وكذلك الرصاص الحي في مواجهة المحتجين، مما أسفر عن سقوط أول شهيدين في الثورة وهما حسام عياش ومحمود جوابرة. لماذا درعا؟
يقول الأهالي إن مجموعة من الظروف اجتمعت وهيأت لانطلاق الاحتجاجات بقوة من محافظتهم، فإلى جانب معاناتهم كبقية السوريين من وطأة حكم النظام لعقود، تضرروا من القانون الذي يعتبر المحافظة منطقة حدودية إذ يعيق بيع الأراضي والعقارات إلا بموافقات أمنية قد تستغرق عاما كاملا وتكلف مبالغ مالية كبيرة. من جانب آخر قال أحد أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي الناصري -وهو حزب معارض سري- "يوجد في المحافظة عدد لا بأس به من أعضاء هذا الحزب، فيمكن الكلام عن نوع من التسييس في أوساط الناس هنا". ولكن السبب المباشر بحسب الشهادات التي استقتها الجزيرة نت، هو اعتقال مجموعة من تلاميذ المدارس في درعا بسبب كتابتهم على جدران المدرسة عبارات مناهضة للنظا.، وهناك سبب آخر متعلق بطبيعة مجتمع درعا الذي حافظ على نوع من القبلية، حيث يتداعى الناس لنجدة بعضهم فيما يسمونه بلهجة أهل حوران "الفزعة"، وقد هبوا جميعا للتظاهر. هتفوا للحرية
وقد ردد أهل درعا "من هاليوم مافي خوف" وهتفوا للحرية و"الله سوريا وحرية وبس" ذلك الهتاف الذي أصبح أيقونة للثورة السورية والرافض لاقتران الأسد في ثالوث "الله سوريا بشار"، أحد الناشطين يقول "فقط حريتنا وكرامتنا تستحقان التقديس والاقتران بالله والوطن". الأطفال المعتقلون أيضا كانوا من أبرز ما هتف الناس له طلبا للإفراج عنهم، وارتفعت أيضا صيحات تنادي بالسلمية. ونادت الحشود بإسقاط الفساد وطالت هتافاتهم رامي مخلوف ابن خال الرئيس الأسد ومحافظ درعا منددين به، وقال الناشطون "لقد ظهرت منذ اليوم هتافات تنادي بإسقاط النظام لكنها كانت محدودة، قبل أن تعم في وقت لاحق". وشيع الأهالي في اليوم التالي "الشهيدين" ليبدأ مسلسل الاحتجاج وقتل المتظاهرين وتشييعهم في جنازات تتحول إلى مظاهرات.