( وَكَانَ أَمْرُهُ ) أي : مصالح دينه ودنياه
( فُرُطًا ) أي : ضائعة معطلة .
فهذا قد نهى الله عن طاعته ،
لان طاعته تدعو إلى الاقتداء به ،
ولأنه لايدعو إلا لما هو متصف به .
ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يطاع ،
ويكون إماماً للناس :
من امتلأ قلبه بمحبة الله ، وفاض ذلك على لـــــسانه ، فلهج بــــــذكر الله ، واتبع مراضي ربه ، فقدمها على هواه ، فحفظ بذلك ماحفظ من وقته ، وصلحت أحواله ، واستقامت أفعاله ، ودعا الناس إلى مامنّ الله به عليه ،
فحقيق بذلك ، أن يتبع ويجعل إماماً ،
والصبر المذكور في هذه الآية ،
هو الصـــــبر على طــــاعة الله ،
الذي هو أعلى أنـــواع الصبر ،
وبتمامه تتم باقي الأقسام .
وفي الآية استحباب الذكــــر والدعـــــاء والعـــــبادة
طرفي النهار ،
لأن الله مدحهم بفعله ،
وكل فعل مدح الله فاعله ،
دل ذلك على أن الله يحبه ،
وإذا كان يحبه فإنه يأمر بفعله ، ويرغب فيه .
-----------------------
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ }
أي احبسها مع هؤلاء الذين يدعون الله
دعاء مسألة ودعاء عبادة،
اجلس إليهم وقوِّ عزائمهم.
وقوله: { بِالْغَدَاةِ } أي أول النهار.
وقوله: { وَالْعَشِيِّ } آخر النهار.
قوله: { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }:
مخلصين لله عز وجل
يريدون وجهه ولا يريدون شيئاً من الدنيا،
يعني أنهم يفعلون ذلك لله وحده لا لأحدٍ سواه.
وفي الآية إثبات الوجه لله تعالى ، وقد أجمع علماء أهل السنة على ثبوت الوجه لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة على ذلك، قال الله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (الرحمن:27) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك"،
وأجمع سلف الأمة وأئمتُها على ثبوت الوجه لله عز وجل .
ولكن هل يكون هذا الوجه مماثلاً لأوجه المخلوقين؟
الجواب: لا يمكن أن يكون وجه الله مماثلاً لأوجه المخلوقين لقوله تعالى:
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)الشورى
وقوله تعالى:
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ
وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65) ،
أي شبيهاً ونظيراً،
وقال الله تبارك وتعالى:
(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة: الآية22).
وهكذا كل ما وصف الله به نَفْسَهُ
فالواجب علينا أن نجريه على ظاهره،
ولكن بدون تمثيل.
وقوله: { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } إشارة للإخلاص،
فعليك أخي المسلم بالإخلاص حتى تنتفع بالعمل.
وقوله تعالى:
{ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
يعني لا تتجاوز عيناك عن هؤلاء الكرام تريد زينة الحياة الدنيا، بل اجعل نظرك إليهم دائماً وصحبتك لهم دائماً،
وفي قوله: { تريد زينة الحياة الدنيا}
إشارة إلى أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لو فارقهم لمصلحة دينية لم يدخل هذا في النهي.
قال تعالى:
{ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا }
يعني عن ذكره إيَّانا أو عن الذكر الذي أنزلناه،
فعلى الأول يكون المراد الإنسان الذي يذكر الله بلسانه
دون قلبه، وعلى الثاني يكون المراد الرجل
الذي أغفل الله قلبه عن القرآن،
فلم يرفع به رأساً ولم ير في مخالفته بأساً.
قوله تعالى:
{ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } أي ما تهواه نفسه.
( وَكَانَ أَمْرُهُ) أي شأنه { فُرُطاً } أي منفرطاً عليه، ضائعاً،
تمضي الأيام واليالي ولا ينتفع بشيء،
وفي هذه الآية إشارة إلى أهمية
حضور القلب عند ذكر الله،
وأن الإنسان الذي يذكر الله بلسانه لا بقلبه تنْزَع البركة من أعماله وأوقاته حتى يكون أمره فُرطا عليه ،
تجده يبقى الساعات الطويلة ولم يحصل شيئاً،
ولكن لو كان أمره مع الله لحصلت له البركة
في جميع أعماله.
والله أعلم .
***