01-05-10, 08:08 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ماسي مميز
| الرتبة: | | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Mar 2010 | العضوية: | 2780 | الاقامة: | السعـــــــوديه | الجنس: | ذكر | المواضيع: | 1678 | الردود: | 3083 | جميع المشاركات: | 4,761 [+] | بمعدل : | 0.88 يوميا | تلقى » 9 اعجاب | ارسل » 2 اعجاب | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 50 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
المجلس الإسلامي تفسير سورة ق تفسير آيات سورة (ق) الدرس الأول من المطالعة والنصوص الصف 10 للطلبة والمعلمين
الآيات من 1 - 35
سورة ق
1- إنكار المشركين البعث
2- من دلائل القدرة الدالة على عظمة الله تعالى
3- تذكير كفار مكة بمن سبقهم من المكذبين
4- سعة علم الله وكمال قدرته
5- الحوار بين الكافر وشيطانه يوم القيامة
6- حال المتقين
بَين يَدَيْ السُّورَة
* هذه السورة مكية وهي تعالج أصول العقيدة الإِسلامية "الوَحدانية، الرسالة، البعث" ولكنَّ المحور الذي تدور حوله هو موضوع "البعث والنشور" حتى ليكاد يكون هو الطابع الخاص للسورة الكريمة، وقد عالجه القرآن بالبرهان الناصع، والحجة الدامغة. وهذه السورة رهيبة، شديدة الوقع على الحسِّ، تهزُّ القلب هزَّاً، وترجُّ النفس رجاً، وتثير فيها روعة الإِعجاب، ورعشة الخوف بما فيها من الترغيب والترهيب.
* ابتدأت السورة بالقضية الأساسية التي أنكرها كفار قريش، وتعجبوا منها غاية العجب، وهي قضية الحياة بعد الموت، والبعث بعد الفناء { ق * وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ* بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.. } الآيات.
* ثم لفتت السورة أنظار المشركين - المنكرين للبعث - إِلى قدرة الله العظيمة، المتجلية في صفحات هذا الكون المنظور، في السماء والأرض، والماء والنبات، والثمر والطلع، والنخيل والزرع وكلها براهين قاطعة على قدرة العلي الكبير {أفلم ينظروا إِلى السماء فوقهم كيف بنيناها ..} الآيات.
* وانتقلت السورة الكريمة للحديث عن المكذبين من الأمم السالفة، وما حلَّ بهم من الكوارث وأنواع العذاب، تحذيراً لكفار مكة أن يحل بهم ما حلَّ بالسابقين {كذبت قبلهم قوم نوحٍ وأصحاب الرس وثمود ..} الآيات.
* ثم انتقلت السورة للحديث عن سكرة الموت، ووهلة الحشر، وهول الحساب، وما يلقاه المجرم في ذلك اليوم العصيب من أهوال وشدائد تنتهي به بإِلقائه في الجحيم {ونفخ في الصور ذلك اليوم الوعيد ..} الآيات.
* وختمت السورة الكريمة بالحديث عن "صيحة الحقِّ" وهي الصيحة التي يخرج الناس بها من القبور كأنهم جراد منتشر، ويساقون للحساب والجزاء لا يخفى على الله منهم أحد، وفيه إِثباتٌ للبعث والنشور الذي كذب به المشركون {واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب * يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ..} الآيات
1- إنكار المشركين البعث :
{ق} الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن، وللإِشارة إِلى أن هذا الكتاب المعجز منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} قسمٌ حذف جوابه أي أقسم بالقرآن الكريم، ذي المجد والشرف على سائر الكتب السماوية لتبعثنَّ بعد الموت، قال ابن كثير: وجواب القسم محذوف وهو مضمون الكلام بعده وهو إِثبات النبوة، وإِثبات المعاد وتقديره: إِنك يا محمد لرسول وإِنَّ البعث لحق، وهذا كثير في القرآن.
وقال أبو حيان: والقرآنُ مُقْسَمٌ به، والمجيد صفته وهو الشريف على غيره من الكتب، والجواب محذوفٌ يدل عليه ما بعده تقديره: لقد جئتهم منذراً بالبعث فلم يقبلوا.
{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} أي تعجب المشركون من إِرسال رسول إِليهم من البشر يخوفهم من عذاب الله {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} أي فقال كفار مكة: هذا شيءٌ في منتهى الغرابة والعجب، انتقل من الضمير إلى الاسم الظاهر لتسجيل جريمة الكفر عليهم، والآية إِنكار لتعجبهم مما ليس بعجب، فإِنهم قد عرفوا صدق الرسول وأمانته ونصحه، فكان الواجب عليهم أن يسارعوا إِلى الإِيمان لا أن يعجبوا ويستهزئوا.
ثم أخبر تعالى عن وجه تعجبهم فقال {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} أي أئذا متنا واستحالت أجسادنا إِلى تراب هل سنحيا ونرجع كما كنَّا؟ {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} أي ذلك رجوع بعيد غاية البعد، مستحيل حصوله {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} أي قد علمنا ما تنقصه الأرض من أجسادهم، وما تأكله من لحومهم وأشعارهم ودمائهم إِذا ماتوا، فلا يضل عنا شيءٌ حتى تتعذَّر علينا الإِعادة {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} أي ومع علمنا الواسع عندنا كتاب حافظ لعددهم وأسمائهم وما تأكله الأرض منهم، وهو اللوح المحفوظ الذي يحصي تفصيل كل شيء {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ} إِضراب إِلى ما هو أفظع وأشنع من التعجب وهو التكذيب بالقرآن العظيم أي كذبوا بالقرآن حين جاءهم، مع سطوع ءاياته، ووضوح بيانه {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} أي فهم في أمرٍ مختلط مضطرب، فتارة يقولون عن الرسول إِنه ساحر، وتارةً يقولون إِنه شاعر، وتارة يقولون إِنه كاهن، وهكذا قالوا أيضاً عن القرآن إِنه سحر، أو شعر، أو أساطير الأولين إِلى غير ذلك.
2- من دلائل القدرة الدالة على عظمة الله تعالى :
ثم ذكر تعالى دلائل القدرة والوحدانية الدالة على عظمة رب العالمين فقال {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ} أي أفلم ينظروا نظر تفكر واعتبار، إِلى السماء في ارتفاعها وإِحكامها، فيعلموا أن القادر على إِيجادها قادر على إِعادة الإِنسان بعد موته؟ {كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا} أي كيف رفعناها بلا عمد وزيناها بالنجوم {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} أي ما لها من شقوق وصدوع {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} أي والأرض بسطناها ووسعناها {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} أي وجعلنا فيها جبالاً ثوابت تمنعها من الاضطراب بسكانها {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي وأنبتنا فيها من كل نوعٍ من النبات حسن المنظر، يبهج ويسر الناظر إِليه.
{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} أي فعلنا ذلك تبصيراً منا وتذكيراً على كمال قدرتنا، لكل عبد راجع إِلى الله متفكر في بديع مخلوقاته {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} أي ونزلنا من السحاب ماءً كثير المنافع والبركة {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} أي فأخرجنا بهذا الماء البساتين الناضرة، والأشجار المثمرة، وحبَّ الزرع المحصود، كالحنطة والشعير وسائر الحبوب التي تحصد.
{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} أي وأخرجنا شجر النخيل طوالاً مستويات {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} أي لها طلعٌ منضود، منظمٌ بعضه فوق بعض، قال أبو حيان: يريد كثرة الطلع وتراكمه وكثرة ما فيه من الثمر، وأول ظهور الثمر يكون منضَّداً كحب الرمان، فما دام ملتصقاً بعضه ببعض فهو نضيد، فإِذا خرج من أكمامه فليس بنضيد {رِزْقًا لِلْعِبَادِ} أي أنبتنا كل ذلك رزقاً للخلق لينتفعوا به {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} أي وأحيينا بذلك الماء أرضاً جدبة لا ماء فيها ولا زرع فأنبتنا فيها الكلأ والعشب {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} أي كما أحييناها بعد موتها كذلك نخرجكم أحياء بعد موتكم، قال ابن كثير: وهذه الأرض الميتة كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت، فكما أحيا الله الأرض الميتة كذلك يَحْيي الله الموتى.
3- تذكير كفار مكة بمن سبقهم من المكذبين :
ثم ذكَّر تعالى كفار مكة بما حلَّ بمن سبقهم من المكذبين إِنذاراً لهم وإِعذاراً فقال {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} أي كذَّب قبل هؤلاء الكفار قوم نوح {وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} أي وأصحاب البئر وهم بقية من ثمود رسُّوا نبيَّهم فيها أي دسُّوه فيها {وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ} سمَّاهم إِخوانه لأنه صاهرهم وتزوج منهم {وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ} أي وأصحاب الشجر الكثير الملتف وهم قوم شعيب، نُسبوا إِلى الأيكة لأنهم كانت تحيط بهم البساتين والأشجار الكثيرة، الملتف بعضُها على بعض {وَقَوْمُ تُبَّعٍ} قال المفسرون: هو ملكٌ كان باليمن أسلم ودعا قومه إِلى الإِسلام فكذبوه وهو تُبَّع اليماني {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} أي جميع هؤلاء المذكورين كذبوا رسولهم، قال ابن كثير: وإِنما جمع الرسل لأن من كذَّب رسولاً فإِنما كذب جميع الرسل كقوله تعالى {كذبت قوم نوح المرسلين} {فَحَقَّ وَعِيدِ} أي فوجب عليهم وعيدي وعقابي، والآية تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وتهديد للكفرة المجرمين.
{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ} أي أفعجزنا عن ابتداء الخلق حتى نعجز عن إِعادتهم بعد الموت؟ قال القرطبي: وهو توبيخٌ لمنكري البعث، وجوابٌ لقولهم {ذلك رجعٌ بعيد} ومراده أن ابتداء الخلق لم يعجزنا، والإِعادةُ أسهلُ منه فكيف يُتوهم عجزنا عن البعث والإِعادة؟ {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي بل هم في خلطٍ وشبهةٍ وحيرة من البعث والنشور، قال الألوسي: وإِنما نُكَّر الخلق ووصفه بجديد، ولم يقل: من الخلق الثاني تنبيهاً على استبعادهم له وأنه خلق عظيم يجب أن يهتم بشأنه فله نبأ عظيم.
4- سعة علم الله وكمال قدرته :
ثم نبه تعالى على سعة علمه وكمال قدرته فقال {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} أي خلقنا جنس الإِنسان ونعلم ما يجول في قلبه وخاطره، لا يخفى علينا شيء من خفاياه ونواياه {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} أي ونحن أقرب إِليه من حبل وريده، وهو عرق كبير في العنق متصل بالقلب، قال أبو حيان: ونحن أقرب إِليه، قُرْبَ علمٍ، نعلم به وبأحواله لا يخفى علينا شيء من خفياته، وهو تمثيل لفرط القرب كقول العرب: هو مني مَعْقِدَ الإِزار، وقال ابن كثير: المراد ملائكتنا أقرب إِلى الإِنسان من حبل وريده إِليه، والحلول والاتحاد منفيان بالإِجماع تعالى الله وتقدَّس عن ذلك، وهذا كما قال في المحتضر {ونحن أقرب إِليه منكم ولكنْ لا تُبصرون} يريد به الملائكة، ويدل عليه قوله بعده {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعيد} أي حين يتلقى الملكان الموكلان بالإِنسان، ملك عن يمينه يكتب الحسنات، وملك عن شماله يكتب السيئات، وفي الكلام حذفٌ تقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، قال مجاهد: وكَّل الله بالإِنسان - مع علمه بأحواله - ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله ويكتبان أثره إِلزاماً للحجة، أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات فذلك قوله تعالى {عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعيد}.
وقال الألوسي: والمراد أنه سبحانه أعلم بحال الإِنسان من كل رقيب، حين يتلقى المتلقيان الحفيظان ما يتلفظ به، وفيه إِيذانٌ بأنه عز وجل غنيٌ عن استحفاظ الملكين، فإِنه تعالى أعلم منهما ومطَّلع على ما يخفى عليهما، لكنْ الحكمة اقتضت كتابة الملكين لعرض صحائفهما يوم يقوم الأشهاد، فإِذا علم العبد ذلك - مع علمه بإِحاطة الله تعالى بعلمه - ازداد رغبةً في الحسنات، وانتهاءً عن السيئات.
{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي ما يتلفظ كلمةً من خيرٍ أو شر، إلا وعنده ملك يرقب قوله ويكتبه {عَتِيدٌ} أي حاضر معه أينما كان مهيأٌ لكتابة ما أُمر به، قال ابن عباس: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، وقال الحسن: فإِذا مات ابن آدم طويت صحيفته وقيل له يوم القيامة {اقرأْ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسبياً} {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} أي وجاءت غمرة الموت وشدته التي تغشى الإِنسان وتغلب على عقله، بالأمر الحق من أهوال الآخرة حتى يراها المنكر لها عياناً {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أي ذلك ما كنت تفر منه وتميل عنه وتهرب منه وتفزع. وفي الحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: "سبحان الله إنَّ للموت لسكرات".
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} أي ونفخ في الصور نفخة البعث ذلك هو اليوم الذي وعد الله الكفار فيه بالعذاب {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} أي وجاء كل إِنسان بَرَّاً كان أو فاجراً ومعه ملكان: أحدهما يسوقه إِلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله، قال ابن عباس: السائق من الملائكة، والشهيد من أنفسهم وهي الأيدي والأرجل {يوم تشهد عليهم ألسنتهُم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} وقال مجاهد: السائق والشهيد ملكان، ملكٌ يسوقه وملك يشهد عليه.
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} أي لقد كنت أيها الإِنسان في غفلةٍ من هذا اليوم العصيب {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءكَ} أي فأزلنا عنك الحجاب الذي كان على قلبك وسمعك وبصرك في الدنيا {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي فبصرَك اليوم قويٌّ نافذ، ترى به ما كان محجوباً عنك لزوال الموانع بالكلية.
5- الحوار بين الكافر وشيطانه يوم القيامة :
سبب النزول:
نزول الآيات (24 - 26):
{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ..}: قيل: نزلت الآيات في الوليد بن المغيرة، لما منع بني أخيه عن الخير وهو الإسلام.
{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أي وقال الملك الموكل به : هذا الذي وكلتني به من بني آدم قد أحضرته وأحضرتُ ديوان عمله {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} أي يقول تعالى للملكين "السائق والشهيد" اقذفا في جهنم كلَّ كافر معاند للحقِّ لا يؤمن بيوم الحساب {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أي مبالغ في المنع لكل حقٍّ واجب عليه في ماله {مُعْتَدٍ مُرِيبٍ} أي ظالم غاشم شاكٍ في الدين {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} أي أشرك بالله ولم يؤمن بوحدانيته {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} أي فألقياه في نار جهنم، وكرر اللفظ {فَأَلْقِيَاهُ} للتوكيد.
{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أي قال قرينه وهو الشيطان المقيَّض له ربنا ما أضللتُه {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أي ولكنَّه ضلَّ باختياره، وآثر العمى على الهدى من غير إِكراهٍ أو إجبار، وفي الآية محذوفٌ دل عليه السياق كأن الكافر قال يا رب إِن شيطاني هو الذي أطغاني، فيقول قرينه: ربنا ما أطغيتُه بل كان هو نفسه ضالاً معانداً للحق فأعنته عليه.
{قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} أي فيقول الله عز وجل للكافرين وقرنائهم من الشياطين: لا تتخاصموا هنا فما ينفع الخصام ولا الجدال، وقد سبق أن أنذرتكم على ألسنة الرسل بعذابي، وحذرتكم شديد عقابي، فلم تنفعكم الآياتُ والنُّذر {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} أي ما يُغيَّر كلامي، ولا يُبدَّل حكمي بعقاب الكفرة المجرمين، قال المفسرون: المراد وعيدُه تعالى بعذاب الكافر وتخليده في النار بقوله تعالى {لأملأنَّ جهنم من الجِنَّة والناس أجمعين} {وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} أي ولست ظالماً حتى أعذب أحداً بدون استحقاق، أو أعاقبه بدون جرم.
{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}؟ أي اذكر ذلك اليوم الرهيب يوم يقول الله تعالى لجهنم هل امتلأت، وتقول هل هناك من زيادة؟ وفي الحديث (لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول هل من مزيد، حتى يضع ربُّ العزة فيها قدمه، فتقول: قَطْ، قَطْ وعزتك وكرمك - أي قد اكتفيتُ - وينزوي بعضُها إِلى بعض) قدمه أي أقواماً استقدمهم من عتاة الكفار والظاهر أن السؤال والجواب على حقيقتهما، والله على كل شيء قدير، فإِن إِنطاق الجماد والشجر والحجر جائز عقلاً، وحاصلٌ شرعاً، وقد أخبر القرآن الكريم أنَّ نملة تكلمت، وأن كل شيء يسبح بحمد الله، وورد في صحيح مسلم أن المسلمين في آخر الزمان يقاتلون اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر، فينطق الله الشجر والحجر .. الخ وقيل: إِن الآية على التمثيل وأنها تصويرٌ لسعة جهنم وتباعد أقطارها بحيث لو ألقي فيها جميع الكفرة والمجرمين فإِنها تتسع لهم، وهو كقولهم "قال الحائط للمسمار لم تشقني؟ قال: سلْ منْ يدقني".
6- حال المتقين :
ثم أخبر تعالى عن حال السعداء بعد أن ذكر حال الأشقياء فقال {وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي قُرّبت وأدنيت الجنة من المؤمنين المتقين مكاناً غير بعيد، بحيث تكون بمرأى منهم مبالغة في إِكرامهم {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أي يقال لهم: هذا الذي ترونه من النعيم هو ما وعده الله لكل عبدٍ أوَّاب أي رجَّاعٍ إِلى الله، حافظٍ لعهده وأمره {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} أي خاف الرحمن فأطاعه دون أن يراه لقوة يقينه، وجاء بقلبٍ تائب خاضع خاشع {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} أي يقال لهم: ادخلوا الجنة بسلامة من العذاب والهموم والأكدار، ذلك هو يوم البقاء الذي لا انتهاء له أبداً، لأنه لا موت في الجنة ولا فناء {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا} أي لهم في الجنة من كل ما تشتهيه أنفسهم، وتلذ بهأعينهم {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} أي وعندنا زيادة على ذلك الإِنعام والإِكرام .
|
| |