فما لتلك القلوبِ قَسَت .. ولكلامِ رَبِّها ما وَعَت ..!
ما لها أعرضَت عن القُرآن ، ولم تُبالِ بالنِّيران ، ولم تعلم أنَّ عاقِبةَ مَن أهملَه ضياعٌ وخُسران ..!
ما لتلك القلوب ، تاهت في الدُّرُوب ، بين لَعِبٍ ولَهو ، وغفلةٍ وسهو ..!
أكثرت مِن الذنوب ، ولم تُفكِّر بإصلاحِ العُيوب ، والتَّقَرُّبِ مِن علاَّم الغُيوب ..!
فسُبحان رَبِّي ..! ما أحلَمَه على عِبادِه ..!
فلو شاء لأخذَهم بذنوبِهم ، ولعَجَّلَ لهم العُقوبةَ على أفعالِهم .
لو شاءَ لأحرقَ عليهم بيوتَهم ، ولأنزل عليهم صاعِقةً مِن السَّماءِ فأهلكَتهم .
فسُبحان الرءوفِ الرَّحيم ..!
ما لتلك القلوبِ القاسية ، السَّاهيةِ اللاهية ، التي ما علِمَت أنَّ اللهَ شديدُ العِقاب ، وأنَّه يُمهِل ولا يُهمِل ..!
وما علِمَت أنَّه سُبحانه غفـورٌ رحيمٌ ، يغفِرُ لِمَن تابَ إليهِ وأناب .
ومع ذلك ، على ذنبها أَصَرَّت .. وما تابت وما رَجَعَت .. وبمعصيتِها ما أَقَرَّت .. وازدادت بُعدًا عن رَبِّها ، وهَجْرًا لكِتابِهِ .
فـ يا مَن هَجرتَ كِتابَ رَبِّك ، أمَا تخشى أن يشهدَ عليكَ يومَ القِيامة ، ويشهدَ على هَجرِكَ له ..؟!
فإنْ كُنتَ لم تقرأه أصلاً ، فابكِ على نفسِك ، فقد فاتكَ خيرٌ عظيم وأجرٌ كبير ..!
وإنْ كُنتَ قرأتَه ولم تعمل به ، فما فائدةُ قراءتِكَ له إذا كان لم يُؤثِّر فيكَ ، ولم يُحَرِّك فيكَ ساكِنًا ، ولم يُغيِّر مِن سلوكِكَ ، ولم يُطوِّر مِن حياتِكَ ، ولم يُزِدكَ إيمانًا ..؟!
أمَا علِمتَ أنَّ هذا القُرآنَ يشفعُ للعبدِ يومَ القِيامةِ ، كما أخبر بذلك نبيُّنا محمدٌ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - بقوله : ‹‹ اقرأوا القُرآنَ فإنَّه يأتي يومَ القِيامةِ شفيعًا لأصحابِه ›› رواه مُسلِم ...؟!
أمَا علِمتَ أنَّ اللهَ سُبحانه يرفعُ بهذا القُرآن أقوامًا عمِلُوا به في الدُّنيا ، وصدَّقُوا بأخبارِه ، وعمِلُوا بأحكامِه ، واتَّبعُوا أوامِرَه ، وانتهوا بنواهيه ..؟!
أتُحِبُّ أن يرفعكَ اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ ، أم تُحِبُّ أن يضعكَ ويُذِلَّك ..؟!
أَمَا علِمتَ أنَّ بقراءتِكَ للقُرآن تزداد حسناتُكَ ؛ فلَكَ بكُلِّ حرفٍ حَسَنَة ، والحَسنَةُ تُضاعَف ، كما قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ‹‹ مَن قرأ حرفًا مِن كِتابِ الله فله حَسنة ، والحَسنةُ بعَشر أمثالِها ، لا أقول الم حرف ، ولكنْ ألِفٌ حرف ، ولامٌ حرف ، ومِيمٌ حرف ›› رواه التِّرمِذِىّ وقال : حديثٌ حَسَنٌ صحيح ...؟!
أَمَا علِمتَ أنَّ صاحِبَ القُرآن مُقدَّمٌ على غيره ..؟! يقولُ نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ‹‹ يَؤُمُّ القومَ أقرؤهُم لكِتابِ الله .... ›› الحديث . رواه مُسلِم .
أَمَا علِمتَ أنَّ هذا القُرآنَ وسيلةٌ للثباتِ على دين الله ، وبه يزيدُ إيمانُكَ ويَقْوَى ، كما أخبر بذلك رَبُّنا سُبحانه في قولِه : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَولَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وِاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ الفرقان/32 ، وقال جَلَّ وعَلا : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذّا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ الأنفال/2 .
أبَعْدَ كُلِّ هذا الفضل وكُلِّ هذه الأجور ما زِلتَ مُصِرَّاً على هَجْرِكَ للقُرآن..؟!
وأخيــرًا : هل تُحِبُّ الله ..؟!
بالتأكيد ستقولُ : نعـم ؛
فهو سُبحانه خالِقُكَ ورازِقُكَ ومُدَبِّرُ شئونِكَ .
إذًا .. كيف تهجُرُ شيئًا يُحِبُّه سُبحانه ..؟!
كيف تهجُرُ كلامَه ولا تقرؤه ..؟!
..... إنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ .....
وقد دعاكَ رَبُّكَ لتلاوةِ كِتابِه والعملِ به .. فهلاَّ أطعته ..! وهلاَّ تقرَّبتَ إليه بما يُحِبّ ..!
لو كان قلبُكَ طاهِرًا لَمَا هَجرتَ كلامَ رَبِّك ..
واسمع لقول ابن مسعودٍ رضى اللهُ عنه : "لو طَهُرَت قُلُوبُكُم ما شَبِعَت مِن كلامِ رَبِّكُم" .
واعلم أنَّ مَن هَجَرَ كِتابَ رَبِّه ضَلَّ وهَلَك ، ومَن تَمَسَّكَ به اهتدى ونجا .
فلنُعلِنها توبةً إلى اللهِ سُبحانَه ، ولنرجِع لِكتابِهِ ، فنُكثِر مِن تلاوتِه ، ونحفظُه ، ونتعلَّمُ أحكامَه ، ونُحوِّلها إلى واقعٍ عملىٍّ مُطَبَّقٍ في حياتِنا ، فهى سبيلُ هِدايتنا ، وبها تنصلحُ أحوالُنا ، وتتيَسَّرُ أمورُنا ، وتزدادُ أجورُنا ، وبه نقترِبُ مِن جَنَّةِ رَبِّنا سُبحانه .
غَفَرَ اللهُ لِي ولَكُم ، وجعلَنا مِن حفظةِ كِتابِ العاملين به .
هذا وما كان من توفيقٍ فمِن اللهِ وحده ، وما كان مِن خطأٍ فمِن الشيطان ، واللهُ ورسولُه مِنه بَراء ، وأعـوذُ باللهِ أنْ أُذكِّرَكُم به وأنساه .
،