س1 : فضيلة الشيخ : السؤال الأول : وكالمعتاد حول نشأتكم العلمية ، وبداية طلبكم للعلم ؟
ج1 : الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا هو وأن محمداً عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : فبداية أشكر الأخوة القائمين على موقع المنتدى العربي وفي مقدمتهم الأخ الأستاذ أحمد .. أشكرهم على ما يقدمونه للمسلمين, سائلاً المولى أن يجعله نافعاً في الدنيا ، وفي صحيفتهم في الآخرة.
أما بشأن سؤالكم فلولا أن العادة جرت بذلك ، ولولا طلبكم ، ما كنت أحب أن أخوض في مثل هذا، لأن هذا لا ينفع كثيراً . أعني : الخوض في الأمور الشخصية ، لكن لابد مما لابد منه 0
بحمد الله وفضله ، نشأت منذ صغري على طلب العلم ، ولأمرٍ يريده الله عز وجل كان في نفسي شيء كثير مما كان عليه أهلُ بلدي و شيوخُه ، وكانت نفسي لا تطمئن لذلك ، ولا أدري لماذا ؟
وكان والدي رحمه الله يحذرنا من الخرافات والشركيات ، ولكن لم يكن على علم كبير في ذلك ، ثم شاء الله وقدر ، أن أقع على بعض كتب ابن تيمية ، وكتبٍ لمحمد بن عبد الوهاب - رَحمهم اللهَ - قـدَراً ، فأعجبت بذلك أيما إعجاب ، وأخذت بهما أخذاً شديداً ، ووافق ذلك ما في نفسي من حبِ للدليل ، وكراهةٍ للبدعة والخرافة .
ثم وقفت على كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق ، فأحببته لما فيه من السهولة و الاستقلال ، ثم على كتب الشيخ محمد نـاصر الدين الألباني رحم الله الجميع ، فشدتني مقدمة صفة صلاة النبي r شداً عجيباً ، وأظن أني رأيته في المنام من شدة تعلقي بالمقدمة ، دون أن أعلم من هو الألباني ؟ ومن أي بلد هو ؟وقد رسمت هذه المقدمة خطوات منهجي.
س 2 : من هم أبرز الشيوخ الذين درست عندهم وتأثرت بهم ؟
ج 2 :لقد درست على عدة شيوخ في التفسير والفقه والحديث واللغة وأصول الفقه ، وكانت بلدي يومئذ شعلة من حلقات العلم في المساجد ، وكانت هناك مدارس تفتح في الصيف ، وأخرى بعد الظهر لهذا الغرض ، وكان من عوامل طلبي للعلم تشجيع والدي على ذلك .ومن أبرز الشيوخ الذين حضرت دروسهم الشيخ محمد الحامد ، وهو رجل فاضل ، ومن أصحاب الصدق والورع والأمانة ، أحسبه كذلك ، غير أني لم أستفد منه كثيراً من الناحية العلمية ، لأن فيه تصوفاً وتقليداً وتعصباً للمذهب الحنفي عفا الله عنه ورحمه ، وكنت منذ صغري لا أحب هذا ، ثم التقيت بالشيخ الألباني والشيخ محمد نسيب الرفاعي ، والشيخ عبد الرحمن عبد الصمد رحمهم الله جميعاً ، والشيخ محمد عيد العباسي حفظه الله ، ثم الشيخ ابن باز رحمه الله ، وأكثر من تأثرت بهم الألباني وابن باز والرفاعي 0
س 3 : كم سنةً تقريباً درست على هؤلاء المشايخ يا شيخ ؟
ج 3 : لا يوجد سنون مضبوطة ضبطاً حسابياً ، إنما هي سنون متفاوتة ومتقطعة ، فقد بدأت معرفتي بالشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سنة 1387 هـ ٍأي قبل 35 سنة ، وكان يلقي دروساً في بيتي ، وكان شبه ممنوع من المسجد بسبب اتهامه بالوهابية . وكان من أوائل من بيّن الدعوة السلفية على الوجه الصحيح الشامل في بلدي ، بل في الشام كلها ، بل في معظم أقطار العالم ، ثم تعرفت على الشيخ عبد العزيز بن باز سنة 1394 هـ أو 1393 هـ وكانت علاقتي بهما طيبة وحميمة إلى أن توفيا رحمهما الله، والحمد الله .
س 4 :لقد صاحبت يا شيخ مشايخ أعلاما على رؤوسهم نار ، فهل كانت هناك مواقف أثرت بك من صحبتك لهؤلاء العلماء ؟
ج 4 : أما الشيخ نسيب الرفاعي فتأثرت به من حيث الحكمة والتواضع، والنزول في الدعوة إلى مستوى الناس ، ومخاطبتهم بما يعقلون ، وأما الشيخ ناصر فتأثرت بمنهجيته وطريقة بحثه ، وحزمه العلمي ، وفي حفظه للوقت ، وتأثرت بالشيخ عبد العزيز في أخلاقه وفقهه, وسعة صدره، وأدبه في الخلاف ، ويمكن أن أقول : إن الألباني أصلني وابن باز أدبني .
وربما كان فيّ في أول شبابي - قبل التعرف على الشيخ ابن باز ـ شيئٌ من الحرارة والحدة، لكن الشيخ رحمه الله أطفأها إطفاءً عجيباً و الحمد لله، وأذكر أن بعض تلاميذ الشيخ الألباني زارني في الرياض ، وكان ذا حدة ، فلما ذهبنا لحضور درس الشيخ ابن باز في الفجر ، ذكر الشيخ مسألة ، فأراد صاحبي أن يرد على الشيخ على عادتنا أمام الناس فشددت على يده ، وقلت له : هذا ليس مجلس الشيخ ناصر ، هذا مجلس الشيخ ابن باز ، قال : أريد أن أبين ، قلت : تبين لكن ليس الآن ، ولا بهذه الطريقة . وقد كان حصل معي مثل هذا الموقف مع الشيخ ابن باز أول تعرفي عليه ، حين صرح بكفر تارك الصلاة ، فقلت له : ما تقول بحديث الرسول r ((خمس صلوات افترضهن الله عليكم في اليوم والليلة من أدّاهن …… ومن لم يؤدّهن ..الحديث)) فقال الشيخ رحمه الله : إن صح الحديث فهو القول الفصل!! فقلت له : الحديث صحيح، فقال : يا شيخ عدنان في البيت .. ليس هنا ، في البيت على لهجته الطيبة ، وكان يريد : أن هذه الأمور لا تبحث أمام العوام ، وإنما في الدرس الخاص الذي كان في بيته ، وهذا من الحكمة ، فإن في المسجد عواماً وأعراباً ومن لا يفقه ، فسيظنون بالشيخ الضعف ، أو يتهمونني بسوء الأدب ، وأما في البيت فستكون المناقشة بين طلبة العلم ، وهم يفهمون ما نريد ، وكان له درس خاص في بيته, لا يحضره إلا قلة من طلبة العلم .
وكان الشيخ ابن باز لا يتشدد في الخلاف المعتبر, وكان واسع الصدر ، بينما الشيخ ناصر الدين كان حازماً فيه ، ويصر على رأيه وصوابه ، وقد تأثرت بهما في هذا .
س5 : هل هناك كلمات حفظتها منهما ترددها ؟
ج5 : الشيخ ناصر مثلاً يقول : (( سعينا في التصفية وقصرنا في التربية )) وهذه كلمة مطرقة على رؤوس الذين يسيئون الأدب ، وبخاصة في أدب الخلاف .
وكان يقول : (( أصيب المسلمون في عقيدتهم ، وأصيب السلفيون في أخلاقهم )) وكان آخر حياته يقول : (( لو أن هذه الجماعات الثلاث : السلفيين والتبليغ والإخوان ، اجتمعوا على ما هم عليه من الحق والخير ، لقام الإسلام ))
قلت: لا شك في صحة هذا القول ، فإن خير السلفيين في عقيدتهم وعلمهم ، وخير التبلغيين في دعوتهم وتضحيتهم ، وخير الإخوان في تنظيمهم واهتمامهم بشؤون المسلمين العامة ، و لو اجتمع خير هذه الثلاثة ، لكتب النصر للمسلمين بإذن الله ، أما أن نبقى هكذا ، فهذا ليس في صالح المسلمين وهذا الأمر في الأتباع ، لا في أصل دعوتهم, وإلا فإن دعوة أهل السنة والجماعة هي دعوة الحق . لكن كما لا يخفى عليك أن الدعوة شيء والأتباع شيء آخر,كذلك الإسلام شيء وأتباعه شيء آخر .
و أما الشيخ ابن باز فكان يردد في الخلاف المعتبر : " الأمر فيه سعة " 0
س6: الشيخ الفاضل أرجو أن تعطينا بعض المعلومات عن تلامذة الشيخ ناصر الدين الألباني ؟وهل الشيخ محمد عيد العباسي من أوائل تلاميذ الشيخ ناصر ؟ وما هي مؤلفاتهم ؟ أم أنهم لم يؤلفوا بعد تعرضهم لما تعرضوا له ؟
ج6:يمكن تقسيم تلاميذ الشيخ الألباني- رحمه الله- إلى ثلاث طبقات :
الأولى : الذين عاصروه في أول دعوته، وأخذوا عنه مشافهة وقراءة،و التزموا بمنهجه .
وهؤلاء لا يزيد عددهم عن العشرة ، ممن يؤخذ منهم العلم، ومنهم الشيوخ: محمد عيد العباسي ونسيب الرفاعي،ومحمود مهدي استنبولي ، ونافع الشامية, وعلي خشان، وخير الدين الوانلي،وأحمد سلام وغيرهم.. وإن شئت أن أذكر العاشر لذكرته .
وأكثر هذه الطبقة تأليفا : هم الشيوخ خير الدين ، ومحمود مهدي ،ثم الرفاعي، ثم محمد عيد العباسي ثم أحمد سلام ...،
الطبقة الثانية : هم الذين تأثروا أولاً بكتبه، وعايشوه في كثير من الجلسات أو قليل ، ولم يدرسوا عليه، وعامة هؤلاء من الأردن و فيهم قليل من غيرها .
ومن أشهرهؤلاء الشيوخ: عزمي الجوابرة, والدكتور باسم الجوابرة, والدكتور عاصم القريوتي، ومشهور آل سلمان ، وحسين العوايشة، و علي الحلبي، وغيرهم كثير.
الطبقة الثالثة:هم الذين جلسوا معه قليلاً، ودرسوا عليه قليلاً ،وتأثروا بمنهجه ،وبخاصة لما كان بالجامعة الإسلامية، ومن هؤلاء الشيوخ: عبد الرحمن عبد الصمد، وهو رجل فاضل عالم غير أنه مغمور، واغتيل على أيدي اليهود رحمه الله، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وغيرهم .
ومن هذه الطبقة من لقيه مرة أو مرتين ، أو رحل إليه ، فتأثر به تأثراً بالغاً ، ومن أشهرهؤلاء الشيوخ ، الشيخ مقبل الوادعي ، والشيخ أبو إسحاق الحويني وغيرهم .
ومن هاتين الطبقتين من يزعم أنه على منهجه تفصيلاً، وليس الأمر كذلك ، وقد كنت عرضت هذا التفصيل على شيخنا محمد عيد فأقره .
و أما الكتب التي ألفتها الطبقة الأولى فكثيرة ، من أهمها :
بدعة التعصب المذهبي ، رسالة في المسجد ، رسالة في مس الحائض والجنب للقرآن ، تحقيق منار السبيل للشيخ محمد عيد العباسي ،
دلائل الخيرات ، المسجد في الإسلام ، المرأة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة ، قصص البطولة ، مولد المصطفى r ، معراج المصطفى r ، معجزات المصطفى r ، مدرسة الشيطان ، للشيخ خير الدين وله كتب أخرى تحت الطبع ،
كيف حج النبي r ، تحفة العروس ، دين الغد ، عظمة الإسلام ، التربية في الإسلام ، أسرار العشاق ، تقاليد يجب أن تزول ، السبيل إلى أسرة أفضل ، غارة الإستعمار والتبشير ، أطفالنا ضحايانا ، التضامن الاجتماعي الإسلامي ، عبقرية الإسلام في التربية ، أنا مؤمن بالله . لماذا ؟ ، دولة الإسلام ، حوار بين الفلاسفة حول تأمين الأخلاق . للشيخ محمود مهدي ،
نظرات في منهج الإخوان المسلمين ، ما أنا عليه وأصحابي للشيخ أحمد سلام .
س7 : فضيلة الشيخ ممكن أن تعطينا نبذه عن بعض مؤلفاتك وبعض أشرطتك ؟
ج7 : هناك مؤلفات منهجية و مؤلفات فقهية ، منها : ثلاث صلوات مهجورة ، وهو بحث في صلاة التسابيح ، وفيه دراسة حديثية مفصلة ، وصلاة التوبة، وصلاة الاستخارة ، وفيه أكثر من أربعين سؤالاً وجواباً حولها . وكتاب أحكام القنوت : وفيه قنوت النازلة ، وقنوت رمضان ، وقنوت الوتر . وكتاب الوصية الشرعية . وفيه أحكام الوصية وكيف تكتب الوصية عملياً . وكتاب أدلة الإثبات بأن جدة ميقات . وبحث موسع في التشاؤم وأنواعه ، وأحكامه والمباح منه ، وتأويل الأحاديث التي وردت عن ابن عمر وغيره ، التي ظن بعضهم منها جواز الشؤم وهي زلة ، من ذلك قولهr " إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والدابة " وبينا بطلان ما ذهبوا إليه من جواز التشاؤم ، وهناك بحث في " أحكام التأمين و أنواعه "
أما الكتب المنهجية فهي سلسلة السبيل : منها : السبيل إلى منهج أهل السنة . والواقع المؤلم بين المعالجة المرتجلة والتأصيل الصحيح ، والتيه والمخرج ، وكتاب صراع الفكر والاتباع ، وصفات الطائفة المنصورة.
وتحت الطباعة الكتب التالية: صراع النقل والعقل . ومن فتن شباب الصحوة ، ذكرت فيه الفتن وأسبابها وعلاجها ، وكتاب منهج الاعتدال ، وهو في مسائل الإيمان والتكفير ، وفي السياسة والحكام ، ونقد الجماعات والرجال ،
أما الأشرطة : فهناك محاضرات ودروس كثيرة من أهمها : صفات الطائفة المنصورة ، الخلاف أنواعه مواقفه ، كيف تدعو إلى الله ، مميزات الدعوة السلفية ، قواعد في الإيمان والتكفير ، المجتمعات أنواعها وأحكامها ،قواعد معرفة الحق…الخ
س8: هل أنتم مشغولون حاليا بتأليف شيء ما ؟ هلا أخبرتمونا من فضلكم ؟
ج8: مراجعة كتاب (( ثلاث صلوات مهجورة )) ( الطبعة الثالثة )
- مراجعة كتاب (( القنوت.. أحكامه، وأنواعه )) (الطبعة الثانية )
وبين يدي كتاب دروس في المنهج ، بدأنا فيه من معنى المنهج وعلاقته بالعقيدة ، ومميزات المنهج السلفي عن المناهج الأخرى ، وما شابه ذلك من البحوث .
-و شغلنا الشاغل الآن المشروع الأساس : جمع السنة 0
س9 : ماذا عن هذا المشروع مشروع جمع السنة ، فقد طال انتظاره ؟
ج9 : أما مشروع السنة ، فهو الذي أشغلني عن كل شاغل ، أشغلني عن الدعوة , أشغلني عن الشبكة ( الإنترنت ) حتى أشغلني عن إخواني وأهلي .
والمشروع هو : جمع السنة النبوية كلها في مؤلف واحد ، حسب أبواب الفقه ، مع حذف المكرر ، والعزو للأمهات بالأرقام حتى يناسب كافة الطبعات ، وما كنت أتصور أن يكون أمامي تلك العقبات ، وأمامي تلك الأعمال ، سواء عقبات فنية أو علمية ، أو حتى إدارية ، وأما سبب التأخر فهو أني كلما سمعت أن أحداً يقوم بالمشروع نفسه ، أتوقف فترة خشية تكرار العمل الإسلامي ،وإضاعة الأوقات والطاقات والأموال ..ثم لا أجد شيئاً ، فأرجع للعمل ، ثم أسمع ثم أتوقف ، وهكذا .
س 10: كم قطعتم من المشروع ؟
ج 10 : نحن والحمد الله في مراحل متقدمة جداً ، فقد بلغ عدد المجلدات أربعين مجلداً ، جمع فيها ما يقارب من (200,000) مائتي ألف حديث من (400) مؤلف من مؤلفات السنة ، والله أسأل أن ييسر هذا المشروع ، وأن يبارك فيه للأمة ، وأن يجعله ابتغاء وجهه
س11: كم ساعة عمل تعملون في اليوم ؟
ج11: متوسط ساعات العمل قليلة في اعتقادي وهي تساوي (12) تقريباً .
س 12: ألا تملون ؟؟
ج 12 : لو غيرك قالها يا أخي ، كيف نمل ؟ ونحن نتقلب بين كلام الله وكلام رسولهe ، وكلام الصحابة والسلف والأئمة الأخيار ، أنمل من رسالة خالقنا الطيبة المباركة ؟! أم نمل من أحاديث رسولنا العطرة ؟!
أهلُ الحديثِ هُمُوا أهلُ النبيَّ e وإن لم يصحبوا نفَسَه أنفاسَه صحبوا
أم نملّ من سيرة الصحابة الغر الميامين الأكرمين ؟! ونحن نعيش معهم في صفاء قلوبهم ، وصدق منهجهم ، وعظيم تضحيتهم ، أم نمل من كلام التابعين والأئمة المعتد بهم ؟! أم نمل من سيرة ابن المبارك وابن عبد البر وابن حزم وابن تيمية وابن القيم ؟!؟…، إن قراءتنا لسير هؤلاء الأعلام ، يخفف عنا ما يفعله كثير ممن ينتسبون إلى العلم في هذا الزمان ، من بيع الفتاوى والجُبن والمذهبية ، والتقصير في نصرة دين الله …. وإن قراءتنا لأخبار خالد وأبي عبيدة وقتيبة بن مسلم ، وموسى بن نصير ، وطارق بن زياد ، وصلاح الدين الأيوبي …. يخفف عنا ما تعانيه الأمة في أيامها الحالكة هذه ، وما فعله كثير من أفرادها من الجُبن والخيانة ، والذلة ، والمهانة .وصدق فيهم قول الشاعر :
من يهن يسهل الهوان عليه +++ ما لجرح بميت إيلام
إن طالب العلم الصادق لا يمل أبداً ، إذ كيف يمل رجل جالس في بستان .. فيها ما لذ وطاب من أنواع الفواكه والثمار ، تتخللها جداول رقراقة ، تتوغل فيها كما يتوغل الإيمان في القلوب ، فهو يتقلب في رؤاها الخلابة ، ويتمتع بمناظرها الممتعة ، ويقطف ما يشتهي من ثمارها الشهية ، إن طلبة العلم يعيشون فيما هو أمتع من هذا بكثير ، وتزداد لذتهم عندما يُطعمون غيرهم ، فالعلماء هم الوحيدون في الدنيا الذين يُطعمون الناس من طعامهم بسخاء ، ويمنحونهم من مالهم ما يشاء الناس من عطاء ، دون أن ينقص من طعامهم ومالهم شيئا ، فالعلماء الربانيون يشاركون الناس بأموالهم وأوقاتهم ، دون عوض منهم إلا عوض الله ، وهذا هو سر قول بعضهم : ( لو أدرك الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) والناس يظنون أن أسعد الناس هم الملوك والسلاطين ، وأصحاب الأموال ، والأمر ليس كذلك ، بل أسعد الناس على الإطلاق هم العلماء الأتقياء …والله أسأل أن نكون منهم