الاسم، وأكدت له أن في الاسم فألاً غير حسن لابنته البريئة، ولكنه ظل يحاول
إقناعي بجمال الاسم، وعذوبة إيقاعه، وكأنني ابن منظور أستطيع تغيير معناه
لأجل عينيه، ولما أخفقَتْ محاولاته وخاف على ابنته من الفأل السيئ قرر أن يقع
في أقل الضررين، فعاد إلى اسم (ماهيتاب) يسأل عنه غيري لعلهم يجدون له مخرجا.
وصاحب آخر استشارني في تسمية ابنته: (رِسَال)، فأخبرته أن معناه (قوائم
البعير)، فقال: بل معناه مأخوذ من الرسالة والرسول ومن قولهم: على
رِسْلِك، أي تَمَهَّلْ، وظل يقنعني بصحة كلامه، وكأنني أنا طالب الاستشارة لا
هو، ولما يئس مني عاد من الغد يستشيرني في اسم (مَيْلاء)، فبينت له أنه
وَصْف للأشياء المائلة، فيقال: شجرة ميلاء لكثرة أغصانها، وعمامة ميلاء لما فيها
من مَيَل، ووضحتُ أن صفة المَيَل واشتقاقاتها لا تصلح أن تكون اسماً لأنثى،
فوصفني بالتعقيد، وتحميل الأمور ما لا تحتمل، ثم سمى ابنته (دِيَالا) مع أنني
نهيته أيضا، ولكن أصر؛ لأنه قرأ في أحد المنتديات أن معنى الاسم هو النهر،
ولا أدري مَن ورطه بذلك!
وهذا صاحب ثالث سألني عن معنى اسم (رَمَاز)، فذكرت له أنه بلا معنى، وألح
هو على أن معناه مأخوذ من الرمز، وراح يسوق لي أمثلة من ابتكاره، ثم عرض
علي اسم (مُوْهَانا)، فأخبرته أن الاسم أعجمي، ولا معنى له في لغتنا العربية،
وأصر هو على أنه اسم نوع من أنواع الطيور الهندية التي تمر على الجزيرة العربية
في هجرتها الموسمية، فكيف لا يكون الاسم عربيّا؟!!! ثم عرض علي اسم
(رِيْتَاج) فقلت له لا معنى له أيضا، إلا إذا كنت تقصد (رِتَاج) دون الياء،
والرِّتَاج الباب الكبير، واسم من أسماء مكة المكرمة، فقال: هذا ما أقصده،
ولكن الاسم بالياء أعذب وأجمل، فسمى ابنته (ريتاج) بعد أن أضاع وقتي، وصَدَّع رأسي.
ألا تلاحظون أن أصحابي عنيدون لا يستجيبون لاستشاراتي المجانية؟! كما أنهم لا
يستشيرونني إلا في أسماء الإناث، وهذا يدل على أن الأسماء التي يستشيرونني
فيها مفروضة عليهم من زوجاتهم المصونات، ولذا يحاولون إقناع أنفسهم وإقناعي
بصحتها، (هذه الفقرة أنتقم فيها منهم مع كل الود لهم).
ومهما يكن من أمر فلن أنتقد وأسكت، أو أطالب بأن نسمي أبناءنا أسماء تقليدية
دائما، بل سأسوق جملة من المعايير التي يتحقق من خلالها جمال الاسم وجلاله،
وتتأكد فيه صلاحيته الزمانية والمكانية، والمعايير هي:
1- أن يكون الاسم عربيّا، فالأمة المعتزة بذاتها تحافظ على هويتها، ولا تقلد
الآخرين فيما لا موجب له، كما أن معاجمنا العربية تتسع لآلاف الأسماء، ومؤهلة
للتوالد والاشتقاق، وهذا معيار لا تنازل عنه مطلقا.
2- أن يكون الاسم حسن المعنى، وهذا من البدهيات التي لا يختلف عليها
ذوو الوعي؛ إذ لا قيمة لأي اسم مهما كان مغرياً إذا كان معناه غير حسن، مثل
اسم (شَجَن وشُجُوْن وأشْجَان)؛ إذ إن أشهر معانيها يدل على الهم والحزن، وذلك
ما لا يريده أحد لفلذة كبده، ويجب الانتباه إلى أن بعض معاني الأسماء تبدو
حسنة في منظور دون منظور، مثل: (هُيَام)، فالهيام هو منتهى العشق، وفي
الجملة يبدو معنى غير سيئ، ولكنه ليس مثاليّا، ولا يناسب فتاة يأمل فيها أهلها
أن تكون راشدة حصيفة، وكذلك اسم (غُرُوْب)، فمن دلالات الغروب الانتهاء
والغياب، ويقال غربت شمسه وغرب نجمه إذا انتهى عمره ومات، وهو كذلك
يُشير إلى مشهد شاعري نراه للشمس أثناء غروبها، ولكن الدلالة الأولى أفسدت
الثانية، وجعلت الاسم غير مثالي، ومن الجدير ذكره في هذا السياق نقد قولهم:
«الأسماء لا تُعَلَّل»، بل تُعَلَّل وتُعَلَّل، ولا يوجد اسم إلا وهناك معنى له،
وسبب في اختياره حتى لو خفي علينا بشكل أو آخر، وتلك المقولة يَحتج به من
يَجهل معاني الأسماء، أو من يُرَوِّج لأسماء لا معاني لها.
3- أن يدل الاسم المذكر على مذكر أو صفة يناسبها التذكير، مثل: (مهند)
و(مُنذر)، وأن يدل الاسم المؤنث على مؤنث أو صفة يناسبها التأنيث مثل:
(أَرْوَى) و(بَتُوْل)، فإذا جرى العرف على أن الاسم المذكر يعود لمؤنث باتفاق
فلا بأس، مثل: (غدير) و(أسيل) و(أريج)، فهذه أسماء لا يتسمى بها إلا
الإناث مع أنها تعود لمذكر، فيقال: (هذا غدير، وهذا خَدّ أسيل، وهذا أريج
طيب)، أما إذا كان الاسم جديداً لم يُتَعارف عليه فإن الأصل أن يَحتكم الناس
في تذكيره وتأنيثه إلى اللغة، فمثلاً اسم (الجودي أو جودي) يعود على مذكر،
وهو جبل رست عليه سفينة نوح عليه السلام، فمن غير المناسب إطلاقه حاليّاً
على أنثى إلا إذا انتشر بين الناس على أنه اسم أنثى، وهناك أسماء مشتركة بين
الجنسين، والأسلم تجنبها، مثل: (مَلَك) و(فَرَح).
4- أن يكون الاسم مقبولاً في أعراف البيئة المحلية، فقد نجد اسماً عربيّاً حسن
المعنى، ولكن العرف يكاد يحصره على بيئة أخرى غير بيئة المتسمي بالاسم، وهذا
من شأنه أن يُعَرِّض صاحب الاسم للنبز واللمز من المراهقين وأمثالهم، ومن تلك
الأسماء: (كاظم) و(متولي)، فمن معاني الأول: كظم الغيظ، ومن معاني
الثاني: الشخص الذي يتولى القيام بالأمور، والمعنيان جيدان، ولكن الاسمين
ارتبطا بأقطار أخرى، وأحياناً تكون للأسماء بعض الخصوصية في مثل هذه
الحالات.
5- أن يكون إيقاع اللفظ مناسبا، فالاسم المذكر يُناسبه الإيقاع القوي أو
المعتدل، أما الاسم المؤنث فيناسبه الإيقاع العذب الرقيق، فمن غير المناسب أن
يُسمى الولد (وسيم)، والبنت (عائضة).
6- أن يُنطق الاسم باللهجة العامية كما ينطق باللغة الفصحى، مثل: (باسل)
و(زياد) و(رزان) و(هتون)، وهناك أسماء جميلة المعنى والنطق بالفصحى،
ولكنها لا تنطق كما هي في اللهجة العامية المحلية، مثل: (سُهَيْل) و(عَمْرو)
و(مَيْس) و(هَيْفاء)، فبعض كبار السن والموغلين في العامية سينطقونها إما بتغيير
الحركات، أو بزيادة الحروف أو نقصانها، وسينطقون (سُهَيْل) (سْهِيل)
بتسكين السين وكسر الهاء، و(عَمْرو) سينطقونها بالواو التي لا تُنْطق، وفي
(مَيْس) سيقولون (مِيْس) بإمالة فتحة الميم إلى كسرة، وفي (هَيْفاء)
سيحذفون الهمزة (هَيْفا)، وقد يُمِيْلون فتحة الهاء إلى كسرة أيضاً (هِيْفا)، وهذا
من شأنه أن يُفسد بنية الاسم وإيقاعه.
7- أن تكون حروف الاسم منطوقة في اللغة الإنجليزية، وذلك مطلب عصري،
ويجدر بنا الالتفات إليه وإن كان ثانويّا، ولا سيما أن كثيراً من تعاملاتنا الحديثة
لا تخلو من اللغة الإنجليزية نطقاً أو كتابة، ومن تلك الأسماء الصالحة للغتين:
(وليد) و(هشام) و(أماني) و(هند)، ومن الأسماء التي سيتغير نطقها في
اللغة الإنجليزية: (صالح)؛ حيث سينطق: (ساله)، و(عواطف) سينطق:
(أواتف).
8- أن يناسب الاسم المراحل العمرية للإنسان، ومؤخراً غفل بعض الآباء عن
هذا الجانب وبخاصة في أسماء البنات، وتَصَوَّرَ أن ابنته ستظل طفلة، فاختار لها
اسماً لا يناسب مراحلها العمرية المتقدمة، مثل: (وَجْد)، (وَسَن)، والأدهى
من ذلك أن يكون الاسم غير عربي، فمن منا يتصور أن تكون له جدة اسمها:
(جوَان) أو (جُوليا) أو (فريال)؟!
وبعد، فهذه جملة من المعايير المثالية يَحسن الأخذ بها كلها أو بمعظمها، فإن لم يكن
فلا تتهاونوا في المعيارين الأول والثاني، وليعلم الآباء أنهم سيختارون لكل مولود
اسماً واحدا، ولن يضيرهم لو أطالوا تفتيشهم عن الاسم المناسب الذي يحقق كل
المعايير أو أكثرها، ويستطيعون سؤال المتخصصين في علوم اللغة العربية وآدابها،
ولكلية اللغة العربية في جامعة الإمام هاتف مخصص للاستعلامات اللغوية، ورقمه: (2585588 01)، وسيجدون منهم ومن غيرهم من المتخصصين كل
ترحيب، ولا تنسوا أن الاسم أجمل إهداء يقدَّم للمولود، فانتقوا هداياكم، وتيقنوا
أن أسوأ ما في الهدية بَخْسُها أو رَدُّها، وسيحدث ذلك حين يعي صاحب الاسم
أن اسمه غير مناسب، فيصيبه نفور منه، أو يسعى إلى تغييره.
بقي أن أُذَكِّر إدارات الأحوال بضرورة الحفاظ على هويتنا العربية في أسماء أبنائنا
وبناتنا، ولهم في وزارة التجارة وأمانات المناطق والبلديات أسوة حسنة، فالقائمون
عليها يمنعون المنشآت التجارية المحلية من التسمي بأسماء أجنبية أو عديمة المعنى،
والمحافظة على هوية أسماء أبنائنا وبناتنا أولى بكثير من المحافظة على هوية أسماء
المخابز والمطاعم، وأخشى إن لم تتخذ إدارات الأحوال موقفاً جادّاً من تلك الظاهرة
الدخيلة أن تزداد عاماً بعد آخر، فتنعكس الآية، ثم يصير الاسم العربي نشازاً
مثيراً للسخرية، ولا أظن أن الاستعانة بمتخصصين في اللغة العربية أمر يشق على
إدارات الأحوال، وبإمكان أولئك المتخصصين أن يُسهموا في إقرار الأسماء
المناسبة، وفي اقتراح أسماء عربية جديدة توافق أهواء محبي التغيير .
منقوووووووووول عن
د. فواز بن عبدالعزيز اللعبون
عضو هيئة التدريس
في قسم الأدب بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام