تنويه
(اعتقد سبق لاحد الاخوه ان قام برفع بعض القصائد لشاعره
ولكن اعجبني هذا الموضوع واحببت مشاركتكم فيه)
بخوت المريه(بخيته)
لن أتناول شعر هذه الشاعرة بشكل متكامل ومفصل فذاك مجاله واسع، لكن أتناول بعض نسمات وتعبيرات وأبيات محسوبة رغم امتداد انتاجها الشعري سأقتطع منه نموذجاً فقط يحتوي على عناصر من بيئة الشاعرة فقد أخذت من ذلك الواقع مادة تشبيهها ووصفها وتقريب صورها الشعرية، وهذا شيء طبيعي إذ لا يمكن لشاعر أن يجتزىء من غير بيئته التي عاش فيها أو بيئة رآها فتأثر بما فيها.
سأقف عند بساطة التعبير وعفويته، في أبيات تقترب من جيل مضى هو جيل موضي البرازية ونورة الهوشان وغيرهما.. حيث البصمة تتكرر وان اختلفت المناسبات بل ربما تكررت أيضاً المعاناة.
الشاعرة: بخيته المرية، والتي تعرف ب(بخوت) عاشت في البادية.. عاشت الحياة البدوية الهادئة عانت كثيراً في حياتها الاجتماعية وواجهت الحياة بكل جدارة ولا غرابة فحياة الصعاب تكسب الإصرار وتوصل بر الهدوء والاستقرار، وهذا بالفعل ما حصل، حيث تجمعت لدى الشاعرة مجموعة من المعطيات حولها تدل على خبرات الحياة المتنوعة فوظفتها في شعرها إحساساً بقي في الحرف تطويه الكلمة ووصل الينا يصور ويجسد لنا العديد من المشاعر رغم رحيل الشاعرة.
تلك الشاعرة بخيته المرية، والتي تعرف باسم (بخوت).
لنأخذ الكلمات ثم الجمل واكتمال الصور، في هذه القصيدة كمثال لنحدد اطار تحركت داخله تلك الشاعرة، فالكلمات ليس فيها سوى الارتفاع، وكان الغرض من انتقائها المزيد من العلو والسمو بالمعنى لكن جاءت الصورة متدرجة من الحبس إلى الحرية ومن القيد إلى الانطلاق ومن اليأس إلى كل التفاؤل وامتداد الأمل، لنقرأ ما قالته:
|
زوع قلبي زوع طير قطع قد هو حكيرمن شياهين البحـر واستحـل اهجارهـا |
كل ما صـاح المصيـح تعلـوت تستديـرعقب ما هـي حكـرة سعدهـا طيارهـا |
|
انها تعني طير الحر الشاهين (الصقر) عندما ينحل من رباطه ثم ارتفع وتعلى في الجو يستدير في حومه وطيرانه، والزوع الذي أشارت إليه الشاعرة معناه في اللغة: جذبك الناقة بالزمام لتنقاد.
لكنها أخذت من المعنى ما يربط به الصقر أيضاً كقيد يمنعه من الطيران ليبقى في منقله لا يتحرك بغض النظر عن رغبته في التحليق.
ومن جمال التشبيه علو حرية الفرد لا هبوطه وسموه لا نزوله، بعيداً عن كل انحطاط ووصولا بالمعنى إلى العزة والرفعة.
وهذه القصيدة بمعانيها تلك أو بمقدمة ما تريد قوله تذكرنا بقصيدة لشاعر آخر تضمن المعنى نفسه في أول مقدمة قصيدته وهو الشاعر محمد العاطفي حيث يقول مستهلاً القصيدة بنفس الاستهلال كلمة (زوع) وتتابع المعاني والوصف رغبة في الوصول إلى البوح بعد الانطلاق.
|
زوع قلبي زوع حـر مـن المنقـل شهـرتل سبقه وانكشف عـن عيونـه برقعـه |
هده الصقـار فـي أول مطاليعـه عصـرينهمه بسمـه وحلـق علـى أول مطلعـه |
وهبت النكبا في أثر يوم نحس مستمـروادنفت شمس العشي والهبايب تشلعه |
|
ويقول الشاعر المري وقيل العرجاني لسنا هنا في مجال تحقيق نسبة القصيدة، وإنما الاستشهاد بالأبيات:
|
زوع قلـبـي زوع فــرخ صــف ريـشـهوافـت أمـه لـيـن عـشـه مـنـه خـالـي |
وصفءق قلبي صفءق بيبان الدريشهيوم تصفـق مـن جنـوب ومـن شمالـي |
|
وبالتالي فإن هذا الوصف يبدو انه من الأوصاف المألوفة في المكان بدليل استخدامه من أكثر من شاعر بشكل متتابع زمنياً الشاعرة بخوت ثم من جاء بعدها باعتبار.
ونلاحظ أن العديد من الشعراء يبدأون بكلمة (تل قلبي) ولعل العبارة التي بدأت بها الشاعرة لا تختلف كثيراً بل هي نفسها لكن من البيئة أخذت علماً أن هذه البداية قل أن توجد في بيئة الداخل البعيدة عن الأطراف.
وقالت الشاعرة بخوت في الحزن:
|
أنـا دمـع عينـي بالدقـايـق وبالسـاعـاتولا هـي علـى فرقـا المحبيـن مسـتـره |
هواجيس قلبي كل ما أقول راحت جاتتعـود علـيّ اليـوم خمسـة عشـر مــره |
|
وقالت كذلك في وصف ناقتها التي كانت تسميها (ذروة):
|
كن ذيل (ذروة) راس بنت على زيانيا زين شوفه في العراقيـب يجتالـي |
يـا زيـن شـوف حوارهـا بـارك ريـانفي حـرف روض والمظاهيـر نزالـي |
|
أما ما يستوقف القارئ لشعر بخوت غير ما ذكر فهو قولها في السيارة رغم توقعنا أن يكون قول النساء فيها أقل جودة من الرجال لكن تبين العكس، حيث دقة التعبير ووضوح المعنى بل وتجسيد الخيال كواقع تراه
|
ونتي ونـة خلـوج ولدهـا مـا بعـد جـدلتشـرف المرقـاب للـذود وتـعـود وراه |
حن قلبي حن (ماك) على سمر العجلعشق السواق والدرب ممسـوك وراه |
مـا بشفـي لا دريـول ولا ريـس عـمـلشفي اللي كل مـا شـاف بـراق رعـاه |
قاطنيـن فـوق عـد علـى جالـه عـبـلطيب للبـل وراعيـه مـا يقطـع ضمـاه |
|
وتقول أيضاً:
|
حن قلبي حن (ماك) مع الطلعاتليا عشقه بالعايـدي والدبـل جـره |
جرمه ثقيل وحملوا فوقه البيبـاتويدعـس عليـه ببنزينـه ولا ســرّه |
|
والماك: السيارة الكبيرة مخصصة لحمل الأشياء الثقيلة وهي في الأصل ثقيلة بدون حمولة، فكيف وقد حملوها بالبيبات أي المواسير.
ومن الوصف والتشبيه أيضاً يتبين أن المحيط الذي فيه الشاعرة يستخدم السيارات الكبيرة، وهذا واضح في منطقة الاحساء وشرق المملكة وهي بيئة الشاعرة.
وفي الختام لا نقول أن جيل الشاعرة بخوت انتهى ولا يتكرر مثلها مثل موضي البرازية ونورة الهوشان وغيرها العديد، كان لعصرهن تميز والبصمة واضحة في شعر تم تداوله في فترة القرن الماضي وما قبله، لا نستطيع أن نقول انه يتيم وانتهى لأن الشعر من مجيديه في كل وقت وزمن، وفي هذا العصر مثل غيره شعراء تميزوا عن غيرهم وتظل البصمة تحدد الزمن الذي قيلت فيه القصيدة ونقول بلا تحفظ أن زمن الشاعرات المتماثلات كان في وقت الأمس له طابعه الخاص ولا مقارنة، وهذا لا يعني الجودة بقدر ما يعني البصمة فقط.
وفرق بين أن نقول بصمة زمن أو نقول جودة وضعفاً.
إن أبيات الشعر من قراءتها تتحدد من معانيها وسبكها نوعية البصمة.
رحم الله جيلاً مضى كون قاعدة متينة من الشعر لأنها قيلت ليست للنشر بقدر ما هي للتعبير الصادق والبوح الحقيقي، ولم تلاحقها الاسماء من أجل الوجود بل لحقت هي اسماءها لتتعلق بها تريد الانتماء لشاعر قالها بصدق فهي تبحث عن انتمائها الحسي الذي نبعت منه.
رحم الله الشاعرة بخوت، رحلت وبقيت كلماتها التي تعد نموذجاً.