البخل هو أن تضن بما عندك و لا تجود به
فهو على النقيض تماما من الجود الذي اتسم به صلى الله عليه و سلم
و كان أجود ما يكون في رمضان .
فالبخل أحبائي من أرذل الصفات .. حتى أن أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما قالت :
لو كان البخل سربالاً ما لبسته
و لو كان طريقاً ما سلكته .
فالبخل داء فتاك كم فرق بين أحباب، وأغلق بيوتاً، وهدم أسراً، ودمر مجتمعات، وزرع الحقد والغل في الصدور، فتقطعت الأواصر، وانصرمت الوشائج، وقام على أساسه سوق الحسد والبغض، وهو من أدوء الأدواء وأخبثها، يشعر بأن صاحبه لا يثق في الله تعالى، فهو دائماً يسيء الظن بخالقه، ويحسب أنه لن يرزقه، ولن يكرمه، وأن هذا الذي بين يديه من الخير والمال والنعمة لو انقضى فلن يأتي بعده خيرٌ، ولن يخلف الله عليه بسواه، وأن أمواله لو تصدق منها صار فقيراً معوزاً كالمتصدق عليهم، وما أيقن هؤلاء الظانين بالله ظن السوء أن المال لا تنقصه الصدقة بل تنميه وتبارك فيه.
وهو مع ذلك يمنع صاحبه السيادة فالبخيل ليس بسيد في قومه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سيدكم يا بني سلمة؟" قلنا: الجد بن قيس، على أنا نبخله. قال: "أي داء أدوى من البخل! بل سيدكم عمرو بن الجموح"(أخرجه البخاري في الأدب المفرد).
وقال رسول الله والحق قوله
بلا ريب من منكم تسمون سيدا
فقالوا له جد بن قيس على التي
نبخله فيها وإن كان أسودا
فسود عمر بن الجموح لجوده
وحق لعمرو بالندى أن يسودا
إذا جاءه السؤال أذهب ماله
وقال خذوه إنه عائد غدا
فلو كنت يا جد بن قيس على التي
على مثلها عمرو لكنت مسودا
فانظر كيف عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم البخل داءً مانعاً من سيادة الرجل وإمامته قومه وتقدمه على عشيرته، وانظر كيف سود على القوم أنداهم كفاً وأوسعهم عطاء وأكرمهم وأبذلهم للمعروف.
وما يفعل العبد بالمال إن لم يكتسب به الحسنات ورفعة الدرجات، أو الذكر الحسن في الدنيا، والسعادة فيها مع السعادة الخالدة في الآخرة، وقد نسب إلىالإمام الشافعيأنه قال:
الناس بالناس ما دام الحياة بهم
والسعد لا شك تارات وهبات
وأسعد الناس من بين الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات
لا تمنعن يد المعروف عن أحد
ما دمت مقتدراً فالسعد تارات
واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت مآثرهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
و قيل أن أشهر بخلاء العرب أربعة :
( 1 ) الحطيئة
فقد مر به رجل و هو بباب بيته و في يده عصا غليظة
فقال الرجل : أنا ضيف
فأشار الحطيئة إلى العصا و قال إنما أعدت هذه للضيفان .
( 2 ) حميد الأرقط
و قد كان يهجو ضيوفه بل و كان فاحشاً عليهم .
يقال أنه نزل به ضيوف ذات مرة فأطعمهم تمراً و يقال أنه أكلهم النوى .
و قد هجا ضيفا نزل به مرة :
ما بين لقمته الأولى التي انحدرت
و بين أخرى تليها قيـد أظفـور
( 3 ) أبو الأسود الدؤلي
يقال أنه تصدق مرة على مسكين بتمرة فقال له جعل الله نصيبك في الجنة مثل هذه .
و هو القائل : لو أطعنا المساكين في أموالنا لكنا أسوأ حالاً منهم .
( 4 ) خالد بن صفوان
فكان يقول للدرهم و الله لأطيلن حبسك في هذا الصندوق ثم يضعه فيه و يحكم الأقفال .
و من أشهر ما قيل في وصف قوم بالبخل ما هجا به جرير بني تغلب
قوم إذا أكلـوا أخفـوا كلامهمـو
و استوثقوا من رتاج الباب و الدارِ
قوم إذا استنبح الضيفـان كلبهمـو
قالوا لأمهمِ بولـي علـى النـارِ
فتمنع البول شحـاً أن تجـود بـهِ
و مـا تبـول لهـم إلا بمـقـدارِ
• قد يدفع البخل أهل خراسان البخل إلى أعجب الحيل وأطرفها، من ذلك ما رواه الجاحظ من أن أناساً من أهل مدينة مرو لا يلبسون خفافهم ( أحذيتهم ) إلا ستة أشهر في السنة فإذا لبسوها في هذه الأشهر الستة يمشون على صدور أقدامهم ثلاثة أشهر وعلى أعقاب أرجلهم ثلاثة أشهر مخافة أن تنقب هذه النعال.
• وروى إن رجلاً زار قوماً فأكرموه وطيبوه فجعلوا المسك في شاربه، فحكته شفته العليا، فأدخل إصبعه فحكها من باطن الشفة مخافة أن تأخذ إصبعه من المسك شيئاً.
• وهنا قصة الشيخ الخراساني الذي كان يأكل في بعض المواضع إذ مر به رجل فسلم عليه فرد الشيخ السلام ثم قال: هلم عافاك الله.
فتوجه الرجل نحوه فلما رآه الشيخ مقبلاً قال له : مكانك … فإن العجلة من عمل الشيطان.
فوقف الرجل، فقال له الخرساني: ماذا تريد؟
قال الرجل: أريد أن أتغذى.
قال الشيخ: ولم ذاك ؟ وكيف طمعت في هذا ؟ ومن أباح لك مالي؟
قال الرجل: أوليس قد دعوتني ؟
قال الشيخ: ويحك، لو ظننت أنك هكذا أحمق ما رددت عليك السلام .
الأمر هو أن أقول أنا: هلم فتجيب أنت: هنيئاً فيكون كلام بكلام . فأما كلام بفعال وقول بأكل فهذا ليس من الإنصاف
فيا رب إنا نعوذ بك من البخل و الشح
و نعوذ بك من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا