والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه الاتقياء .. وبعد
هذة المشاركة القيمة وجدتها في احد المنتديات الاسلامية
ونقلتها للفائدة
والله اعلم ,,,
***********
قال الله تعالى:
{فلمَّا جَنَّ عليهِ اللَّيْلُ رأى كَوْكَبًا، قال هذا ربِّي
فلمَّا أفَلَ قال لا أُحِبُّ الآفلين}
[الأنعام/76].
هذا إخبارٌ عن سَيِّدِنا إبراهيمَ عليه السَّلام. والكَوْكَبُ هو النَّجْمُ. وأمَّا قولُ سَيِّدِنا إبراهيمَ لمَّا رأى الكَوْكَبَ {هذا ربِّي} [الأنعام/76] فهو على تقديرِ الاستفهامِ الإنكاريِّ، فكَأَنه قال لقومهِ المشركينَ: "هل يُعْقَلُ أنْ يَكُونَ هذا ربِّي كما تَزْعُمُون؟!"، ثمَّ لمَّا غابَ الكَوْكَبُ قال إبراهيمُ {لا أُحِبُّ الآفلينَ} [الأنعام/76]. أيْ لا يُعْقَلُ أنْ يكونَ الكوكبُ رَبًّا لأنه يأْفُلُ، أيْ يغيبُ. هو أرادَ أَنْ يبيِّنَ لهم أنَّ الذي يَتَغَيَّرُ من حال إلى حال لا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ إلـٰـهًا.
قال النَّسَفِيُّ في (تفسيرِه): [[أي قال لهم: "هذا رَبِّي في زَعْمِكُمْ". أو المراد: "أهذا رَبِّي؟!!"، إستهزاءً بهم وإنكارًا عليهم. والعَرَبُ تكتفي عن حَرْفِ الاستفهام بنغمةِ الصَّوت]].
ولهذا التأويلِ الذي ذكرناهُ نظائرُ في القرءانِ الكريم. منها قولُ الله تعالى في سورة فُصِّلَتْ:
{ويومَ ينادِيهم أينَ شركائي قالوا ءاذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شهيد} [فُصِّلَتْ/47].
أيْ ويومَ يناديهمْ رَبُّهُمْ أينَ الذينَ تَزْعُمُونَهُمْ شُرَكَائِي. و{ءاذَنَّاكَ} معناه أخبرناك. وقولُهم
{ما مِنَّا مِنْ شهيد} معناه ما مِنَّا أَحَدٌ اليومَ يَشْهَدُ بأنَّ لكَ شريكًا.
ففي الآيةِ كلامٌ مُقَدَّرٌ إذْ لا يُعْقَلُ أنْ يَكُونَ لله شركاء. ولا يُعْقَلُ أَنْ يَنْسُبَ الله إلى نفسهِ الشَّريك.
فلا بُدَّ من أَنْ يكونَ في الآيةِ كلامٌ مُقَدَّرٌ. والتقدير: أينَ شُرَكَائِيَ الذينَ كنتُم تَزْعُمُون.
وهذا التأويلُ مفهومٌ من قول الله تعالى في سورة القَصَصِ
{ويومَ يُنَادِيهم فيقولُ أينَ شُرَكَائِيَ الذينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُون} [القَصَص/62].
كذلكَ قولُ إبراهيمَ {هذا رَبِّي} هو من هذا الباب، معناه هذا رَبِّي في زَعْمِكُمْ.
ثمَّ بعدَ ذلكَ رأَى إبراهيمُ القَمَرَ بازِغًا، فقالَ مِثْلَ ذلكَ، أيْ قال {هذا رَبِّي} [الأنعام/77].
أيْ على تقديرِ الاستفهامِ الإنكاريِّ أيضًا. ثمَّ لمَّا أَفَلَ القَمَرُ، أيْ غابَ، قال إبراهيمُ
{لَئِنْ لم يَهْدِني رَبِّي لأَكُونَنَّ من القومِ الضَّالِّين} [الأنعام/77].
أي لولا تثبيتُ الله إيَّايَ على الْهُدَى لكنتُ ضالًّا. وهو، عليه الصَّلاة والسَّلام، العالِمُ بأنَّ الله لنْ يُضِلَّه، وأنه اصطفاهُ كما اصطفَى سائرَ رُسُلهِ.
المسلمُ يقرأُ الفاتحةَ كُلَّ يوم في صلاتهِ ويقول {إهدِنا الصِّراطَ المستقيم}. وليسَ المرادُ أنا يا رَبِّ ضالٌّ عن الصِّراطِ المستقيم وأنا الآنَ أطلبُ منكَ الهداية. ليسَ هذا معناه، وإنما معناه أسألُك يا رَبِّ أنْ تثبِّتني على الصِّراطِ المستقيم الذي هو الإسلامُ.
كذلكَ قولُ إبراهيم {لَئِنْ لم يَهْدِني رَبِّي لأَكُونَنَّ من القومِ الضَّالِّين} هو من هذا الباب. معناه لولا تثبيتُ الله إيَّايَ على الْهُدَى لكنتُ ضالًّا. وهو، عليه الصَّلاة والسَّلام، العالِمُ بأنَّ الله لنْ يُضِلَّهُ، وأنه اصطفاهُ كما اصطفَى سائرَ رُسُلهِ.
ثمَّ لمَّا ظَهَرَتِ الشَّمْسُ قالَ مِثْلَ ذلك، أيْ قال {هذا رَبِّي} أيْ على تقديرِ الاستفهامِ الإنكاريِّ أيضًا. فلمَّا أَفَلَتِ الشَّمْسُ، أيْ غابتْ، أظهر لهم أنه بريءٌ من عبادتها وأنها لا تَصْلُحُ للرُّبوبيَّة. فقال
{يا قومِ إني بريءٌ مِمَّا تُشْرِكُون} [الأنعام/78].
وأمَّا هو، عليهِ السَّلام، فقد كانَ يَعْلَمُ قبلَ ذلكَ أنَّ الرُّبوبيَّةَ لا تكونُ إلَّا لله. والدَّليلُ على أنَّ إبراهيمَ كان عالِمًا بربِّه قبلَ تلكَ المناظرةِ التي جَرَتْ بينه وبينَ قومه قولُه تعالى
{ولقد ءاتَيْنَا إبراهيمَ رُشْدَهُ من قبلُ} [الأنبياء/52]،
أي ألهمناهُ الصَّوابَ والحكمةَ والإيمانَ من قبل هذه المناظرةِ التي جَرَتْ بينَه وبينَ قومهِ المشركين.
وكذلكَ قولُه تعالى
{ما كانَ إبراهيمُ يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكنْ كانَ حنيفًا مسلمًا وما كانَ من المشركين}
[ءال عِمْران/67].
إنَّ منَ الكُفْرِ الصَّريح أنْ يُظَنَّ في نبيٍّ منْ أنبياء الله أنه مَرَّ في فترةِ شَكٍّ لم يَدْرِ فيها مَنْ هو رَبُّه، أو أنه عبدَ غَيْرَ الله فترةً من الزَّمَنِ قبلَ أنْ يهتديَ إلى عبادتهِ، أو أنه شَكَّ في الكَوْكَبِ أو الشَّمْسِ أو غيرِهما من الجماداتِ أتستحقُّ العبادةَ أم لا. ولا يُعْذَرُ الجاهلُ فيما ذكرناه، إذْ إنَّ مِمَّا هو مُقَرَّرٌ عندَ علماء الأُصُولِ أنه لا يُعْذَرُ أَحَدٌ في مُوجِبَاتِ الكُفْرِ بالجَهْل.
ولقد ذَكَرَ الله في مَوْضِعٍ ءاخَرَ من القرءانِ الكريمِ هذه المناظرةَ التي جَرَتْ بينَ إبراهيمَ وقومهِ المشرِكينَ عُبَّادِ الكواكب والنُّجُومِ والأصنام.
فقد وَرَدَ في القرءان الكريم في سورة الشُّعراء عن سَيِّدِنا إبراهيمَ الذي، لا شَكَّ، كان يعيشُ بينَ قومهِ قبلَ أنْ يوحَى إليه، وَرَدَ عنه ما أخبرَ الله تعالى به في سورةِ الشُّعَراء
{واتلُ عليهم نَبَأَ إبراهيم. إذْ قالَ لأبيهِ وقومهِ ما تعبُدون. قالوا نَعْبُدُ أصنامًا فَنَظَلُّ لها عاكفين}.
فإنْ قيل: وما فائدةُ سؤالِ إبراهيمَ لقومهِ {ما تعبُدون} وهو العَالِمُ بحالِهم؟،
قلنا: هذا ليسَ استفهامًا من إبراهيمَ ولكنْ هذا تقريعٌ لهم وتوبيخٌ على عبادتهِم الأصنامَ وإنكارٌ.
فلا يجوزُ أنْ يُظَنَّ في إبراهيمَ أنه كان يعلمُ أنَّ قومَه سَيُؤَكِّدُونَ شِرْكَهُمْ بقولهِم {نعبُد أصنامًا} إذا قال لهم {ما تعبُدون} لأنَّ النبيَّ لا يَسْتَدْرِجُ الكافرَ إلى الإقرارِ بكفرِه لأنَّ الكافرَ يزدادُ كفرًا كلَّما يُقِرُّ بكفرِه والنبيُّ لا يستدرجُ الكافرَ إلى أنْ يُقِرَّ بكُفْرِهِ أي لا يستدرجُه إلى الكفرِ، بل هو، عليهِ السَّلامُ، بقولهِ لهم {ما تعبُدون} أرادَ أنْ يُنْكِرَ عليهم، لكنْ هم أجابوا بهذا الجواب. فكلامُ إبراهيمَ في الحقيقةِ إنكارٌ عليهم، ولكنَّه، عليه السَّلام، ساقَ كلامَه هذا بصيغةِ سؤال. وهذا من ضُرُوب البلاغة في اللُّغة.
فلا يجوزُ حَمْلُ قولِ إبراهيمَ لقومهِ {ما تعبُدون}، وهو العالِمُ بحالهِم، على أنه أراد أنْ يستدرجَ قومَه إلى التفوُّه بكلامِ الكفرِ. وقد تقرَّر عندَ علماء الأصول أنَّ من استدرجَ غيرَه إلى الكُفْرِ فقد كَفَر. فلا يَصِحُّ سؤالُ من نعلمُه يعبدُ غيرَ الله: "ماذا تعبُد؟"، لأَنَّ المشركَ سَيُقِرُّ بشِرْكهِ، والإقرارُ بالشِّرْك كُفْرٌ، فيزدادُ هذا المشركُ كُفْرًا بتأكيدِ شِرْكهِ. ولا ينبغي لنا أنْ نُعِينَ الآخرينَ على الإثم والعدوان.
قال الله تعالى {وتعاونوا على البِرِّ والتَّقْوَى ولا تَعَاوَنُوا على الإثمِ والعُدْوان}
[المائدة/2].
والحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين هذا والله اعلم
منقول ....