وهكذا ترحل الأعوام من حياة الإنسان,ترحل الأعوام كسابقاتها رحلة حتمية,ووداع متكرر,وأقول لا ينتظر معه عود, ولا ينفع فيه استجداء, ترحل الأعوام وبين دفتيها كتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها..كتاب يحمل في طياته نظرة خائنه, ويد ظالمه , وقدم مسرفة , كتاب يرصد ليالي الخلوات فيحفظ الدقائق قبل العظام من الأمور...
أيها الأحبة...فكروا في دنياكم وساعة زوالها, واستعدوا للآخرة وأهوالها, وكل شهر يستقبله الإنسان يدنيه من أجله ويقربه من آخرته.. وخيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء أجله...
إنه مع رحيل الأعوام تدعو الحاجة إلى محاسبة النفس .. والوقوف معها فلئن رحل العام من حياتنا وبقينا فإن ذلك من النعم العظيمة, ولقد ضرب سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى أروع الأمثلة في محاسبة النفس... فرحم الله الحسن كان يقول: لاتلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه ماأردت بأكلمتي؟ والعاجز يمضي قدماً لا يعاتب نفسه... وهذا يزيد الرقاشي يقول: ابن آدم رفيق على الناس ,غليظ بعضك على بعض, لو نعي إليك بعض أهلك بكيت , وأنت كل يوم تنعي إليك نفسك لا تبكيها...
تأملوا أيها الأحبة برحيل عامكم وبأقوام قبلكم عمروا هذه الأرض فرحلوا وخلفوها مصداق قول الله تعالى..{كم تركوا من جنات وعيون *وزروع ومقام كريم *ونعمة كانوا فيها فاكهين}. الدخان 25/27
ورحل العام وأبقى مآقي ملآى بالدموع! رحل العام وأسر في بلاد فقدت مُعيلها..أسر يتامى..ونساء ثكالى..وأشلاء ودماء... رحل العام وكم من عاق لأمه وأبيه, رحل العام وكم من حبيب لنا رحل وساده التراب,
وأنيسة الدود والظلام..فوا أسفى على رحل
الأعوام!
ما أشد ألمها!وما أقسى الفراق!.. رحل العام فليت شعري متى تسكن أوجاعنا؟ متى نلبس ثوب العزة الذي فقدناه؟... أو يرحل العام هكذا دون مساءلة ومحاسبه؟!
عودوا أيها لأحبة وسائلوا أنفسكم هل حققتم الواجب الذي طالبه منك ربكم ؟ هل كنتم بناة خيرٍ في مجتمعاتكم؟ ماذا حققتم من نجاح؟ وماذا تريدون من نجاح آخر؟
أم أن الأعوام ترحل من حياتنا ونحن لا نفقه معنى رحيلها فنعيش لدواتنا...
فرحم الله سيد قطب حين قال: (من يعيش لنفسه يعيش صغيرا ويموت صغيراً,ومن يعيش لغيره يعيش كبيراً ويموت كبيراً)