قصة
الزول زوله والحلايا حلاياه *** والفعل ماهو فعل وافي الخصايل
هذا البيت أشهر من نار على علم وتردد كثيرا على ألسنة الناس في كثير من المناسبات المختلفة وهو نتاج قصة حقيقية حدثت في الزمن القديم فهذا البيت لزوجة الشيخ وديد بن عروج شيخ قبيلة بني لام التي كان موطنها العارض في وسط نجد وقد كانت قبيلة كثيرة العدد تفرعت منها عدة قبائل معروفة الآن في جزيرة العرب ومنها من نزح إلى العراق.
أما قصة البيت المذكور أعلاه فهي أن الشيخ وديد بن عروج قد أشتهر بالمغازي الكثيرة وكان لديه ذلولا أصيلة ولكنها دائما ضعيفة وهزيلة الحال لكثرة غزواته عليها ولم يبن الشحم على جسمها بسبب ذلك ، وبعد موته تقدم أخوه (لزّام) للزواج من أرملة أخيه لحفظ الأبناء وتربيتهم ، وتم الأمر إلا أن الفرق بين الرجلين كان كبيرا جدا في نظر الزوجة ، فلزّام لم يظهر له فعل كأخيه وديد وأكتفى في حياة أخيه بالمكوث في البيت وقضاء لوازمهم إذا ما غاب أخيه للغزو .
وقد زاد حزن الزوجة عندما رأت الذلول الهزيل وقد تغيرت أوصافها وتبدل حالها فمن بعد الهزال ركب الشحم عليها وفي احدى المرات عاد الراعي بالإبل فإذا بالذلول (تهدر) وكأنها جمل ، فتذكرت زوجها السابق الشيخ وديد وغزواته ومحاسنه التي تفتخر بها كأي أمرأة بدوية تحب الرجل الفارس الشجاع ، وقارنت بين حياتها تلك وبين حياتها الحالية مع أخيه لزّام فقالت :
يالله يا عايد علـى كـل مضمـاه ***يا مخضر الأرض الهشيم المحايـل
أنت الكريم ورحمتك مـا نسينـاه***تروف باللـي دوم عينـه تخايـل
تلطف بمـن كـن عينـه مـداواه***اللـي بقلبـه حاميـات الملايـل
ألوج مثل أيوب من عظـم بلـواه***واسهر إلى ما يصبح النجم زايـل
على حبيبٍ كـل ماقلـت أبنسـاه***لذكره تفطني مـن الهجـن حايـل
ليـا نسيتـه ذكرتنـي بطـريـاه***شيبا ظهر من عاصيـات الجلايـل
يلتاع قلبي كل ما أذكـر سوايـاه***كما يلوع الطيـر شبـك الحبايـل
لا واحبيبي سبـع سنيـن فرقـاه***عليه أنـا قضيّـت كـل الجدايـل
لا واحبيبي يتلف الهجـن ممشـاه***ليا بغـى لـه نيـةٍ مـا يسايـل
لا واحبيبي يسقي الربع مـن مـاه***دليلهـن لا ضيّـعـوه الـدلايـل
لا واحبيبي يرعب الهجـن بغنـاه***من كثر ما يوحيـه ليـل وقوايـل
لا واحبيبـي كـل قـومٍ تنـصـاه***تلقـى ربوعـه طيبيـن القبايـل
لا واحبيبي تدفـق السمـن يمنـاه***ياما ذبح من بين كبـشٍ وحايـل
لا واحبيبـي وافيـاتٍ سجـايـاه***عليـه غضـات الصبايـا غلايـل
لا واحبيبـي دوم للعفـن متـقـاه***يامـا كلنـه مدمجـات الفتـايـل
لا واحبيـبـي بـيـن ذولا وذولاه***خلـي بوجـه معدليـن الدبـايـل
لا واحبيبي طـاح يـوم الملاقـاه***بنحور غلبا فوق غـب السلايـل
لا واحبيبي طيـر شلـوى تعشـاه***قطاعة المهجة سناعيـس حايـل
يا عارفين وديد يا طـول هجـراه***يا ليتني بوديد مـا أبغـى بدايـل
أخذت أخوه أبي العوض ذاك من ذاه***والبيت واحد من كبـار الحمايـل
عندي مثيلـه واحـدٍ كنـه إيـاه***عليه من توصيـف خلـي مثايـل
الـزول زولـه والحلايـا حلايـاه***والفعل ماهو فعل وافي الخصايـل
كما قالت أيضا في تلك المقارنة عدة قصائد منها هذه القصيدة القوية التي قالت فيها :
يافاطري ياما جرالك مـن العنـا***مع دربك العيرات نشّت لحومهـا
غدا عنك نواس العدا مرذي النضا***يجرها مع ما نبا مـن حزومهـا
غدا عنك وأرث في مكانه ازلابـه***تروعه الظلمـا بتالـي نجومهـا
ياما حويتي جـل ذودٍ مـن العـدا***أضحى عليها الغزو يفرق سهومها
وياما يثور عند عينك من الدخـن***معاركٍ تدنـي لـلأرواح يومهـا
عليك مقـدم لابـةٍ شـاع ذكـره***حامي تواليهـا مقـدي يمومهـا
ولسوء حظ الزوجة فقد سمعها زوجها لزّام وأضمر الشر في نفسه لكنه لم يشأ أن يعاقبها إلا بعد أن يجعلها ترى فعله وشجاعته وبالفعل قام باعلان المغزى وطالت غزواته حتى أن رفاقه سئموا من طول المدة وكان كلما كسب شيئا أرسله إلى قومه وهو ماضٍ في غزواته وقد أنشد هذه القصيدة :
أنا ابن عروج وهـاذي سواتـي***موصل سمان الهجن شنٍ ما يجنه
خمسين يـومٍ والنضـا مقفياتـي***مع مثلهن وهن علـى وجههنـه
نمشي النهار وليلنـا مـا نباتـي***كم ذود مصـلاحٍ امنيـسٍ خذنـه
من ظن فينا الطيب شافه ثباتـي***واللي هقى فينا الردى ضاع ظنه
كم من صبـيٍ عشقـةٍ للبناتـي***عقب التعجرف بدّل الضحك ونـه
استاخذ المذهول عـاف الحياتـي***هو ما درى إن الهجن بيوصلنـه
من فوق هجنٍ من فحلهن خواتي***غيب الصبايا الخافيـة يظهرنـه
ولما رجع من غزواته كانت ذلوله بالكاد تمشي وفي حالة يرثى لها من شدة الاعياء والهزال ويقال أنها بركت قبل أن تصل إلى البيت ، فأمر زوجته أن تذهب لإحضارها وكان يمشي خلفها يريد الفتك بها لما قالته سابقا من قصائد تمس كرامته وهي لم تكن تعلم بأنه يمشي خلفها ، فلما رأت الذلول
على تلك الحال قالت هذه القصيدة التي كانت سبباً في نجاتها من خطر لم تكن تعلم عنه :
يا بكرتي وش علـم حالـك ضعيفـي***أشوف حيلـك وانـيٍ عقـب الأردام
عقب الفسق ومهـادرك بالمصيفـي***ومصاول القعـدان مرباعـك العـام
عقـب الاباهـر والسنـام المنيفـي***صرتي كما المفرود من فعـل لـزّام
قطـع عليـك ديـار قـومٍ تخيفـي***تسعين ليله راكب الهجـن مـا نـام
أقفى عليك مـن الحسـاء للقطي***فـيلحوران والحرة إلـى نقـرة الشـام
وتدمر وصلهـا وخمّهـا مستخيفـي***واشبيح والضاحـك وقديـم الأقـدام
وأخـذ عليـك اذواد جـوٍ مريـفـي***وضحك كما برق الحبـاري بالأكـوام
يزفهـا يقـداه مشـيـه هريـفـي***واقفى عليهن متلف الهجـن لا قـام
وعادوا على العارض ركيـبٍ ي***هيفـييتلون ابن عـروج مقـدم بنـي لام
زهابهـم حـب القرايـا النظيـفـي***وسلاحهم صنـع الفرنجـي والأروام
ياما انقطع مع ساقته مـن عسي***فـيومن فاطرٍ مشيه عن الجيـش قـدام
عقـب الشحـم وملافخـه للرديفـي***قامت تسندر مثل مبخـوص الأقـدام
توي هنيـت وطـاب بالـي وكيفـي***من عقب ضيمي صرت في خير وأنعام
وهكذا أثبت لزّام أنه لا يقل عن أخيه شجاعة وفروسية وثبت للزوجة أن الخلف كالسلف ..
وسلامتكم