طالع الحلقة الأولى : إنفلونزا الخنازير: حقائق مذهلة وتلاعب بصحة العالم واقتصادياته/صور×وثائق
فيروس انفلونزا الخنازير موجود في كل مكان في العالم، وأبرز الجوائح العالمية للانفلونزا في التاريخ الحديث كانت عام 1957م و1968م وكانت الوفيات نحو مليون في كل منهما، ثم تبعها وبائيات أصغر منها مثل وباء روسيا. أما أول تاريخ عرف فيه هذا الفيروس فهو 1918م (1337هـ)، وفيه حصل أعظم وباء في تاريخ البشرية على الإطلاق ، وسأفرده بالتفصيل.
وباء الحمى الأسبانية العالمي 1918م - 1337هـ :
في نهاية الحرب العالمية الأولى (بين الحلفاء من جهة ، وألمانيا والنمسا من جهة أخرى) اجتاح العالم مرض أعراضه هي أعراض الانفلونزا وأصاب 40% من سكان الكرة الأرضية ، واختلفت تقديرات عدد الوفيات من 40-50 مليون نفس . ولم تسلم بقعة من الأرض من هذه الجائحة دون استثناء بدرجات متفاوتة، وقد سمي عالميا الحمى الأسبانية ( Spanish Fever ) . على أن كثيرا من الدول ليس فيها إحصاءات، وأوصلتها بعض التقديرات إلى 100 مليون (قالت بعض وسائل الإعلام أن الوفيات 40% من سكان العالم والصحيح أنه 40% من المصابين فقط) . ومنذ ذلك الحين والغموض يسود تلك الجائحة التي لم يسبق لتاريخ البشرية كارثة مثلها ، ويكفي أن نعلم أن مجموع قتلى الحربين العالميتين مع قتلى الحرب الكورية وفيتنام مع حروب الخليج كل تلك الحروب لا تصل إلى عدد قتلى وباء 1918م والذي سيتبين بعد قليل من المتسبب فيه.
وفي عام 1997م تم تحليل بقايا جثة لأحد ضحايا الحمى الأسبانية في معهد أبحاث أمريكي ، وتم تحديد التركيب الجيني للفيروس، فوجد أنه ينتمي إلى فصيلة (H1N1 ) وهي نفس فصيلة الفيروس الذي تفشى في المكسيك والمسمى انفلونزا الخنازير. وقد خلص معهد الأبحاث إلى أن هذا الفيروس هو من الفيروسات البشرية / الخنزيرية وليس من الفصيلة التي تنشأ في الطيور:
وفي عام 2008م تم فحص عينات دم لـ 32 شخص عاشوا فترة 1918م في أمريكا فوجد أن لديهم اجسام مضادة لنفس فيروس (H1N1 ). وهذه الأجسام تتفاعل مع الفيروسات الخنزيرية وليس البشرية ، ولذلك درجت المراجع العلمية على تسمية وباء عام 1918م : وباء انفلونزا الخنازير (Swine flu).
وهذه الأبحاث تبعها أبحاث أخرى وكلها تثبت أن المتسبب في وباء 1918م هو فيروس (H1N1)، ولذلك فقد دونت هذه المعلومات في المراجع العلمية الحديثة وتم تسمية وباء عام 1918م بوباء انفلونزا الخنازير (Swine flu) ، وكل فيروس بعد ذلك من فصيلة H1N1 كان يسمى بالضرورة وبدهيا (انفلونزا الخنازير) كما سبق بيانه في المقال السابق.
أما مصدر وباء 1918م فقد أشيع في فترة الحرب العالمية الأولى أنه نشأ في أسبانيا (ولذلك سمي بالحمى الأسبانية). وهذا لا صحة له، فالوباء بدأ في ولاية كانساس في الولايات المتحدة الأمريكية في مارس 1918م ثم انتقل إلى فرنسا في ابريل1918م ومنها إلى أسبانيا . وهذا مثبت في مطبوعات منظمة الصحة العالمية، ولكن ولأسباب سياسية أيام الحرب ذلك الوقت تجنبت وسائل الإعلام الغربية نشر تلك المعلومات حفظا لسمعة الحلفاء، وألصقت التهمة في أسبانيا لقرب عهدها بالإصابة بالوباء بعد أمريكا ولأنها تعتبر دولة محايدة. ولذلك فالإسم الصحيح لوباء 1918م حسب الدراسات العلمية هو انفلونزا الخنازير(Swine flu) :
وهناك دراسات عديدة على جميع أوبئة الإنفلونزا العالمية التي حصلت منذ ذلك الحين وهي تؤكد أن فيروسات الإنفلونزا اللاحقة تعتبر سلالات لفيروس عام 1918م غير أنها أضعف منه بكثير، فهناك غموض يكتنف فيروس 1918م، إذ أنه ما من ميكروب منذ نشأت البشرية حتى العصر الحاضر استطاع أن يُحدث وباء يقتل 50 مليون من البشر في وقت واحد، ولذلك فهناك سر لا يزال دفينا مع تلك الكارثة البشرية التي انتهت مع نهاية الحرب العالمية الأولى بين الحلفاء وألمانيا عام 1918م. (أنظر دراسة أم الفيروسات هي فيروس 1918 هنا ). وقد تراوحت الآراء حول ذلك الفيروس من قائل أنه نتاج معامل تجارب عسكرية أمريكية وقت الحرب العالمية الأولى وأنه تسرب من معاملها (حرب جرثومية) إلى قائل أنه مجرد طفرة جينية غريبة لم يصدف أن حدثت من قبل، ولكل من الرأيين أدلته العلمية والتاريخية، خاصة بالنظر إلى قضية تعرض الصين وكوريا الشمالية للأسلحة الجرثومية من جهة أمريكا (الطاعون والجمرة الخبيثة) عام 1952م وكذلك قضية إلقاء بريطانيا لقنبلة مملوءة بالجمرة الخبيثة في جزيرة جرينارد الأسكتلندية عام 1941م.
ولذلك فالاحتمالات كلها قائمة والأسرار كثيرا ما تكتشف بعد اختلاف الفرقاء. تنظر أيضا مفكرة الإسلام
سنة الرحمة 1337-1338هـ:
يؤرخ أهل الجزيرة العربية وأهل الخليج والعراق لوباء حصل في شتاء عام 1337هـ بأنه سنة الرحمة، وهذا العام يوافق عام 1918م الذي حصل فيه وباء انفلونزا الخنازير الأمريكية (المسمى خطأ بالحمى الأسبانية). وقد تفاوتت تسمية أهل الجزيرة لهذا المرض نظرا لقلة اتصالهم بالعالم الخارجي ولعدم وجود الرعاية الطبية. فمنهم من أطلق عليه اسم الطاعون أو الكوليرا. أما أهل الكويت فقد كانوا يظنونها الطاعون ثم صاروا يسمونها بالمسمى المشهور عالميا (الانفلونزا الأسبانية) هنا و هنا . أما بعض مواقع الدوائر الرسمية في السعودية فتذكر أن سبب سنة الرحمة هو "الوافدة الأسبانيولية" ! وتذكر أن هذه الوافدة هي سبب وفاة الأمير تركي (الأول) بن عبدالعزيز وأخوه فهد (الأول) وأخوه سعد ووالدة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمهم الله جميعا هنا . ويذكرموقع مساعد وزير الدفاع سمو الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز أن الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله أصيب بهذه "الوافدة الأسبانوية" سنة الرحمة ولكن الله كتب له النجاة هنا . كذلك بعض الموسوعات المشهورة تذكر نفس النتائج هنا . أما بعض مؤرخي الجزيرة العربية فقد ذكروا أن وباء سنة الرحمة كان طاعونا، وربما قصدوا به نفس مرض الطاعون أو قصدوا ما تقصده العرب قديما من أنه أي وباء عام بصرف النظر عن نوع المرض. قال الشيخ إبراهيم العبيد رحمه الله مؤلف تاريخ أولى النهي والعرفان في الجزء الثاني ص 243 ( سنة الرحمة يؤرخ أهل نجد بها. وقع فيها الطاعون والعياذ بالله وهلك بسببه في قلب الجزيرة العربية ألوف من الأنفس البشرية وكان عظيماً، وفشا المرض في الناس وقل من يسلم منه ، وهذا المرض عبارة عن جراثيم قتالة لا تدركها العيون المجردة ولقد وقع هذا الوباء في بداية هذه السنة عام 1337هـ وكان عاماً في نجد والأحساء والخليج والعراق واستمر ثلاثة أشهر والعياذ بالله وبسببه هجرت مساجد وخلت بيوت من السكان وهملت المواشي في البراري فلا تجد لها راعياً وساقياً فكان يصلى في اليوم على 100جنازة بسبب هذا المرض ولقد تكسرت النعوش وجعلوا عنها عوضاً الأبواب لحمل الموتى فكان المحسن في ذلك الزمن من همه حفر القبور والنقل اليها ولقد توفي في هذا الوباء الأمير تركي بن عبدالعزيز آل سعود ).
وبعد هذا التوثيق العلمي والتاريخي يجب ألا يبقى شك أن سبب كارثة سنة الرحمة هو وباء انفلونزا الخنازير الأمريكية، وذلك لما سبق من الأسباب:
أ: الدراسات العلمية عام 1997م وما بعده التي أثبتت وجود فيروس (H1N1 ) في رفات متوفين بسبب ذلك الوباء.
ب: الدراسة التي أثبتت وجود أجسام مضادة لفيروس (H1N1 ) في عينات من أشخاص أصيبوا ولكنهم نجوا من ذلك الوباء.
جـ: الدراسات العلمية عام 1930م وما بعده التي أثبتت أن وباء 1918 كان فيروس الانفلونزا (ولكن لم يتحدد نوعه إلا في الدراسات الحديثة).
د: الواقع التاريخي أن سنة الرحمة هي نفسها التي حصل فيها وباء الحمى الأسبانية التي هلك فيها 50 مليون إنسان في العالم، والدراسات التي تثبت أن الحمى الأسبانية ما هي إلا انفلونزا الخنازير كما تقدم.
هـ : الواقع التاريخي للخليج حيث أن أهل الكويت مثلا أصيبوا بنفس الوباء وكانوا يسمونه أيضا سنة الرحمة ويسمونه الحمى الأسبانية ويسمونه الأنفلونزا العالمية كما هو في موقع الحكومة الكويتية الرسمي مثلا. ولا يُعقل أن يصيب الوباء أهل إقليم واحد ويسمونه باسم واحد في وقت واحد ويكون سببه مختلفا.
و: أما من قال أن سنة الرحمة سببها أوبئة أخرى فليس أمامه إلا مجرد أقوال مؤرخين أو عامةٌ غير متخصصين بسبب عدم وجود مصدر معلومات ولا رعاية صحية ذلك الوقت خاصة في وسط نجد . ولذلك فإن أهل كل مدينة يختارون ما يشاءون، فتجد أهل بلدة يسمونه طاعونا، وبلدة أخرى يسمونه كوليرا وهلم جرا. وإضافة إلى ذلك فإن استقراء أعراض المرض المذكورة في تاريخ تلك الفترة لا يتوافق مع الكوليرا ولا الطاعون مثلا. كما أنه يستحيل أن يكون المرض كوليرا وطاعونا في آن واحد. وزيادة على ذلك فإن تلك الأقوال مجرد أقوال، والقول إذا لم يسنده الدليل فلا ينبغي التمسك به مقابل الأدلة العلمية والتاريخية.
وقد يتسائل البعض فيقول : كيف وصلت انفلونزا الخنازير من ولاية كانساس في أمريكا إلى نجد؟ والجواب هو: بنفس الطريقة التي سيصل فيها الطاعون أو الكوليرا من أطراف الهند والصين وأوروبا إلى نجد. الأمر لا يحتاج إلى خنزير. المرض ينتقل عن طريق البشر. يكفي أن يصل جندي أمريكي واحد مصاب بالانفلونزا إلى أهل الخليج الذي يرزح تحت الاحتلال ذلك الوقت، ويتكفل بعد ذلك بعض الأهالي المصابين بنقله إلى أهليهم في المدن والقرى في الجزيرة كغيره من الأوبئة خلال الأشهر التالية في رحلات الحج أو التجارة وغيرها.
بقي أن نقول أن الجزيرة العربية أصابها عدة أوبئة في أوقات متفاوتة في تاريخها مثل الطاعون والجدري وغيرها، وبعضها مستوطن كالملاريا، غير أننا نتحدث تحديدا عن وباء انفلونزا الخنازير الذي حصل سنة الرحمة عام 1337-1338هـ .
الطاعون هو افلونزة ................. 
العرض العادي
