بلقاسم الشابي قال : إن ذا عصر ظلمة غير أني = من وراء الظلام شمت صباحه.
فهل كان متشائماً ؟ أم كان في قمة التفاؤل ؟
وهو بلبل لم يفتأ يغني للحياة؟؟
نسمع أن ثمة أشرار وأخيار حتى في الأساطير ، وفي الواقع نشأنا على أن
الحياة معركة بين الخير والشر وكلنا جندٌ فيها ، لكن كيف نعرف هؤلاء وهؤلاء
، وكيف نضمن أن نكون نحن من الأخيار لا من الأشرار؟ .
ثمة جانب من العالم يرى في جانب آخر أنه محور شر ، فهل هو فعلاً محور
للشر ؟؟
وبالمقابل ذلك الجانب المُتهم يرى في الجانب المقابل أنه الشيطان الأكبر ، أو
نحو ذلك ، فهل هو فعلاً كذلك ؟؟
الكل يتمسح بمسوح الخير ، الكل يؤمن بمبدأ : إن لم تكن معي فأنت ضدي ،
الكل يرى أن القمة لا تتسع لغيره ، فما الخير في عرفه إلا مصلحته وعلوه هو
في الأرض دون سواه وأن يكونَ الحاكم بأمر الله في شعب الله وقائم مقام الإله
في الأرض ـ تعالى الله ـ ، وكل ما يقوض هذه الخطة أو يدحض هذه الرؤية هو
شر يستهدف الخير ويعاديه .
ألا يشي ذلك بأننا بأمس الحاجة لإعادة صياغة المفاهيم لدى أكثر أهل الأرض
عن الخير والشر؟؟ .
نقطة أخرى أيضاً تحتاج مزيداً من الضوء وهي : كيف يكون الشر؟
لنستدعي المنطق للحظة أمام هذا الركام الثقيل الذي تكاد تكون معه نقطة البداية
مستحيلة ، لكن لنحاول من خلال المنطق .
لنحاول كبشر أن ندرك ما الخير وما الشر .
من الخير للبشر ـ يقول المنطق ـ أن نتفق على ما فيه مصلحة البشر ككل ،
كالعدالة مثلاً بين جنس البشر بغض النظر عن شريف وضعيف وعرق وجنس
ولون ومذهب .
وكحق كل إنسان بحياة شريفة وكيان كريم ، وكالمسائل التي تختص بالبيئة التي
يعيش فيها الإنسان ، فيجب أن نتفق على حرمة السنبلة التي يأكل منها الإنسان
فلا تستهدف بحرق وقلع وتخريب لصالح أي هدف ، كذلك الماء ، لنتفق أن
الناس شركاء في السنابل وفي الماء ، ولنتفق على حماية ما نحن فيه شركاء .
تلك معاني عظيمة وخطوط عريضة في حياة هذا الإنسان يجب أن تبنى فلسفة
الخير والشر على أساسها بتحديد القيم والمقدسات المعتبرة للجنس البشري .
ومن أقيم القيم وأقدس المقدسات أن يكون الإنسان ـ بجنسه ـ هو القيمة الأولى
في هذه الأرض ، فلا قيمة تعلو فوق قيمة جنس الإنسان.
لقد خُلقنا في عالم لم نصنعه إنما ورثناه بجنونه وأخطاءه ، ويُراد منا أن نورثه
لمن بعدنا أفضل مما ورثناه ، فقصارى الجهود ولب الرسالة ـ كما أرى ـ أن
نخرج من هذا العالم وقد ساهمنا في جعله أفضل مما لقيناه أول مرة.
لن يموت الشر ، ولن ينعدم ، لكنه يمرض ويتراخى ويتوارى ، ونفوسنا من
يحييه ، وأنفسنا من يكبته.
ونحن بأمس الحاجة لتثكيف الجهود لأن يؤمن الإنسان بنفسه بقدسيته بكرامته
بالحياة ، فقد غابت قيم الإنسانية في هذا العصر الذي ورثنا ، فكل شي فيه بات
يساهم في تغييب قدسية الإنسان ، لقد علت فيه كل القيم وطغت على قيمة
الإنسان.
يا حسرتا على الإنسان ، غيلت قيمه وغيبت حقوقه هنالك في عصر اللا إنسانية
، فهل لنا أن نقيم المعايير ونجتمع على كلمة سوية تصدع بقدسية الإنسان ؟؟.
هذا كل ما أتمناه ..
منقولة من مدونة محراب الحق مكتوبة بقلمي