الرادار هو جهاز يستخدم لتحديد مكان وهوية الأجسام بعيدة المدى، فأشعة الرادار ترتد من على أسطح الأجسام، ونظام الرادار يلتقط صدى الأشعة التي ارتدت، والرادار يمكن أن يحدد المسافة والسرعة واتجاه الحركة وشكل الجسم، كما أنه يحدد هذه الخصائص وهي خارج نطاق الرؤية وفي أي وقت وتحت أي ظروف جوية.
تاريخه
في عام 1904م اخترع العالم الألماني كريستيان هولسمييـر جهازاً بسيطاً يستخدم أشعة الراديو لمنع السفن من الاصطدام ببعضها البعض في البحار، وفي عام 1922م ظهر أول نظام لراديو طويل المدى على يـــدي العـــالم الايطالي جوجليلمو ماركوني.
الحرب العالمية الأولى
إبان الحرب العالمية الأولى كان السلاح الجوي الألمــاني يقصف المدن البريطانية باستخدام المنطاد ذوي المحرك (Zeppelins)، وكانت تطير على ارتفاع شاهق بحيث لا تســتطيع الدفاعات الأرضية إســـقاطها، ولعدم معرفة البريطانيـــين بمـوعد قــدوم القـاذفات فكانت الطـــائرات البريطــانية لا تزال على الأرض، ومع إقلاع الطائرات من الأرض تكون القــــاذفات قد انتهت من إلقاء قنــابلها وبــــدأت بالعــــودة إلى وطنها وقبل أن تصل الطائرات البريطانية إلى الارتفاع المطلوب، فكـانت تشكل خطراً ومشــكلة يجب حلها فكانت هناك حاجة مـــاسة لوجود نظام إنذار مبكــــــر.
الحرب العالمية الثانية
وقبل الحرب العالمية الثانية كانت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا قائمة ببرامج خاصة وسرية لتطوير الرادار، وفي عام 1934م ادعى هتلر بامتلاكه "شعاع الموت"، وهو سلاح جديد يستخدم الموجات اللاسلكية القادر على تدمير المدن، فنادت الحكومة البريطانية باختراع جهاز كرد لهذا التهديد الكبير الذي يعمل بالموجات الكهرومغناطيسية أو الموجات اللاسلكية كي يقوم بإسقاط الطائرات الألمانية وهي في طريقها لمهاجمة بريطانيا، فاستدعت الحكومة العالم السير روبرت واطسون وات الذي كان يعمل في ذلك الوقت في المختبر القومي للأبحاث الفيزيائية، وكان هذا العالم يعلم أنه لا يمكن اختراع سلاح كهذا، ولكنه اخترع جهازاً يستطيع التقاط الطائرات ويظهرها على شاشة كهربائية كنقاط وهي ما زالت خارج نطاق الرؤية، وتم إجراء تجربة بناءً على النظرية التي كانت الفكرة الأساسية لها هي إرسال موجات كهرومغناطيسية باستمرار على هيئة موجات لاسلكية في الجو، وعند اصطدامها بأي طائرة ترتد هذه الموجات إلى الجهاز، وتظهر الطائرة كنقطة على الشاشة، فتمت التجربة بنجاح وأطلق على هذا الجهاز "رادار".
والموجات الكهرومغناطيسية عبارة عن طاقة تنتقل بشكل أمواج بسرعة قريبة من سرعة الضوء، ويرتكز نظام الرادار على أربعة عناصر أساسية هي محوّل، هوائي، مستقبل، وشاشة العرض.
فالمحول يقوم بإنتاج إشارات كهربائية، والهوائي يرسل هذه الإشارات على هيئة موجات كهرومغناطيسية، كما يقوم أيضاً بالتقــاط الموجــات العائدة ومن ثم تحويلها إلى المستقبل الذي يحلل هذه الموجـــات ثم يحولهــا إلى شاشــة العــرض.
وكان المدى الأقصى للرادار في بدايته لا يتجاوز خمسة أميال، وبعد أربعة أشهر تم تطويره ليلتقط الطائرات على بُعد 72 كيلومتراً، ومع نهاية العام ازداد المدى إلى 150 كيلومتراً، عندئذ قُرر بناء خمس محطات للرادار لتغطي مداخل لندن.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية تم بناء 18 محطة رادار لتغطية الساحل البريطاني التي سميت بـ "Chain Home"، ولتشارك بدور مهم في "معركة بريطانيا"، وعندما بدأت الحرب كان السلاح الجوي الإمبراطوري الألماني المخضرم(Luftwaffe) مركزاً على تدمير المطارات البريطانية، مع علمهم التام ببناء هذه المحطات، ولكن ما لم تفهمه القيادة الألمانية العليا هو مدى أهمية شبكة رادار بريطانيا التي سوف تحمي بريطانيا من أي دخول جوي مفاجئ بإعطاء إنذار مبكر قبل الهجمات، مما جعل البريطانيين على أتم استعداد لها، وما كان يذهل الطيــــارين الألمان هو كيفية علم البريطـانيين بمكانهم ووقتهم دائماً.
وفي عام 1939م، وبعد النجاحات التي حققتها هذه المحطات والفائدة التي أضافتها لبريطانيا، أدرك الألمان خطورتها، وشن السلاح الجوي الألماني هجوماً على ست محطات منها، وبعد ذلك بثلاثة أيام قام بالهجوم على محطات أخرى، لكن بقي شيء لم يتنبه له الألمان ألا وهو أن قصف هذه المحطـات بالقنابل كان فيه خطورة عليهم، وتبديل هذه المحطات كان سهلاً على بريطانيا، الشيء الذي كان من الصعب على بريطانيا تبديله حيث سيخسرها الكثير هن النساء العاليات التدريب اللاتي كن يدرن تلك المحطات، لذلك لم تتمكن ألمانيا من تدميرهن، وفي نفس العام كانت عدة دول قد امتلكت أجهزة رادار مثل بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، هنجاريا، هولندا، ايطاليا، اليابان، روسيا، سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال سنوات الحرب كانت الموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة تعمل بتردد يساوي 10 ميجاهيرتز، ومن المعروف أنه كلما زاد التردد زادت دقة الرادار، ومع التطوير المستمرة وصل التردد إلى 800 ميجاهيرتز، وفي عام 1940م طور الأمريكيون راداراً خاصاً مركباً داخل قاذفات القنابل التي تسمى (H2S)، وكان هذا الجهاز هو قلب تلك الطائرات، فكان الرادار يستخدم تردداً يساوي 3 جيجاهيرتز وبه شاشة تبين الأراضــي والتضــاريس بدقــــة عالية، والتردد عال بالنسبة لأجهزة الإنذار الموجـــودة لدى الألمـان والتي كان حد التقاطها 800 ميجاهيرتز، بالإضافة إلى أن الألمان لم يعلموا بذلك أبداً مما كان ذا خطورة هائلة على الألمان.
ولكن في عام 1943م حدث ما كان يخشاه الأمريكيون، حيث تمكن الألمان من إسقاط إحدى هذه الطائرات، فكانت مفاجئة كبيرة حينما رأوا جهاز الرادار، وبعد سنة من الدراسة تمكنوا من تشغيله، غير أن الحرب كانت قد اقتربت من نهايتها، وظل الرادار سرياً إلا في عام 1946م عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية للملأ عن أول جهاز أميركي قام بقياس المسافة من الكرة الأرضية إلى القمر بنجاح.
وخلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحــاد السوفييتـــي، وبعـــد تفجيـــر الاتحاد السوفييتـــي لأول قنبلــة ذريــــة عام 1949م، زاد الاهتمام بتطوير الأسلحة بعيدة المدى ممــــا زاد من الاهتمام بتطــــوير الرادار وخــــاصة للدفاع الجوي، ممـــا أوصــل الرادار إلى ما هو عليه في الوقت الحــالــــي.
مجالات استخداماته
لا يقتصر استخدام الرادار على الحروب فقط، بل أصبح اليوم يلعب دوراً هاماً في كثير من المجالات المدنية، حيث يستخدم للملاحة الجوية والبحرية لمنع الطائرات والسفن من الاصطدام ببعضها البعض، بالإضافة إلى استخدامه من قبل شرطة المرور لضبط حركة السيارات والالتــــزام بالســـرعة القــانونية، بالإضافة إلى رصد الأحوال الجــــوية، ويســــتخدم أيضاً للدراســـات العلمــية مثل دراسة الكواكب والأقمار والنيازك والنجوم البعيدة.
أنواع الرادار
جميع أنظمة الرادار تعتمد في عملها على نفس المبدأ الذي تم ذكره آنفاً، ولكن هناك أنواع متــعددة مــن أنظمة الرادار لاختلاف طبيــعة الاســـتخدام وهي:
* "الرادار البسيط" وهو ابسط أنواع الرادار، في هذا النظام يقوم المحول بإرسال إشارات كهربائية متقطعة بفاصل زمني معين، وفي هذه الفواصل يقوم باستقبال صدى الموجات المنعكسة من الأجسام. ومعظم هذه الرادارات يتحرك هوائيها دائرياً حول نفسه، وهي ممتازة لتحديد مكان الأجسام وليست دقيقة جدا في تحديد السرعة.
* "الرادار المستمر" وهذا النوع يرسل الموجات باستمرار ودون انقطاع، وهي ممتازة في تحديد السرعة والاتجاه ولكن ليست دقيقة في تحديد المكان مثل الرادار البسيط، وبعض الأنظمة تقوم بضم النظامين معاً للتوصل إلى الحل الأمثل.
* "رادار التصويب" وهذا الرادار يستخدم في تقفي الأهداف الأرضية من الجو...
* "رادار النظام المرحلي" معظم الرادارات تحتوي على واحد هوائي كبير ولكن يستطيع أن يتم دورة حول نفسه كما جاء سابقاً، ولكن هذا الرادار يحتوي على عدد من الهوائيات الصغيرة كل منها يستطيع أن يدور حول نفسه دورة كاملة، فبعد تحديد اتجاه كل هوائي يقوم المستقبل باستقبال إشارات كل هوائي ثم جمعها جميعا لتكون كإشارة واحدة، ما يميز هذا النوع هو أنه لو كان لديك رادار نظام مرحلي كبير جدا تستطيع تغيير اتجاهه أسرع من أي رادار آخر.
* "الرادار الفرعي" نظام الرادار الذي يرسل أشعة ثم يستقبل الصدى يسمى بالرادار الأساسي، وهناك نوع آخر يسمى الفرعي، يعمل مثل الأساسي لكن بالإضافة إلى أنه يقرأ موجات الرادار المشفرة، فيرسل موجات مشفرة للطائرة وهي عبارة عن أسئلة رقمية ويستقبل من الطائرة أجوبة خاصة مثل هوية الطائرة ومن أي دولة، وذلك لكي تتعرف الدفاعات الجوية عليها وتحدد إن كانت مسالمة أم عدائية، حركة المرور الجوي تعتمد بشكل أساسي على هذا النوع من الرادارات.
كيف يعمل الرادار
أن فكرة عمل الرادار تكمن في إيجاد المسافة إلى أحد الأهداف بقياس الزَّمن الذي تستغرقه الموجة الرَّادارية لتصل إلى هذا الهدف وتعود منه. وتسير الموجات الرَّادارية كبقية الموجات الكهرومغنطيسية بسرعة الضوء 299,792كم/ث. لذا فالموجة الرَّادارية التي تعود بعد ثانيتين تكون قد قَطَعت 599,584كم، أي 299,792كم في الذهاب إلى الهدف والمسافة نفسها في الإياب، وتحول مجموعة الرَّادار النبضي آليًا الزمن اللازم للذهاب والإياب إلى مسافة (بُعْد) نحو الهدف.
عندما تُرسل مجموعة الرَّادار الموجات الراديو فإن تلك الموجات تصطدم بالهدف وتنعكس منه، ويعود قسم من الموجات المنعكسة إلى مجموعة الرَّادار على نفس المسار، الذي أُرسلت عليه. ويُشبه هذا الانعكاس، لدرجة كبيرة، ما يحدث عندما يَصْرُخ شخص في وادٍ جَبليّ، ويسمع صدى صرخته من الصخور القريبة. في هذه الحالة تنعكس الموجات الصوتية عِوضًا عن الموجات الراديوية أو الضَّوئية.
وللموجات التي يُرْسلها الرَّادار تردد مُحَدَّد. ويُقاس تردد مثل هذه الموجة بوحدة تسمى ميجاهرتز. تساوي وحدة الميجاهرتز مليون هرتز (دورة بالثانية). وللموجات الراديوية تردُّدات منخفضة عن ترددات الموجات الضوئية، ومعظم الرَّادارات التي تبث على الموجات الراديوية تعمل على ترددات بين 1,000 ميجاهرتز و50,000 ميجاهرتز. وتعمل الرَّادارات الضوئية على ترددات أعلى بكثير، وبعضها يُولِّد موجات ضوئية ذات ترددات تصل إلى بليون ميجاهرتز.