26-12-11, 06:11 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | مصمم محترف
| الرتبة: | | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Jan 2009 | العضوية: | 1871 | الاقامة: | القصيم | الجنس: | ذكر | المواضيع: | 244 | الردود: | 841 | جميع المشاركات: | 1,085 [+] | بمعدل : | 0.19 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 50 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } مواعظ من هجرة الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أجمعين(1) دروس مستفادة من الهجرة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة أما بعد:
فإن المستنبط للدروس المستفادة من الهجرة الشريفة سيستنبط منها دروساً عظيمة، ويستخلص منها فوائد جمة، ويلحظ فيها حكماً باهرة يستفيد منها الأفراد والأمة بعامة في شتى مجالات الحياة، ومن تلك الدروس والفوائد والحكم ما يلي:
أولاً: ضرورة الجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب: فالتوكل في لسان الشرع يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل، واستمداد المعونة منه، والاعتماد عليه وحده؛ فذلك سر التوكل وحقيقته، والذي يحقق التوكل هو القيام بالأسباب المأمور بها؛ فمن عطلها لم يصحَّ توكله؛ فلم يكن التوكل داعية إلى البطالة، أو الإقلال من العمل، بل لقد كان له الأثر العظيم في إقدام عظماء الرجال على جلائل الأعمال التي يسبق إلى ظنونهم أن استطاعتهم وما لديهم من الأعمال الحاضرة يَقْصُران عن إدراكها؛ ذلك أن التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد، ودفع المكروه، بل هو أقواها؛ واعتماد القلب على الله - عز وجل - يستأصل جراثيم اليأس، ويجتث منابت الكسل، ويشد ظهر الأمل الذي يلج به الساعي أغوار البحار العميقة، ويقارع به السباع الضارية في فلواتها.
ولقد كان لرسول الله - عليه الصلاة والسلام - القِدْحُ المُعلَّى، والنصيب الأوفى من هذا المعنى؛ فلا يُعْرَفُ بَشَرٌ أحق بنصر الله، وأجدر بتأييده؛ من هذا الرسول الذي لاقى في جنب الله ما لاقى، ومع ذلك فإن استحقاق التأييد الأعلى لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه، وتوفير وسائله.
ومن ثم فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحكم خطة هجرته، وأعد لكل فرض عُدَّتَه، ولم يدع في حسبانه مكاناً للحظوظ العمياء، ثم توكل بعد ذلك على من بيده ملكوت كل شيء، وكثيراً ما يرتب الإنسان مقدمات النصر ترتيباً حسناً؛ ثم يجيء عَوْنٌ أعلى يجعل هذا النصر مضاعف الثمار، وهكذا جرت هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة على هذا الغرار؛ فقد استبقى معه أبا بكر وعلياً - رضي الله عنهما -، وأذن لسائر المؤمنين بتقدمه إلى المدينة، فأما أبو بكر فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال له حين استأذنه؛ ليهاجر: ((لا تعجل؛ لعل الله أن يجعل لك صاحباً)).
وأحس أبو بكر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعني نفسه بهذا الرّد، فابتاع راحلتين، فحبسهما في داره بعلفهما إعداداً لذلك الأمر، وأما عليٌ فقد هيّأهُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لدور خاص يؤديه في هذه المغامرة المحفوفة بالأخطار ألا وهي مبيت في مكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الخروج إلى المدينة.
ويُلاحَظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتم أسرار مسيره؛ فلم يطلع عليها إلا من لهم صلة ماسة، ولم يتوسع في إطْلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم، ثم إنه استأجر خبيراً هو عبد الله بن أُريقط الليثي بطريق الصحراء ليستعين بخبرته على مغالبة المُطَالِبين، وكان هادياً ماهراً بالطريق، وكان على دين قومه قريش، فَأَمَّناه على ذلك، وسلَّما إليه راحلتيهما، وواعداه في غار ثور بعد ثلاث، ومع كل هذه الأسباب المبذولة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتكل عليها؛ بل كان قلبه متعلقاً بالله - عزّ وجل -، فجاءه التوفيق والمدد والعون من الله، ويشهد لذلك أنه لما أبقى علياً - رضي الله عنه - ليبيت في مضجعه، وهمَّ بالخروج من منزله الذي يحيط به المشركون، وتقطعت أسباب النصر الظاهرة، ولم يبق من سبب إلا سنةُ تأييد الله الخفية؛ أخذ حصيات ورمى بها وجوه المشركين؛ فأدبروا، وكذلك الحال لما كان في الغار، ففي الصحيحين أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن؛ فإن الله معنا))1.
ومن هذه الناحية فإن الدرس المستفاد هو أن الأمة التي تريد أن تخرج من تيهها، وتنهض من كبوتها؛ لا بُدّ أن تأخذ بأسباب النجاة، وعُدَد النهوض، ثم تنطوي قلوبها على سراج من التوكل على الله، وأعظم التوكل على الله التوكل عليه - عز وجل - في طلب الهداية، وتجريد التوحيد، ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجهاد أهل الباطل، وحصول ما يحبه الله ويرضاه من الإيمان، واليقين، والعلم، والدعوة؛ فهذا توكل الرسل وخاصة أتباعهم، وما اقترن العزم الصحيح بالتوكل على من بيده ملكوت كل شيء إلا كانت العاقبة رشداً وفلاحاً {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}2، وما جمع قوم بين الأخذ بالأسباب وقوة التوكل على الله؛ إلا أحرزوا الكفاية لأن يعيشوا أعزة سعداء.
ثانياً: ضرورة الإخلاص، والسلامة من الأغراض الشخصية: فالإخلاص روح العظمة، وقطب مدارها، والإخلاص يرفع شأن الأعمال حتى تكون مراقي للفلاح، وهو يجعل في عزم الرجل متانة فيسير حتى يبلغ الغاية.
ولولا الإخلاص يضعه الله في قلوب زاكيات لحُرم الناس من مشروعات عظيمة تقف دونها عقبات كبرى، ومن مواطن العبرة في قصة الهجرة أن الداعي إلى الإصلاح متى أوتي حكمة بالغة، وإخلاصاً نقيَّاً، وعزماً صارماً؛ هَيَّأَ الله لدعوته بيئة طيّبة فتقبلها، وزيَّنها في قلوب قوم لم يلبثوا أن يسيروا بها، ويطرقوا بها الآذان، فَتُسِيغها الفِطَرُ السليمةُ، والعقول التي تقدّر الحُجج الرائعة حق قدرها، وهكذا كان - صلى الله عليه وسلم -، حيث لم يرد بدعوته إلا الإخلاص لله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور؛ فكان متجرداً من حظوظ النفس ورغائبها؛ ولم يك يطلب بدعوته هذه نباهة شأن ووجاهة؛ فإن في شرف أسرته، وبلاغة منطقه، وكرم خلقه؛ ما يكفيه لأن يحرز في قومه الزعامة لو شاء، وما كان حريصاً على بسطة العيش فيبغي بهذه الدعوة ثراءً؛ فإن عيشه يوم كان الذهب يُصَبُّ في مسجده رُكاماً لا يختلف عن عيشه يوم كان يلاقي في سبيل الدعوة أذىً كثيراً، ثم إن الهجرة كانت دليلاً على الإخلاص والتفاني في سبيل العقيدة؛ فقد فارق المهاجرون وطنهم، ومالهم، وأهليهم، ومعارفهم؛ إجابة لنداء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا درس عظيم يستفيد منه المسلمون فائدة عظمى أن الإخلاص هو السبب الأعظم لنيل المآرب التي تعود على الأفراد والأمة بالخير.
ثالثاً: الاعتدال حال السراء والضراء: فيوم خرج - عليه الصلاة والسلام - من مكة مكرهاً لم يخنع، ولم يذل، ولم يفقد ثقته بربِّه، ولما فتح الله عليه ما فتح، وأقرَّ عينه بعزِّ الإسلام، وظهور المسلمين؛ لم يَطِشْ زهواً، ولم يتعاظم تيهاً؛ فعيشته يوم كان في مكة يلاقي الأذى، ويوم أخرج منها كارهاً؛ كعيشته يوم دخل مكة ظافراً، وكعيشته يوم أظلت رايته البلاد العربية، وأطلَّت على ممالك قيصر ناحية تبوك، وتواضعه وزهده بعد فتح مكة وغيرها كحاله يوم كان يدعو وحيداً، وسفهاء الأحلام في مكة يضحكون منه ويسخرون
كُلاً بلوتُ فلا النعماء تُبطرني ولا تَخَشَّعتُ من لأوائها جزعاً
والدرس المستفاد من هذا المعنى واضح جلي؛ إذ الأمة تمرُّ بأحوال ضعف، وأحوال قوة، وأحوال فقر، وأحوال غنى؛ فعليها لزوم الاعتدال في شتى الأحوال؛ فلا تبطرها النعماء، ولا تُقَنِّطها البأساء، وكذلك الحال بالنسبة للأفراد.
رابعاً: اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين: فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال، ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درساً واضحاً أن العاقبة للتقوى وللمتقين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلِّم بسيرته المجاهدَ في سبيل الحق أن يثبت في وجه أشياع الباطل، ولا يَهَنَ في دفاعهم، وتقويم عِوَجِهم، ولا يَهُولُه أن تُقبِلَ الأيام عليهم، فيشتدَّ بأسهم، ويُجْلِبوا بخيلهم ورجالهم؛ فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة، أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا، والذين هم مصلحون، ولقد هاجر - عليه الصلاة والسلام - من مكة في سواد الليل مختفياً، وأهلها يحملون له العداوة والبغضاء، ويسعون سعيهم للوصول إلى قتله، والخلاص من دعوته، ثم دخل المدينة في بياض النهار مُتَجلِّياً قد استقبله المهاجرون والأنصار بقلوب مُلِئَت سروراً بمقدمه، وابتهاجاً بلقائه، وصاروا يتنافسون في الاحتفاء به، والقرب من مجلسه، وقد هيئوا أنفسهم لفدائه بكل ما يَعزُّ عليهم، وأصبح - عليه الصلاة والسلام - كما قال أبو قيس صرمة الأنصاري:
ثوى بقريش بضع عشرة حجـــة يذكر لو يلقى حبيبـاً مـواتيا
ويعرض في أهل المواسم نفســـه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واستقـر به النـــوى وأصبح مسروراً بطيبة راضـياً
وأصبح لا يخشى ظلامة ظـــالم بعيد ولا يخشى من الناس باغياً
بذلنا له الأموال من حلِّ مـــالنا وأنفسـنا عند الوغى والتآسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعاً ولو كان الحبيب المصافيا
ونعلم أن الله لا رب غيــــره وأن كتاب الله أصبـح هاديـاً
التعديل الأخير تم بواسطة بدر الميسوي ; 26-12-11 الساعة 06:14 PM |
| |