خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} الكهف .
التفسير الميسر ".:
إن الذين آمنوا بي، وصدَّقوا رسلي،
وعملوا الصالحات،
لهم أعلى الجنة وأفضلها منزلا.
خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا :
خالدين فيها أبدًا، لا يريدون عنها تحوُّلا؛
لرغبتهم فيها وحبهم لها.
ويقول السعدي رحمه الله : ...
وهذا صادق على جميع الجنة،
فجنة الفردوس نزل،
وضيافة لأهل الإيمان والعمل الصالح،
وأي: ضيافة أجل وأكبر، وأعظم من هذه
الضيافة،
المحتوية على كل نعيم، للقلوب، والأرواح،
والأبدان، وفيها ما تشتهيه الأنفس.
وتلذ الأعين، من المنازل الأنيقة،
والرياض الناضرة،
والأشجار المثمرة،. والطيور المغردة المشجية،
والمآكل اللذيذة، والمشارب الشهية، والأنهار السارحة، والمناظر الرائقة،
والجمال الحسي والمعنوي، والنعمة الدائمة،
وأعلى ذلك وأفضله وأجله، التنعم بالقرب
من الرحمن ونيل رضاه،
الذي هو أكبر نعيم الجنان،
والتمتع برؤية وجهـه الكريم،
وسماع كلام الرءوف الرحيم،
فلله تلك الضيافة، ما أجلها وأجملها،
وأدومها وأكملها"،
وهي أعظم من أن يحيط بها وصف أحد من الخلائق،
أو تخطر على القلوب، فلو علم العباد بعض ذلك النعيم
علما حقيقيا يصل إلى قلوبهم،
لطارت إليها قلوبهم بالأشواق،
ولتقطعت أرواحهم من ألم الفراق،
ولساروا إليها زرافات ووحدانا،
ولم يؤثروا عليها دنيا فانية،
ولذات منغصة متلاشية،
ولم يفوتوا أوقاتا تذهب ضائعة خاسرة،
يقابل كل لحظة منها من النعيم من الحقب آلاف مؤلفة،
ولكن الغفلة شملت، والإيمان ضعف،
والعلم قل، والإرادة نفذت فكان، ما كان،
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
-------
وقال ابن ابن كثير رحمه الله :
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا )
يخبر تعالى عن عباده السعداء ،
وهم الذين آمنوا بالله ورسله ،
وصدقوهم فيما جاءوا به بأن لهم جنات الفردوس .
قال مجاهد : الفردوس هو : البستان بالرومية .
وقال كعب ، والسدي ، والضحاك :
هو البستان الذي فيه شجر الأعناب .
وقال قتادة : الفردوس : ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها .
وقد روي هذا مرفوعا من حديث سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :
" الفردوس ربوة الجنة ، أوسطها وأحسنها "
وفي الصحيحين :
" إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ،
فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة "
وقوله : ( نزلا ) أي ضيافة ، فإن النزل هو الضيافة .
وقوله : ( خالدين فيها ) أي : مقيمين ساكنين فيها ، لا يظعنون عنها أبدا ، ( لا يبغون عنها حولا ) أي :
لا يختارون غيرها ، ولا يحبون سواها ،
وفي قوله : ( لا يبغون عنها حولا ) تنبيه على رغبتهم فيها ،
وحبهم لها ، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان
دائما أنه يسأمه أو يمله ،
فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي ،
لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا
ولا ظعنا ولا رحلة ولا بدلا ...
.....
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَبعون أحسنه
وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.