بسم الله الرحمن الرحيم
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } 16سورة الحديد .
قال ابن عباس رضي الله عنه عن سبب نزول هذه الآية الكريمة فقال:
لما استبطأ الله عزوجل قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن الكريم,
يقول ابن مسعود رضي الله عنه :
لم يكن بين إسلامنا وبين نزول هذه الآية إلا أربع سنوات ,,
فعاتبنا الله تعالى فبكينا لقلة خشوعنا لمعاتبة الله لنا ..
فكنا نخرج ونعاتب بعضنا بعضا نقول:
ألم تسمع قول الله تعالى : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ..
فيسقط الرجل منا يبكي على عتاب الله لنا ..
مما جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله:
يَقُول تَعَالَى :أَمَا آنَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه أَيْ تَلِينَ عِنْد الذِّكْر وَالْمَوْعِظَة
وَسَمَاع الْقُرْآن فَتَفْهَمهُ وَتَنْقَاد لَهُ وَتَسْمَع لَهُ وَتُطِيعهُ
وَقَالَ قَتَادَة " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه "
ذَكَرَ لَنَا أَنَّ شَدَّاد بْن أَوْس كَانَ يَرْوِي عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
" إِنَّ أَوَّل مَا يُرْفَع مِنْ النَّاس الْخُشُوع "
وجاء في تفسير ابن سعدي رحمه الله :
لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة،
كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها،
والاستكانة لعظمته، فعاتب الله المؤمنين [على عدم ذلك]، فقال:
( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ)
أي: ألم يجئ الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله، الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟
وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت،
ويحاسبوا أنفسهم على ذلك،
( وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ)
أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه،
ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم،
( فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)
فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزله الله، وتناطق بالحكمة،
ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين.
وفي تفسيرابن عثيمين رحمه الله:
{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}
أي: ألم يحق لهؤلاء المؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله،
أي: أن تذل وتنقاد غاية الانقياد لذكر الله تعالى في القلوب واللسان والجوارح
{وما نزل من الحق}، يعني القرآن الكريم، وهو من ذكر الله، وذكره بخصوصه لأهميته،
{ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأَمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }،
الذين أوتوا الكتاب من قبل هم اليهود والنصارى ,
{فطال عليهم الأَمد} يعني طال بهم الزمن ونسوا حظهم مما ذكروا به فقست قلوبهم - والعياذ بالله - وكثير منهم فاسقون وبعضهم مستقيم،
ففي هذه الآية الكريمة يبين الله - تبارك وتعالى -
انه قد حق للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولكتاب الله،
وأن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد
فقست قلوبهم لبعدهم عن زمن الرسالات،
وفي هذا إشارة إلى أن أول الأمة خير من آخرها،
وأخشع قلوباً؛ وذلك لقربهم من عهد الرسالة،
وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال:
«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»
وفي هذا التنديد التام باليهود والنصارى لأنها قست قلوبهم
لما طال عليهم الأمد، وفيه العدالة التامة في حكم الله - عز وجل -
حيث قال: {وكثير منهم فاسقون } ولم يعمم، وهذا هو الواجب على من تحدث عن قوم أن يبين الواقع؛
لأن بعض الناس إذا رأى من قوم زيغاً في بعضهم عمم الحكم على الجميع،
والواجب العدل إن كان الأكثر هم الفاسقون، فقل: أكثرهم،
وإن كان كثير منهم فاسقين فعبر بالكثير على حسب ما تقتضيه الحال...
والله أعلم
اللهم ارحمنا بالقران واجعله لنا اماما ونورا وهدى ورحمة
اللهم ذكرنا منه ما أنسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته
اناء الليل واطراف النهار واجعله حجة وشفيعا لنا يوم القيامة يا رب العالمين ..
اللهم امين