كنت في دكان لشيخ باكستاني حين دخل علينا طفلٌ صغير لا أظنه جاوز الخمس سنوات ، وكان الطفل يخفي معصميه خلف ظهرة باسماً إذ قال للشيخ ـ وكأنه يتحداه ـ : ( ماذا في يدي ؟؟؟) ، فقال الشيخ الوقور وبنبرة الشخص الواثق العارف : ( ألف ريال . ) ، فقال الطفل : ( لا ) فقال الشيخ بنبرة المشدوه المستغرب : ( أ سبعمئة ريال معك ؟ ) فقال الطفل ـ باسماً ـ : ( لا) .
فقلت للطفل ـ باسماً في وجهه ـ : ( أخمسة ريالات معك ؟ ) ، فقال : ( لا ) ، فقلت : ( هي حلوى إذاً ؟ ) ، فقال : ( لا ) ، فقال الشيخ : ( عشرة ريالات هي ) .
فضحك الطفل الصغير هازئاً من حيرتنا ، وضحك كما يضحك الكبير من أعاجيب الأطفال .
وقال أخيراً : ( صحيح معي عشرة ريالات ) ومداً يداً ككمِّ الورد فيها خمسة ريالات .
وكان يضحك ـ فداه نفسي ـ كالملائك الزكية ، وفي سمته مرح كنشوة الإنتصار ، فقد أنتصر العقل الجنين على العقل المكين ، كما أنتصر صنيعة السرور على ربيب الدهور.
وعدا أنه سأني أن الطفل قد كذب ، فقد أعجبني ذلك المشهد جــــداً ؛ بمكانه البسيط في دكان متواضع لشيخ كبير تعلوه سكينة المؤمن وكِبرَةُ المشيب ... أعجبني المشهد بدخول الطفل إلى دائرة الضوء وخفوت الضوء في أرجاء الدكان وتمركزه على الطفل والشيخ .
أعجبني المشهد بحسن أداء شخصية الطفل في التملص من الإجابة وخلق جو من الغموض ، وجدية قسمات محياه على حداثة سنه .
أعجبني المشهد بشخصية الشيخ إذ أظهرت الوقار والرزانة في تفاعلها مع الطفل الصغير وبتعبيرها عن الثقة أولاً وعن الحيرة والجهل فيما بعد .
أعجبني المشهد بفكرته وتسلسله ومواطن الضوء فيهوزوايا الظلام.
أعجبني المشهد في الحوار المتبادل وفي اللهفة والصدق في الحوار.
أعجبني المشهد بنهايته بمفاجأة جديدة تؤكد جهل الشيخ أمام الطفل.
وتمنيت لو لم يكذب الطفل لكان حقاً مشهداً من صنع الحياة جدُ مؤثر وجد جميل.
أخي الفاضل / أباعزام
اسمحلي خليلي أن ألتقط من إبداعك هذه الكلمة (( الشـــــــيخ))
جامعة / تاريخها متجذر في عمر الزمن
جامعة / دروسها مستوحاة من تجارب الحياة
جامعة / فصولها ، عقود منخورة معقدة التركيب ((الشـــــــيخ))
جامعة لو أحسنا الإلتحاق بها ، لا ختزلنا ما جربوه ، ولأكبرنا ما أنتجوه
لكنه نتاج سنين أهدرناه وركمناه بل احتقرناه ( إلا من رحم الله)
فأضعنا مستقبلنا باحتقار ماضينا
اخي ابا عزام
وانا اعجبني فيك الصبر والتضحيه والتحمل والهدوء!
رغم انه جوابك الاول وانه الصحيح الا ان العتب والصخب غابا عن المشهد
كانك تقول ان المهم من المشهد الاستفاده وليس النهايه
تجلت امامك البراءة والحكمه فمزجتهما ليخرج لنا هذا المركب الالهامي
نعم في الحياة عبر ودروس يلتقطها الواعون
لاهنت مؤلفا ومخرجا
والسلام