08-09-09, 02:59 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | مشرف سابق
| الرتبة: | | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Aug 2008 | العضوية: | 1293 | الاقامة: | بريدة | الجنس: | ذكر | المواضيع: | 1624 | الردود: | 5444 | جميع المشاركات: | 7,068 [+] | بمعدل : | 1.19 يوميا | تلقى » 2 اعجاب | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 121 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
مجلس التاريخ و الأثار و الأماكن جزيرة دارين « يمرون بالدهنا خفافاً عبابهم.. ويرجعنَ من دارين بُجر الحقائب »
شاطئ دارين بعد أن هجرته السفن يستعيد ذكرياته المثيرة
الآثار الباقية من قلعة محمد بن عبد الوهاب الفيحاني في دارين
دارين تلك الجزيرة الصغيرة في شرق السعودية، على شواطئها ينام إرث كبير اختلطت برماله رائحة العطور والتوابل والبهارات ـ عندما كانت المدينة مرفأ للتجارة العالمية قبل عقود ـ مختلطاً برائحة الأسماك التي دأب الأهالي على اصطيادها بوفرة.
فلقد كان ميناء دارين الذي كان يعرف بميناء المسك والعنبر، يزدحم بالسفن التي تنقل البضائع والقماش والتوابل من القارة الهندية الى الخليج ومنه إلى مناطق مختلفة من العالم، وكانت السفن تحمل التمر وهي عائدة إلى أوطانها في تجارة عكسية، وعلى شواطئ دارين عرف الصبية مبكراً لون اللؤلؤ الذي كان البحارة الأوائل يستخرجونه من قاع الخليج.
تردد اسم دارين قبل الميلاد بأنها مدينة عظيمة فيها اكبر وأشهر ميناء في الخليج العربي وتضم ثروة أثرية دفينة، حيث توجد على مقربة منها تكوينات بدائية شاذة التكوين يقال إنها كانت بقايا مدافن، كما يقال إن دارين الحديثة تستقر على أربع طبقات من المدن بعضها فوق بعض. ويقول الباحث عبد الخالق الجنبي العضو في جمعيتي التاريخ السعودية، والتاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي العربية « إن أقدم نصٍّ تاريخي ورد فيه اسمُ دارين هو ذلك النصُّ الذي أورده الطبري في تاريخه عن غزو الملك الفارسي سابور ذي الأكتاف الذي حكم عام 310 ميلادية لإقليم البحرين، فذكر عنه أنّه أسكن قوماً من بني تغلب سماهيج ودارين والخط، ويذكر البكري في رسمها من معجمه أنّ كسرى سابور سأل بعض قادته عندما وقفوا به عن اسمها، فأجابوه إنها دارين، وهذا يدلّ على أنّها أقدم من عام 310 ميلادية، وهو ما تؤيده بعض الاكتشافات الأثرية التي عُثر عليها في دارين، فقد تم العثور عن آثار منازل خربة وبعضها محترقة، وأواني فخارية محترقة قرب قلعة محمد بن عبد الوهاب الفيحاني، ومن المكتشفات أيضا جرّتان إحداها سليمة والأخرى متكسرة على عمق ستة أمتار وقد وجد في الجرّة السليمة دراهم فضية ساسانية فيها صورة كسرى والتاج الساساني، وفي بعضها معبد النار ويقف بجانبه حارسان أو كاهنان. وتوجد على النقود كتابات بهلوية وبين الحين والآخر يتم الكشف عن نقود وذلك من قبل الأهالي ». ويضيف الجبلي « كانت دارين في فترة الاحتلال العثماني للقطيف عام 959هـ غير متصلة تماماً بجزيرة تاروت، فهي كانت عبارة عن جزيرة ملحقة بها، بحيث وجد بينهما خورٌ ضيِّق يستطيع الناس المرور من خلاله أثناء تنقلهم بين الجزيرتين وقت الجزر بكل يسرٍ وسهولة، وقد بقي هذا الخور حتى وقت قريب قبل أن يُدفن وتتصل الجزيرتان كما هو مشاهد الآن، ويتمتع مرفأ دارين بتاريخ وشهرة منذ القدم فقد كان من أهم الموانئ وأشهرها حيث يعود تاريخه في الخليج إلى ما قبل 120 عاما، وكان محط السفن والقوارب التي تحمل البضائع إلى هذه المدينة و يعاد تصديرها إلى كافة مدن السعودية ودول الخليج العربي، حيث كانت ترد إليها بضائع المسك والعطور والسيوف والمنسوجات والتوابل والبخور والعنبر والأحجار الكريمة والعاج والخشب الفاخر من الهند، والخضار والمنسوجات الحريرية من الصين، كما ترد إليها البضائع العربية كاللبان والمر والعاج الذي يصل إليها من الساحل الشرقي الأفريقي ».
وعمل أهل دارين في الصيف بأعمال الغوص وصيد الأسماك، والسفر إلى مدينة بومباي الهندية في فصل الشتاء لتجارة التمور، وكانت لهم علاقات تجارية مع العراق وبلاد الشام ودول الخليج.
ويشير الجنبي إلى « أن ملامح الانثروبولوجيا لدارين تتضح في ارتباط الإنسان الداريني بالبحر والتجارة البحرية أولاً وأخيراً لأنّ دارين لم تكن بلداً زراعياً، وبالتالي فهي تدين بوجودها للبحر فقط، ومن هنا فقد أتقن الإنسان هناك كل ما يتعلق بالبحر؛ كما أتقن بناء السفن التي كان يبحر بها وسط البحار وأهوالها ليصل إلى مراكز التجارة العالمية القديمة كبلاد فارس والرافدين وبلاد الهند واليمن وأفريقيا ».
نتيجة هذا كان قيام إحدى أشهر الأسواق في الجزيرة العربية فوق أرض دارين، وهي السوق التي أذهل كم ما يباع فيها شاعر العربية أعشى همدان عندما كان يرى الجمال تدخل إلى هذه السوق وهي خالية الوفاض، ثم تخرج منها محملة بشتى أصناف البضائع التي ملأت الحقائب الضخمة فوقها، فقال بيته المشهور في وصف التجار الذين يقصدونها: «يمرون بالدهنا خفافاً عبابهم.. ويرجعونَ من دارين بُجر الحقائب»، كما نتج عن نشاط تجار دارين ورحلاتهم الكثيرة إلى الهند أنْ نالت دارين شهرة مدوية في الأدب العربي، وارتبط اسمها بأجود العطور الآتية من الهند حتى أصبح مسك دارين نوتة شعرية يستعملها كل شاعر في شعره يشبه به طيب فم حبيبته، أو طيب شرابه، ومن ذلك قول ابن حمديس الأزدي الصقلي: (فَما فازَ بِالمِسكِ إلاا فتىً.. تَيَمّمَ دارِينَ أو دارَها)، ويفهم من بيتٍ لجرير أنّه كانت تقوم في دارين صناعة للأنسجة، وذلك عندما هجا البعيث المجاشعي التميمي، فقال: (فتؤخذ من عند البعيث ضريبة.. ويترك نساجاً بدارين مسلما)، كما يُفهم من شعر للنابغة الجعدي أنّ التجار الهنود كانوا يأتون إلى دارين في عصر ما قبل الإسلام، فيبيعون فيها المسك والعنبر، وفي ذلك يقول النابغة مشبهاً: (كَأَصدَافِ هِندِيِّين صُهبٌ لِحاهُمُ.. يَبيعُونُ في دارينَ مِسكاً وعَنبَرا) ولكن أشهر ما اشتهرت به أهل دارين هو الغوص لاستخراج اللؤلؤ الحرُّ الذي نال شهرةً كبيرة في الشعر العربي وشُبّهت به النساء الجميلات، وفي ذلك يقول النابغة الشيباني ( وَفي الهَوادِجِ أَبكارٌ مُنعَّمَةٌ.. مِثلُ الدُمى هِجنَ شَوقاً في المَحاريبِ كَأَنَّها كُلَّما اِبتُزَّت مَباذِلُها.. دُرٌّ بـ(دارين) صافٍ غَيرُ مَثقوبِ).
ويقول الجنبي، «إن أروع ما كتب من شعر في وصف استخراج اللؤلؤة من قبل غواصٍ داريني هو قول شاعر العربية الأعشى حيث ذكر ذلك بوصف أخاذ يدلُّ على أنّ الأعشى قد دخل دارين وشاهد هذه العملية بعينيه، وقد ذكر في شعره هذا قصّة طالما رددها الغواصون في منتدياتهم وليالي سمرهم عن بطولاتهم الخارقة في ظفرهم باللؤلؤة الكبيرة التي تُسمى (الدُّرَّّة) أو (الدَّانَة)، وهذه الصورة لها امتداد تاريخي سحيق في الموروث الشعبي عند الخليجيين جسدته ملحمة (جلجامش) خير تجسيد، ويقول الأعشى: ( كَأَنَّها دُرَّةٌ زَهراءُ أَخرَجَها.. غَوّاصُ ( دارينَ ) يَخشى دونَها الغَرَقا).
ويعتبر الباحث الجنبي، ان قلعة محمد بن عبد الوهاب الفيحاني كانت حتى وقت قريب أهم معلم سياحي في الجزيرة قبل تهدمها، ويقول عنها «قدم صاحبها محمد بن عبد الوهاب هذا إلى دارين قادماً من قطر، فبنى هذه القلعة في الثالث من صفر سنة 1303هـ. وقد وصف بعض الأثريين هذه القلعة قبل سقوطها، فذكروا أنها شبه مستطيلة ويحدها من الجنوب مسجد صغير وساحة وهي مرتفع صخري ينزلق إلى البحر مباشرة، ومن جهة الشرق منزل ثم جامع دارين الكبير، واستخدم في عملية البناء الطين الأصفر والجص الأبيض «العربي» والجص الرمادي، واستخدمت جذوع النخل المحلية وسيقان أشجار مستوردة من الهند وكذلك الحصر المصنوعة من القصب وشرائح سيقان الخيزران الغليظة «الباسچيل» المجلوب من أفريقيا».
وقد أدى الإهمال وعدم الصيانة في السنوات القليلة الماضية إلى تهدم أغلب جدرانها المطلية وكذلك اللوحات الجميلة التي نقش عليها زخارف رائعة وكذلك الأقواس الإسلامية بمختلف الأشكال في ممراتها، والآن أزيل كل محتويات ومعالم القلعة المتبقية. وبقيت دارين على مساحتها، فلم تتوسع كثيراً بسبب انتقال معظم سكانها إلى مناطق العمل في المدن الأخرى كالظهران والدمام ورحيمة، وبقي فيها قلة من السكان، ولا تزال دارين القديمة ببيوتها الطينية والتي يعود بعضها إلى مائتين سنة بأزقتها الضيقة، مقسمة إلى ثلاثة أحياء هي الشرق والحوطة والحالة. وقد اتصلت حديثا بجسور رئيسية مسفلتة مع جزيرة تاروت ومناطق مدينة القطيف.
التعديل الأخير تم بواسطة f15 ; 08-09-09 الساعة 03:04 PM |
| |