فضل شهر شعبان الْحَمْد لِلَّه الَّذِى امْتَن عَلَى عِبَادِه بِمَوَاسِم يَرْجِعُوْن فِيْهَا إِلَيْه وَيُقَبِّلُوْن بِقُلُوْبِهِم عَلَيْه
فَسُبْحَان مَن أَنْعَم عَلَيْنَا و تَفَضَّل وَأَسْبَغ عَطَايَاه وَأَسْبَل و لَه الْحَمْد فِى الْأُوْلَى وَالْآَخِرَة
وَلَه الْحُكْم وَإِلَيْه تُرْجَعُوْن..
وَالْلَّه مَا هِى إِلَا سَاعَة ثُم تَنْقَضِى بِآلامِهَا وَأَحْزَانَهَا وَتَبْقَى الْحَسَرَات وَالتَّبِعَات
وَهَكَذَا شَأْن الْدُّنْيَا..
قَال تَعَالَى : { وَيَوْم تَقُوْم الْسَّاعَة يُقْسِم الْمُجْرِمُوْن مَا لَبِثُوٓا غَيْر سَاعَة}
وَالْعَبْد الْعَاقِل هُو الَّذِى يَأْخُذ مِن حَيَاتِه لْمَمَاتِه وَمَن دُنْيَاه لِأُخْرَاه
فَالَدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة وَهِى سَاعَة فَاجْعَلْهَا طَاعَة
وَالْنَّفْس طَمَاعَة فَالْزَمْهَا الْقَنَاعَة ،
وَمَن رَحْمَة الْلَّه تَعَالَى عَلَيْنَا أَن جَعَل لَنَا مَوَاسِم ،
فِيْهَا نَفَحَات لِمَن يُتَعَرَّض لَهَا وَيَغْتَنِمُهَا ،
يَفْرَح بِهَا الْمُؤْمِنُوْن وَيَتَسَابَق فِيْهَا الْصَّالِحُوْن وَيَرْجِع فِيْهَا الْمُذْنِبُون
وَيَتُوْب الْلَّه عَلَى مَن تَاب وَفِى ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافِسُون ،
لِسَان حَالَهُم يَقُوْل : وَعَجِلْت إِلَيْك رَب لِتَرْضَى .
وَهَذِه الْمَوَاسِم مِنْهَا مَا هُو شَهْر وَمِنْهَا مَا هُو يَوْم أَو أَيَّام وَمِنْهَا مَا هُو سَاعَة ،
وَقَد أَظِلَّنَا شَهْر مَن تِلْكُم الْنَّفَحَات أَلَا وَهُو شَهْر شَعْبَان،
وَقَد قَال عَنْه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم :
" ذَاك شَهْر يَغْفُل الْنَّاس عَنْه بَيْن رَجَب وَرَمَضَان
وَهُو شَهْر تُرْفَع فِيْه الْأَعْمَال إِلَى رَب الْعَالَمِيْن وَأُحِب أَن يُرْفَع عَمَلِى وَأَنَا صَائِم "
وَرَوَّى الْبُخَارِي وَمُسْلِم عَن عَائِشَة رَضِى الْلَّه عَنْهَا قَالَت :
" كَان رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم يَصُوْم حَتَّى نَقُوْل لَا يُفْطِر وَيُفْطِر
حَتَّى نَقُوْل لَا يَصُوْم وَمَا رَأَيْت رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
اسْتَكْمَل صِيَام شَهْر قَط إِلَا شَهْر رَمَضَان وَمَا رَأَيْتُه فِي شَهْر
أَكْثَر صِيَاما مِنْه فِي شَعْبَان "
وَفِى سَبَب تَسْمِيَتِه قَال ابْن حَجَر رَحِمَه الْلَّه إِن الْنَّاس بَعْد شَهْر رَجَب الْمُحَرَّم
كَانُوْا يتَشْعَبُون فِى طَلَب الْغَارَات وَمَن ثُم سَمَّى شَعْبَان
وَلَقَد ذُكِر الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مَعْنَيَيْن لِّتَفْضِيْل الْصِيَام فِى شَهْر شَعْبَان :
الْمَعْنَى الْأَوَّل :
غَفْلَة الْنَاس عَن هَذَا الْشَّهْر لَمَّا اكْتَنَفَه شَهْرَان عَظِيْمَان :
الْشَّهْر الْحَرَام رَجَب وَشَهْرالصِيَّام رَمَضَان ،
وَفِى هَذَا دَلِيْل عَلَى اسْتِحْبَاب إِعْمَار أَوْقَات غَفْلَة الْنَّاس بِطَاعَة الْلَّه
وَأَن هَذَا مَحْبُوب
لِلَّه عَز وَجَل وَلِذَلِك كَان بَعْض الْسَّلَف يَسْتَحِبُّوْن
إِحْيَاء مَا بَيْن الْعَشَاءَيْن بِالصَّلَاة
وَيَقُوْلُوْن هِى سَاعَة غَفْلَة .
وَفِى ذَلِك فَوَائِد مِنْهَا :
* أَن هَذَا يَكُوْن يَكُوْن أَخْفَى لِلْعَمَل وَأَسْتُر وَأَكْثَر تَحْقِيْقا لِلْإِخْلَاص
لَا سِيَّمَا لَو كَان هَذَا الْعَمَل صِيَاما فَإِنَّه سَر بَيْن الْعَبْد وَرَبِّه
وَقَد صَام بَعْض الْسَّلَف رَحِمَهُم الْلَّه
أَرْبَعِيْن يَوْما لَا يَعْلَم بِه أَحَد ، كَان إِذَا خَرَج مِن بَيْتِه أَخَذ مَعَه رَغِيْفَان
فَتَصَدَّق بِهِمَا فَيَظُن أَهِلَّه أَنَّه أَكَلَهُمَا وَيَظُن أَهْل سُوْقِه أَنَّه أَكَل فِى بَيْتِه
* وَمِنْهَا أَن طَاعَة الْلَّه وَقْت غَفْلَة الْنَّاس تَكُوْن أَشُق عَلَى الْعَبْد الْصَّالِح
وَأَفْضَل الْأَعْمَال أَشْقَهَا ، فَإِذَا كَانَت الْنَّاس فِى طَاعَة الْلَّه عَز وَجَل
تَيَسَّرَت الْأَعْمَال الْصَّالِحَة عَلَى الْعِبَاد وَأَمَّا إِذَا كَان الْنَّاس فِى غَفْلَة
وَمَعْصِيَة تَعَسَّرَت الْطَّاعَة عَلَى الْمُسْتَيْقِظِين
وَهَذَا مَعْنَى قَوْل الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
" إِنَّكُم تَجِدُوْن عَلَى الْخَيْر أَعْوَانا وَهُم لَا يَجِدُوْن "
الْمَعْنَى الْثَّانِى : ( لِفَضْل الْصِيَام فِى شَهْر شَعْبَان )
هُو مَا ذَكَرَه الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم بِقَوْلِه
"هُو شَهْر تُرْفَع فِيْه الْأَعْمَال إِلَى رَب الْعَالَمِيْن وَأُحِب أَن يُرْفَع عَمَلِى وَأَنَا صَائِم "
وَلَا شَك أَن مَن حَرَص عَلَى الصِّيَام فِى مِثْل هَذِه الْأَوْقَات هُو أَشَد حِرْصا
عَلَى سَائِر الْطَّاعَات وَالْأَعْمَال الْصَّالِحَات مِن صَلَوَات مَفْرُوْضَة
وَنَوَافِل مَسْنُوْنَة وَأَذْكَار مُوَظَّفَة وَقِرَاءَة لِلْقُرْآن
وَصِلَة لِلرْحَموَإِنِّفَاق فِى وُجُوْه الْخَيْر وَغَيْر ذَلِك .
وَقِيْل فِى فَضْل الصِّيَام فِى هَذَا الْشَّهْر أَنَّه اسْتِعْدَاد وَتَمْرِين لِشَّهْر رَمَضَان
فَلَا يَجِد الْمَرْء مَشَقَّة وَكُلْفَة فِى صِيَامِه وَكَذَلِك الْحَال فِى بَقِيَّة الْأَعْمَال
فَيُسَن لِلْمَرْء أَن يَجْتَهِد فِى شَهْر شَعْبَان
حَتَّى إِذَا أَتَى رَمَضَان كَان أَكْثَر اجْتِهَادا
وَأَكْثَر قُدْرَة عَلَى طَاعَة الْلَّه عَز وَجَل..