تفسير الآية (50) من سورة "الذاريات"
قال تعالى :
((ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين))
جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله:
( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) أي: الجئوا إليه،
واعتمدوا في أموركم عليه، ( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .
وجاء في تفسير السعدي رحمه الله:
لما دعا سبحانه وتعالى العباد إلى النظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه،
أمر بما هو المقصود من ذلك،
وهو الفرار إليه أي: الفرار مما يكرهـه الله
ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه، ظاهرًا وباطنًا،
فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان،
ومن المعصية إلى الطاعة، و من الغفلة إلى ذكر
الله فمن استكمل هذه فقد استكمل الدين كله
وقد زال عنه المرهوب، وحصل له، نهاية المراد والمطلوب.
وسمى الله الرجوع إليه، فرارَا، لأن في الرجوع لغيره،
أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع
أنواع المحاب والأمن، [والسرور]
والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره،
إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلا الله تعالى
فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه،
(إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي:
منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة.
وعلق أحدهم على هذه الاية فقال غفر الله له :
((ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين))
مَعنى فِرُّوا إلى الله تعالى أي فِرُّوا مِن معْصِيَته إلى طاعته ،
وفِرُّوا من الإشراك به إلى الإيمان به ،
و فرُّوا من عِقابه إلى طاعته ،
ومن عِقابه إلى ثوابه ومن معْصِيَتِهِ إلى طاعته ،
ومن الخوف إلى الورع ،
فِرُّوا من التوكّل على غيره إلى التوكّل عليه،
هناك مرضٌ خطير يصيب بعض المسلمين للاسف
هو انفصال الفكر عن السلوك ،
حيث نجد بعض المسلمين يألف أن يستمع للوعظ
و يحضر مجالس العلم وأن يستمع
إلى الخطباء وأن يقرأ المقالات والكتب ،
هذا كلُّه ألِفه ، وصار من عاداته اليومية
لكن تجد حياته في وادٍ وفكرَه في وادٍ آخر،
هذا الانفصال خطير جدًّا يصيب شخصية الإنسان ،
وانفصال الفكر عن السلوك هذا أخطر فتجد المسلمين
يعيشون في ثقافة إسلامية ومشاعر إسلامية ،
إذا دخلتَ إلى بيوتهم فلن تجد إسلاما،
وإذا نظرتَ إلى أهلهم فلن تجد إسلاما ،
وإذا دخلت في أعمالهم فلن تجد إسلاما !!
وكأنه أصبح لديهم انفصام في الدين !!،
ومرض الانفصام في الدين أخطر من مرض انفصام الشخصية ،
الفكر في وادٍ والسلوك في وادٍ ،
لذلك هان أمرُ الله عليهم ، فهانوا على الله.
و أصبح لأعداء المسلمين ألف سبيل و سبيل عليهم،
إن المعلومات والأفكار والدروس والخطب والمطالعات ،
هذه القوة الإدراكية التي أودعها الله فينا ،
وهذه المُدرَكات التي ملأنا بها ذاكرتنا ما الجدوى منها
وما فائدتها إن لم تتحوَّل إلى عمل وإن لم تتحول إلى سلوك ؟
لذلك فإن الحلّ و الشيء الذي يلزم هذه المعرفة أن نفِرَّ إلى الله.
المؤمن يبحث عن أمر الله ، وعن منهجه وعمَّا يُرضيه ،
وعن الحُكم الشّرعي في كلّ شيء ،
فَبَعْدَ أن تعرف الله ليس هناك موضوع أخْطر
من أن تعرف أمرَهُ كي تُطيعهُ ،
لأنَّه إذا عرفْتَهُ شَعَرتَ بِدافعٍ لا يوصَف إلى التَّقرّب إليه
عن طريق طاعته سبحانه وتعالى.
والله أعلم
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً..