16-05-09, 05:57 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | مشرف سابق
| الرتبة: | | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Aug 2008 | العضوية: | 1293 | الاقامة: | بريدة | الجنس: | ذكر | المواضيع: | 1624 | الردود: | 5444 | جميع المشاركات: | 7,068 [+] | بمعدل : | 1.19 يوميا | تلقى » 2 اعجاب | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 121 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
مكتبة المجالس #.* أَمْـرُ اللهِ فِـيـنَـا هـوَ الْـفَـصْـل *.# بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـحـمـدُ للهِ ربِّ الـعَـالـمِـيـنَ والـصَّلاةُ والـسَّلامُ عـلـى رسُـولِـه الأمِـيـن
أمَـا بَـعـدُ
#.* مُـقـدِّمَـةٌ *.#
قَـد يَـتـبَـادَرُ إلـى الـقَـارِئِ أن هَـذِهِ الـحَـقَـائِـق نُـسِـجَـت مِـن عَـالَـمِ الـخَـيِـالِ ، وأن هَـذِهِ الـرِّوَايـات لا يُـمـكِـنُ أن تَـكُـونَ بِـحَـال ، وأن هَـذا عـلـى وَجـهِ الـخُـصُـوصِ فـي أمـةِ الإسـلامِ مُـحَـال ، ولَـكِـنِّي نَـسَـجْـتُ أحـرُفَـهـا الـغَـرِيـبَـة لِـتـكُـونَ لِـلـحَـاكِـمِ عِـبـرَة ، ولِـلـمـحـكُـومِ عِـظَـة ، ولِـيـعـلَـمَ الـجـمِـيـعُ أن الأيـام بِـالـعِـزِّ والـتَّمـكِـيـنِ دُولٌ مُـتَـنَـقِّلَـة ، والـقُـوُّةُ نَـافِـذَة ، والـنِّعـمَـةُ زَائِـلَـة ، والـسَّعَـادَةُ صَـفـحَـاتٌ مُـتَـقَـلِّبَـة ، فـلِـذَلِـكَ لِـيـتـأمَـل الـجَـمِـيـع الـمـآل قَـبَـلَ أن يُـدْبِـرَ الـرَّغَـد عـلـى ظَـهـرِ الـذِّكـريـات فَـيَـسُـوء بِـنَـا الـحَـال 0
#.* أَمْـرُ اللهِ فِـيـنَـا هـوَ الْـفَـصْـل *.#
أيُّهـا الـعُـقـلاء : لـم يـتـعَـهَّد الأمـن بِـاكـتِـنَـافِـنَـا إذا جـاء أمـرُ اللهِ الـمـوعـود ( يَـا إِبْـرَاهِـيـمُ أَعْـرِضْ عَـنْ هَـذَا إِنَّهُ قَـدْ جَـاءَ أَمْـرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُـمْ آتِـيـهِـمْ عَـذَابٌ غَـيْـرُ مَـرْدُودٍ) فـمـن الإنـصـافِ تـشـخـيـصُ الأمـورِ بـمـيـزانِ الـشـرعِ ، ويُـأخَـذ فـي الاعـتـبـارِ بـكـل أصـلٍ وفَـرع ، وإن لـم نَـعـمَـل بِـهـذَا الأصـل ، فَـأمـر اللهِ فِـيـنَـا هـو الـفَـصـل 0
#.* أَلَـيْـسَ مِـنْـكُـمْ رَجُـلٌ رَشِـيـدٌ *.#
أيُّهَـا الـمُـنـصِـفـونَ : لـيـس مـن الإنـصـافِ بِـحَـال إصـلاحُ ظـواهـرِ الـعـللِ وتـجـاهـل بـواطِـنِـهـا ، إذ مـن الاسـتـحـالـة الـعـقـلـيـة طَـلَـبُ الـشـفـاءِ لـجـرحٍ ضُـمِّدَ عـلـى قَـذَرٍ ، ومَـنْ تـجَـاهـلَ الـقـذر فـقـد حـكـم عـلـى الـعُـضـوِ الـمـجـروحِ بـالإعـدامِ جَـهِـلَ ذلـك أو عَـلِـمَ ، فَـمِـن هـنـا يـتـبـيـن للـعُـقـلاءِ أنَّ طَـلَـبَ الـشِـفـاءِ بـالـقَـذَرِ أمـرٌ مُـسـتـقـذر ، ونَـخـلُـصُ بِـخَـالِـصَـةٍ أنَّ رَغَـدَ الـعـيـشِ والأمـنِ هـمـا الـشِـفـاء ، ولا يُـمـكِـنُ أن يـكـونـا أبـداً مـع وجـودِ الـقَـذَر الـمُـتَـمـثِـل فـي الـفـسـادِ 0
#.* بَـيـنَـاتٌ قَـبَـلَ الـعِـبَـرِ والـعِـظَـاتِ *.#
وقَـبَـلَ الـشـروعِ فـي مـوجـاتٍ مُـتـآكِـلـةٍ مُـتـلاطِـمـةٍ مـن الـفـواجـعِ الـمـرعـبـةِ ، والـرزايـا الـصـاعِـقَـةِ ، ومِـن صُـوَرٍ يَـفِـرُّ مِـنـهـا الـخَـيَـال ، أقـول إنَّ مُـسـمـى الإسـلام عـلـى الـمُـجـتـمـعَـاتِ والـطـوائـفِ والـدولِ لا يـكـفـي لـردِ الـبـلاء إن هـي قـارفـت مـا يُـغـضِـبُ خَـالِـقـهـا ، ويُـجِـبُ عِـقَـابَـه ، فـالأمـن له ثـمـنـه ، والـعـيـش الـرغـيـدِ له ضـرائـبُـه ، فـإن مُـنِـعَ الـثـمـن ، وشَـحَّت الـضـرائـب كـان مَـنْـع الأمـنِ وشُـح الـرغـدِ ، ومَـن شـاء فـلـيـزد ، ومـن شـاء فـلـيُـمـسِـك ، ولـقـد أخـبـرنـا الله عـن قَـريَـةٍ كـانـت آمـنـة رغـدة فـخـالـعـهـا أمـنـهـا ، ورغـدهـا فـقـال : (( وَضَـرَبَ اللَّهُ مَـثَـلاً قَـرْيَـةً كَـانَـتْ آمِـنَـةً مُـطْـمَـئِـنَّةً يَـأْتِـيـهَـا رِزْقُـهَـا رَغَـداً مِـنْ كُـلِّ مَـكَـانٍ فَـكَـفَـرَتْ بِـأَنْـعُـمِ اللَّهِ فَـأَذَاقَـهَـا اللَّهُ لِـبَـاسَ الْـجُـوعِ وَالْـخَـوْفِ بِـمَـا كَـانُـوا يَـصْـنَـعُـونَ )) وإنـي الـيـوم بِـصـددِ بـيـان الـعـذاب الـمـهـيـن ، الـمـتـمـثـل فـي الـجـوع فـإلـى هـنـاك 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـكُـلِ الـنَّاسِ *.#
يـقـول جـمـال الـديـن الأتـابـكـي : والـغـلاء بـمـصـر يـتـزايـد ، حـتـى إنَّه جـلا مـن مـصـرَ خـلـقٌ كـثـيـرٌ لـمـا حـصـل بـهـا مـن الـغـلاء الـزائـد عـن الـحـدِ[ والـجـوع ] الـذي لـم يُـعـهـد مِـثـله فـي الـدنـيـا ، فـإنَّه مـات أكـثـر أهـل مـصـر ، وأكَـلَ بَـعـضُـهـم بـعـضـا ، وظـهـروا عـلـى بـعـضِ الـطـبـاخـيـن إنَّه ذَبَـحَ عِـدة مـن الـصِـبـيـانِ والـنِـسـاءِ ، وأَكـلَ لُـحُـومَـهـم وبَـاعَـهـا بـعـد أن طَـبـخـهـا ، وأًكِـلـت الـدَّوَاب بـأسـرهـا ، فـلـم يـبـق لـصـاحـب مـصـر أعـنـي الـمـسـتـنـصـر سـوى ثـلاثـة أفـراس بـعـد أن كـانـت عـشـرة آلاف مـا بـيـن فَـرسٍ وجَـمـلٍ ودَابـة ، وبِـيـعَ الـكـلـب بِـخـمـسـةِ دنـانـيـر ، والـسـنـور بـثـلاثـة دنـانـيـر ، ونـزلَ الـوزيـر أبـو الـمـكـارم وزيـر الـمـسـتـنـصـر عـلـى بـاب الـقـصـر عـن بـغـلـتِـه ولـيـس مـعـه إلا غـلامٌ واحـدٌ فـجـاء ثـلاثـة وأخـذوا الـبـغـلـة مـنـه ، ولـم يـقـدر الـغـلام عـلـى مـنـعِـهـم لـضـعـفِـه مـن الـجـوعِ فـذبـحـوهـا ، وأكـلـوهـا ، فـأُخِـذُوا وصُـلِـبـوا ، فـأصـبـحَ الـنـاس فـلـم يُـروا إلا عِـظَـامـهـم أكِـلِ الـنَّاس فـي تِـلـكَ اللـيـلـةِ لـحُـومَـهـم أ.هـ أنـظـر الـنـجـوم الـزاهـرة فـي مـلـوك مـصـر والـقـاهـرة ج5/ص15
#.* عِـبـرَةٌ لِـكُـلِ وَالٍ ولاهُ اللهُ وِلايـة *.#
ويـقـول : ودَخَـلَ رجُـلٌ الـحـمـام فـقـال له الـحـمـامـي : مَـنْ تُـرِيـدُ أن يَـخـدُمَـكَ سـعـدُ الـدولـةِ ، أو عـزُ الـدولـةِ ، أو فـخـرُ الـدولـةِ ؟ فـقـال له الـرجـل : أتـهـزأ بـي ؟ فـقـال : لا واللهِ أنـظُـر إلـيـهـم فـنَـظَـرَ فـإذا أعـيـانُ الـدولـة ، ورؤسـاؤهـا صـاروا يَـخـدِمـونَ الـنَّاس فـي الـحـمـامِ لِـكـونِـهـم بَـاعـوا جـمِـيـعَ مـوجـودِهـم فـي الـغـلاءِ واحـتـاجـوا إلـى الـخـدمـةِ ، وأعـظـم مِـن هـذا أن الـمُـسـتـنـصِـرَ الـخـلـيـفـة بَـاعَ جـمـيـع مـوجـودهِ ، وجـمـيـع مـا كـان فـي قـصـرِه ، حـتـى أخـرجَ ثـيـابـاً كـانـت فـي الـقـصـرِ مـن زمـنِ الـطـائـعِ الـخـلـيـفـة الـعـبـاسـي لـمـا نَـهـبَ بـهـاء الـدولـةِ دار الـخـلـيـفـة فـي سـنـة381 ، وأشـيـاء أُخـر أُخِـذَت فـي نـوبـةِ الـبـسـاسـيـري ، ... فـكـانـت هـذه الـثـيـاب عـنـدهـم بـمـصـر بـسـبـب الـمـعـيـرة لـبـنـي الـعـبـاس فـلـمـا ضَـاقَ الأمـر عـلـى الـمـسـتـنـصـر أخـرجـهـا ، وبَـاعـهَـا بـأبـخـسِ ثـمـن لـشِـدَةِ الـحـاجـةِ ، ... وأمـا مـا بَـاعَ مِـن الـجـواهـرِ والـيـواقـيـتِ والـخـسـروانـي فـشـيء لا يُـحـصـى ، وأُحـصـى مـن الـثِـيـابِ الـتـي بِـيـعـت فـي هـذا الـغـلاء مـن قـصـرِ الـخـلـيـفـةِ ثـمـانـون ألـف ثـوب ، وعـشـرون ألـف درع ، وعـشـرون ألـف سـيـف مـحـلـى ، وبـاع الـمـسـتـنـصـر حـتـى ثـيـاب جـواريـه 0 [ يـقـول الـفـلاح الـمـعـتـصـم : الـمـلـك لله ] أ. هـ أنـظـر الـنـجـوم الـزاهـرة ج5 ص15 فـمـا بـعـدهـا 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـلـعُـلَـمَـاءِ وطَـلَـبَـةِ الـعِـلـمِ *.#
قـال الـيـافـعـي : تـوفـي أبـو الـبـركـاتِ عـبـدُ اللهِ بـن مُـحَـمَّد بـن الـفـضـل الـفـراوي الـنـيـسـابـوري ، وكـان رأسـاً فـي مـعـرِفـةِ الـشـروطِ ، حـدَّثَ بـمـسـنـدِ أبـي عـوانـة ، [ ومـات مـن الـجـوعِ ] بـنـيـسـابـور 0 أنـظـر مـرآة الـجـنـان ج3/ص295
وقـال الـحـنـبـلـي فـي سـنـة 561 هـ : مـا أورد ابـن رجـب ونَـقَـلَ عـن الـشـيـخِ عـبـدِ الـقـادر الـجـيـلانـي أنَّه قـال : كـنـت أقـتَـاتُ الـخـرنـوب ، والـشـوك ، وقـامـة الـبـقـل ، وورق الـخـس مـن جـانـب الـنـهـر والـشـط ، وبَـلَـغـت بـي الـضـائـقـة فـي غـلاء نـزل بـبـغـداد إلـى أن بـقـيـتُ أيـامـاً لـم آكـل فـيـهـا طـعـامـاً ، بـل كـنـت أتـتـبـع الـمـنـبـوذات أطـعَـمُـهـا ، فـخـرجـتُ يـومـاً مِـن شـدةِ الـجـوعِ إلـى الـشـطِ لـعـلـى أجـدُ ورق الـخـسِ ، أو الـبـقـلِ أو غـيـر ذلـك ، فـأتـقـوَّت بـه ، فـمـا ذهـبـتُ إلـى مـوضـعٍ إلا وغـيـري قـد سـبـقـنـي إلـيـه ، وإذا وجـدتُ الـفـقـراء يـتـزاحـمـون عـلـيـه أتـركـه حـيـاء ، فـرجـعـت أمـشـي وسـط الـبـلـد فـلا أدرِك مـنـبـوذاً إلا وقـد سُـبِـقـتُ إلـيـه ، حـتـى وصَـلـتُ إلـى مـسـجـدٍ بِـسـوقِ الـريـحـانـيـيـن بـبـغـداد ، وقـد أجـهـدنـي الـضـعـف ، وعَـجـزتُ عـن الـتـمـاسـكِ ، فـدخـلـتُ إلـيـه وقـعـدتُ فـي جـانِـبٍ مِـنـه ، وقـد كِـدتُ أصـافـح الـمـوت ، إذ دَخَـلَ شـابٌ أعـجـمـيٌ ومـعَـه خـبـز رصـافـي وشـواء ، وجَـلَـسَ يـأكـلُ فـكُـنـتُ أكـادُ كُـلـمـا رَفـعَ يَـدَه بـاللـقـمـةِ أن أفـتَـحَ فـمـي مِـن شـدةِ الـجُـوعِ حـتـى أنـكـرتُ ذلـك عـلـى نـفـسـي 0 أنـظـر شـذرات الـذهـب ج4/ص201
#.* عِـبـرَةٌ لِـصَـاحِـبَـةِ الـعَـبَـاءةِ الـمُـخَـصَّرة *.#
ولـيـسَ هـذا لـصـاحـبـةِ الـعـبَـاءةِ الـمُـخـصَّرةِ فـحـسـب ، بـل للـمُـتـبـرجـةِ ، والـسَـافِـرةِ ، واللاهِـيـةِ ، والـغَـافِـلَـةِ عـن دِيـنِـهـا ، أُذكِّرُهـا إِن كـانَ لهـا قـلـب يَـدَّكِـر يـقـول صـاحـب الـنـجـوم : وكـانَ الـسـودان يَـقِـفـونَ فـي الأزِقَـةِ يَـخـطَـفـونَ الـنِّسَـاء بِـالـكـلالِـيـبِ ، ويُـشَـرِّحُـونَ لُـحُـومَـهـنَ ، ويَـأكُـلـونَـهـا ، واجـتـازتِ امـرأة بِـزُقَـاقِ الـقـنـادِيـلِ بِـمِـصـرَ وكـانـت سـمِـيـنَـة فَـعَـلَّقَـهـا الـسُـودان بِـالـكـلالِـيـبِ ، وقَـطَـعُـوا مـن عَـجـزِهـا قِـطـعَـةً ، وقَـعـدُوا يَـأكُـلُـونَـهـا ، وغَـفِـلُـوا عـنـهـا فَـخَـرَجـت مِـن الـدَّارِ واسـتـغـاثـت ، فـجـاءَ الـوَالِـي ، وكَـبَـسَ الـدَّار فَـأَخـرَجَ مِـنـهـا أُلُـوفَـاً مِـن الـقـتـلـى ... وخَـرَجـت امـرأَة مِـن الـقَـاهِـرة فـي هـذا الـغـلاء ومَـعَـهـا مُـدّ جَـوَهِـر ، فـقـالـت : مَـن يَـأخُـذُ هـذا ويُـعـطِـيـنـي عِـوضَـه دقِـيـقـاً ؟ أو قَـمـحَـاً ؟ فـلـم يَـلـتَـفِـت إلـيـهـا أحـدٌ فـألـقـتـه فـي الـطـريـقِ وقـالـت : هـذا مـا يَـنـفَـعُـنـي وقـتَ حَـاجَـتـي فـلا حَـاجَـةَ لـي بِـه بـعـدَ الـيـوم ، فـلـم يـلـتـفـت إلـيـه أحـدٌ ، وهـو مـبـدد فـي الـطـريـق 0نـفـس الـمـرجـع 0
ويَـذكُـرُ الـذهـبـيُ رَحِـمَـهُ اللهُ تـعـالـى هـذا الـحـال فـيـقـول : وأمـا بَـغـدَادُ فـكـانَ بِـهـا قَـحـطٌ لـم يُـرَ مِـثـله ، وهَـرَبَ الـخَـلـق ، فـكَـانَ الـنِّسَـاء يَـخـرُجـنَ عِـشـريـنَ وعَـشـرَاً يُـمـسِـكُ بَـعـضـهُـنَ بِـبـعـضٍ ويَـصِـحـنَ الـجـوع الـجـوع ، ثُـمَّ تَـسـقُـطُ الـواحِـدة بَـعـدَ الـواحِـدة مـيِّتـة فـإنَّا لله وإنِّا إِلـيـه رَاجِـعُـونَ 0 سـنـة 251 هـ أنـظـر الـعـبـر فـي خـبـر مـن غـبـر ج2/ص239 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـآكِـلِـي الـرِبَـا *.#
قـال أبـو الـحُـسـيـن الـشـيـبـانـي : كـانَ بِـخُـراسـانَ غـلاءٌ شَـدِيـدٌ ، ومَـاتَ مِـن أَهـلِـهـا خَـلـقٌ كَـثِـيـرٌ مِـن الـجُـوعِ فَـعَـجَـزَ الـنَّاسُ عـن دَفـنِـهـم ، فـكَـانـوا يَـجـمـعُـون الـغُـربَـاء والـفُـقـراء فـي دارٍ إلـى أن يَـتـهـيـأ لهـم دَفـنِـهـم ، وتـكـفـيـنـهـم 0 سـنـة 323 هـ أنـظُـر الـكَـامِـل فـي الـتَـاريـخِ ج7/ص116
#.* عِـبـرَةٌ لِـأربَـابِ الـفـضَـائِـيـات *.#
قَـالَ أبـو الـعـبَـاس الـنَّاصِـري : وَلَـقَـد هَـلَـكَ فـي هـذه الـمُـدةِ مِـن الـجُـوعِ جَـمٌ غَـفِـيـرٌ أخـبَـرَ صَـاحـبُ الـمـارِسـتـان أنَّه كَـفَـنَ فـي رجـب ، وشـعـبـان ، ورمـضـان ثَـمـانـيـنَ ألـفـاً وزِيـادة سِـوَى الـذِّيـنَ كَـفَـنَـهـم أَهـلهـم ، وعـشِـيـرتـهـم سـنـة 1149 هـ 0 أُنـظُـر الاسـتـقـصَـاء لأخـبـارِ دُولِ الـمَـغـرِبِ الأقـصـي ج7/ص145
#.* عِـبـرَةٌ لِـأصـحَـابِ الـفَـخـرِ وَالـبَـطَـرِ وَالـبَـذَرِ *.#
قَـالَ ابـنُ كَـثِـيـر رحـمَـه اللهُ فـي سـنـةِ 449 هـ : وَوَقَـعَ وبَـاءٌ بِـالأَهـوَازِ وبـواطِ وأَعـمَـالهـا وَغـيـرهـا ، حـتـى طَـبَـقَ الـبِـلاد ، وكـانَ أَكـثـر سـبـب ذَلِـكَ الـجُـوعَ ، كـانَ الـفُـقـراء يَـشـوونَ الـكِـلاب ، ويَـنـبِـشُـونَ الـقُـبُـورَ ، ويَـشـوونَ الـمـوتـى ، ويَـأكُـلـونَـهـم ، ولـيـس للـنَّاسِ شُـغـلٌ فـي اللَّيـلِ والـنَّهَـارِ إلا غُـسـلُ الأمـواتِ ، وتـجـهِـيـزُهـم ، ودَفـنُـهـم ، فَـكَـانَ يُـحـفَـرُ الـحَـفِـيـر فَـيُـدفَـنُُ فِـيـهِ الـعـشـرونَ والـثـلاثـونَ ، وكَـانَ الإنـسـانُ بـيـنـمـا هـو جَـالـسٌ إذ انـشـقَ قـلـبـه عَـن دَمِ الـمُـهَـجـةِ فَـيـخـرُج مِـنْـهُ إلـى الـفَـمِ قَـطـرَةٌ فَـيـمُـوتُ الإنـسـانُ مِـن وَقـتِـه ، وتَـابَ الـنَّاسُ وتَـصـدقـوا بِـأكـثَـرِ أمـوالِـهـم فَـلَـم يَـجِـدوا أحـداً يَـقـبَـلُ مِـنـهـم ، وكَـانَ الـفَـقِـيـر تُـعـرَضُ عـلـيـه الـدنـانِـيـرُ الـكـثِـيـرةُ والـدراهِـمُ والـثِـيـابُ فـيـقـول : أنَـا أُرِيـدُ كِـسـرَة ، أُرِيِـدُ مَـا يَـسُـدُ جُـوعـي فـلا يَـجِـد ذَلِـكَ ، وأَرَاقَ الـنَّاس الـخُـمُـور وكَـسـروا آلات اللهـوِ ، ولَـزِمـوا الـمـسَـاجِـدَ لِـلـعِـبَـادةِ ، وقـراءة الـقُـرآنَ وقَـلَّ دَارٌ يَـكـونُ فِـيـهـا خَـمـرٌ إلا مَـاتَ أهـلهـا كـلهـم ، ودُخِـلَ عـلـى مَـرِيـضٍ له سـبـعـة أيَـامٍ فـي الـنِـزَعِ فَـأشَـارَ بِـيـدِه إلـى مَـكَـانٍ فَـوجَـدوا فِـيـه خَـابِـيـةٌ مِـن خَـمْـرٍ فَـأرَاقُـوهـا فَـمَـات مِـن وقـتِـه بِـسـهـولـةٍ ، ومَـاتَ رَجُـلٌ فـي مَـسـجِـدٍ فَـوجَـدوا مَـعَـهُ خَـمـسِـيـنَ أَلـف دِرهـم فَـعُـرِضَـت عـلـى الـنَّاسِ فَـلَـم يَـقـبَـلهَـا أحَـدٌ ، فَـتُـرِكَـت فـي الـمَـسـجِـدِ تـسـعـة أيـامٍ لا يُـرِيـدَهَـا أحَـدٌ ، فـلـمـا كـانَ بَـعـدَ ذَلَـكَ دَخَـلَ أربـعـة لِـيـأخُـذوهـا فَـمَـاتـوا عَـلـيـهـا فَـلَـم يَـخـرُج مِـن الـمَـسـجِـدِ مِـنـهـم أحَـدٌ حـي ، بَـل مَـاتـوا جَـمِـيـعَـاً وكَـانَ الـشَـيـخُ أبـو مـحـمـد عـبـد الـجـبـار بـن مـحـمـد يَـشـتَـغِـل عَـلـيـه سـبـعـمـائـة مُـتَـفـقِّهٌ فَـمَـاتَ ومَـاتـوا كـلهـم ، إلا اثـنـي عَـشَـرَ نَـفَـراً مِـنْـهُـمْ 0 أنـظُـر الـبِـدايَـة والـنِّهَـايـة ج12/ص70 – 71
وقَـاَلَ رحـمَـهُ اللهُ تـعـالـى : وأَكَـلَ الـنَّاسُ الـجِـيـفَ والـنَـتَـنَ ، مِـن قِـلـةِ الـطَّعَـامِ وَوُجِـدَ مَـعَ امـرأةٍ فَـخـذُ كَـلـبٍ قَـد أُخْـضِـرَ ، وشَـوى رَجُـلٌ صَـبِـيِّةً فـي الأتـونِ وأكـلَـهـا 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـروَّادِ الـخََمَّارَةِ والـبَـارَةِ *.#
وقَـاَلَ رحِـمَـهُ اللهُ عـن مَـجَـاعـةٍ فـي أهـلِ مِـصـرَ : وظَـهَـرَ عـلـى رَجُـلٍ يَـقـتُـلُ الـصِـبـيـانَ والـنَّسَـاء ، ويَـدفِـنُ رؤسَـهـم وأطـرافَـهـم ، ويَـبِـيـع لُـحُـومَـهـم ، فَـقُـتِـلَ وأُكِـلَ لَـحـمَـهُ وكَـانـت الأَعـرَابُ يُـقـدِمُـونَ بِـالـطََّعَـامِ يَـبِـيـعُـونَـهُ فـي ظَـاهِـرِ الـبَـلـدِ لا يَـتـجَـاسـرُونَ يَـدخُـلـونَ لِـئـلَّا يُـخـطَـفَ ويُـنْـهَـبَ مِـنـهُـم ، وكَـانَ لا يَـجـسُـرُ أحَـدٌ أن يَـدفِـنَ مَـيِّتَـهُ نَـهَـاراً وإنَّمَـا يَـدفِـنَـهُ لـيـلاً خُـفـيَـةً لِـئـلَّا يُـنـبـشَ فـيُـؤكَـل 0 أنـظُـر الـمَـرجـع الـسـابـق 0
#.* عِـبـرَةٌ لأهْـلِ الـحِـلِّ وَالـحَـرَمِ *.#
قَـاَلَ ابـنُ كَـثِـيـر فـي سـنَـةِ 462 هـ : وفِـيـهـا ضَـاقَـت الـنَـفَـقَـة عـلـى أمِـيـرِ مَـكَـةَ فَـأخَـذَ الـذَّهَـب مـن أسـتَـارِ الـكَـعـبَـةِ والـمِـيـزَابِ وبَـابِ الـكَـعـبَـةِ فَـضَـربَ ذَلَـكَ دراهِـم ودنـانِـيـر ، وكـذا فَـعـلَ صَـاحـبُ الـمَـديـنـةِ بِـالـقـنَـادِيـلِ الـتـي فـي الـمَـسـجِـدِ الـنَّبَـوِي 0 أنـظُـر الـبـدايـة والـنـهـايـة ج12/ص99
وقَـالَ عـبـد الـحـي الـحَـنـبَـلـي رحِـمَـهُ اللهُ تـعـالـى فـي سـنـةِ 718 هـ: كَـانَ الـقَـحـطُ الـمُـفـرِطُ بِـالـجـزيـرةِ ودِيـارِ بَـكـرٍ ، وأُكِـلَـت الـمَـيـتَـة وبِـيِـعَ الأولاد ، وجَـلا الـنَّاس ، ومَـاتَ بـعـضُ الـنَّاسِ مِـن الـجُـوعِ وجَـرى مَـا لا يُـعَـبـرُ عَـنـه 0 أنـظُـر شـذرات الـذَّهَـب ج6/ص47
#.* عِـبـرَةٌ لآكِـلاتِ اللُّحُـومِ غِـيـبَـة *.#
قَـاَلَ الهَـمـدَانِـيُ: وأَكَـلَ الـنَّاسُ فـي يَـومِ الـغَـلاءِ الـنـوى والـمَـيـتَـة ، وكَـانَ يُـؤخَـذُ الـبِـزرَ قُـطـونـاً ويُـضـربُ بِـالـمَـاءِ ويُـبـسَـطُ عـلـى طَـابِـقِ حَـدِيـدٍ ويًـوقَـدُ تَـحـتَـهُ الـنَّار ، ويُـؤكَـلُ فَـمـاتَ الـنَّاسُ بِـأكـلِـهِ ، وكَـانَ الـوَاحِـدُ يَـصِـيـحُ [ الـجُـوع ] ويَـمـوتُ ، وَوُجِـدَت امـرأةٌ قَـد شَـوت صَـبِـيَّاً حَـيّـاً 0 أنـظُـر تَـكـمِـلـة تـاريـخ الـطـبـري ج1/ص152
#.* عِـبـرَةٌ لِـلـمُـعـتَـبِـرِيـنَ *.#
ذَكَـرَ الـعَـرشِـيُ أن مَـجَـاعَـةً عَـمَّتِ الـيَـمـن حـتـى أن أهـلَـهـا أَكـلُـوا الـمَـيـتَـة ، وَوُجِـدَت امـرأة اسـتَـضـعَـفَـت وَالِـدَهـا فَـأكَـلَـتـهُ 0 أنـظُـر بُـلـوغ الـمَـرام فـيـمَـن حَـكَـمَ الـيَـمـن مِـن مَـلِـكٍ وإمَـام 0
#.* لِـمَـاذا كُـلَّ هَـذا *.#
يُـبَـيِّنُ لَـنَـا بَـعـضُ أسـبَـابـهـا عـبـد الـرحـمـن بـن حـسـن الـجـبـرتـي رحِـمَـهُ اللهُ تـعـالـى فـي سـنـة 1198 هـ فـيـقـولُ : وفَـسَـدَت الـنِِّيَّات ، وتَـغَـيَّرَت الـقُـلـوب ، ونَـفَـرَت الـطِّبَـاع ، وكَـثُـرَ الـحَـسَـد ، والـحِـقـد فـي الـنَّاسِ لـبـعـضِـهـم الـبَـعـض ، فَـيـتَـتَـبَـعُ الـشَـخـصُ عـورات أخـيـه ، ويُـدلـي بِـه إلـى الـظُـلـمِ حـتـى خَـرِبَ الإقـلـيـم ، وانـقـطَـعَـت الـطُـرق ، وعَـربَـدَت أولادُ الـحَـرامِ ، وفُـقِـدَ الأمـن ، ومُـنِـعَـت الـسُـبُـل إلا بـالـخـفَّارةِ وركُـوبِ الـغَـرَرِ ، وجَـلـت الـفـلاحـون مـن بـلادِهـم مِـن الـشـراقـي والـظُـلـم ، وانـتـشَـروا فـي الـمـديـنـةِ بِـنِـسَـائِـهـم وأولادِهِـم ، يـصـيـحـون مِـن [ الـجـوعِ ] ويَـأكُـلـونَ مـا يَـتـسَـاقَـطُ فـي الـطُـرقَـاتِ مِـن قُـشُـورِ الـبَـطِـيـخِ وغَـيِـرِهِ ، فَـلا يَـجِـدُ الـزبَّالُ شَـيـئـاً يَـكـنِـسَـهُ مِـن ذَلَـكَ واشـتَـدَّ بِـهـمُ الـحَـال حـتـى أكـلُـوا الـمَـيـتَـات مِـن الـخَـيـلِ والـحَـمِـيـر والـجِـمَـال ، فـإذا أُخـرِجَ حِـمَـارٌ مَـيِّتٌ تَـزَاحـمـوا عَـلـيـهِ وقَـطَّعُـوهُ وأَخـذُوهُ ، ومِـنـهُـم مَـن يَـأكُـله نَـيِّئـاً مِـن شِـدَةِ الـجُـوعِ ومَـاتَ الـكَـثِـيـر مِـن الـفُـقـراءِ [ بِـالـجُـوعِ ]هـذا والـغَـلاءُ مُـسـتـمِـرٌّ ، والأسـعَـارُ فـي الـشِـدَّةِ ، وعَـزَّ الـدِرهـم والـدِّيـنـار مِـن أيـدِي الـنَّاسِ ، وقَـلَّ الـتَّعَـامُـلُ إلا فِـيـمـا يُـؤكـل ، وصَـارَ سَـمَـرُ الـنَّاسِ وحـدِيـثُـهـم فـي الـمـجَـالـسِ ذِكـرُ الـمـآكِـل ، والـقَـمـح ، والـسَـمـن ، ونـحـو ذلـك لا غـيِـر 0 أنـظُـر عَـجَـائِـب الآثـار ج1/ص583
#.* سُـؤالٌ أَخِـيِـر *.#
إذا كَـاَنَ هَـذا الـبَـلاء فـي الـدُّنـيَـا فَـكَـيـفَ الـقَـبـرُ ، والـمَـحـشَـرُ ، وقـوَارِعُ صَـقَـر ؟! وإلـى أيـنَ يَـومَـئِـذٍ الـمَـفَـر ؟! وكَـيَـفَ يَـكـونَ الـمُـسـتـقَـر ؟!
#.* خَـاتِـمَـةٌ *.#
وبَـعَـدَ هَـذا الـعَـرضُ والـتَّشـخِـيـص يَـجِـبُ عـلـى الـحَـاكـمِ أن يَـنـظُـرَ إلـى نَـفْـسِـهِ ونَـهـجِـهِ فـإِن رَأَى الـحَـالَ قَـد حَـال ، والـمـآلَ قـد آل ، فَـلْـيـقْـرأْ هَـذِهِ الآيـات وكَـذَا الـمَـحـكُـوم قـال الله : (( أَوَلَـمَّا أَصَـابَـتْـكُـمْ مُـصِـيـبَـةٌ قَـدْ أَصَـبْـتُـمْ مِـثْـلَـيْـهَـا قُـلْـتُـمْ أَنَّى هَـذَا قُـلْ هُـوَ مِـنْ عِـنْـدِ أَنْـفُـسِـكُـمْ))
وقـال سـبـحـانـه : (( وَمَـا أَصَـابَـكُـمْ مِـنْ مُـصِـيـبَـةٍ فَـبِـمَـا كَـسَـبَـتْ أَيْـدِيـكُـمْ وَيَـعْـفُـو عَـنْ كَـثِـيـرٍ))
وقـال سـبـحـانـه : (( ذَلِـكَ بِـأَنَّ اللَّهَ لَـمْ يَـكُ مُـغَـيِّراً نِـعْـمَـةً أَنْـعَـمَـهَـا عَـلَـى قَـوْمٍ حَـتَّى يُـغَـيِّرُوا مَـا بِـأَنْـفُـسِـهِـمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَـمِـيـعٌ عَـلِـيـمٌ )) بَـبِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـحـمـدُ للهِ ربِّ الـعَـالـمِـيـنَ والـصَّلاةُ والـسَّلامُ عـلـى رسُـولِـه الأمِـيـن
أمَـا بَـعـدُ
#.* مُـقـدِّمَـةٌ *.#
قَـد يَـتـبَـادَرُ إلـى الـقَـارِئِ أن هَـذِهِ الـحَـقَـائِـق نُـسِـجَـت مِـن عَـالَـمِ الـخَـيِـالِ ، وأن هَـذِهِ الـرِّوَايـات لا يُـمـكِـنُ أن تَـكُـونَ بِـحَـال ، وأن هَـذا عـلـى وَجـهِ الـخُـصُـوصِ فـي أمـةِ الإسـلامِ مُـحَـال ، ولَـكِـنِّي نَـسَـجْـتُ أحـرُفَـهـا الـغَـرِيـبَـة لِـتـكُـونَ لِـلـحَـاكِـمِ عِـبـرَة ، ولِـلـمـحـكُـومِ عِـظَـة ، ولِـيـعـلَـمَ الـجـمِـيـعُ أن الأيـام بِـالـعِـزِّ والـتَّمـكِـيـنِ دُولٌ مُـتَـنَـقِّلَـة ، والـقُـوُّةُ نَـافِـذَة ، والـنِّعـمَـةُ زَائِـلَـة ، والـسَّعَـادَةُ صَـفـحَـاتٌ مُـتَـقَـلِّبَـة ، فـلِـذَلِـكَ لِـيـتـأمَـل الـجَـمِـيـع الـمـآل قَـبَـلَ أن يُـدْبِـرَ الـرَّغَـد عـلـى ظَـهـرِ الـذِّكـريـات فَـيَـسُـوء بِـنَـا الـحَـال 0
#.* أَمْـرُ اللهِ فِـيـنَـا هـوَ الْـفَـصْـل *.#
أيُّهـا الـعُـقـلاء : لـم يـتـعَـهَّد الأمـن بِـاكـتِـنَـافِـنَـا إذا جـاء أمـرُ اللهِ الـمـوعـود ( يَـا إِبْـرَاهِـيـمُ أَعْـرِضْ عَـنْ هَـذَا إِنَّهُ قَـدْ جَـاءَ أَمْـرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُـمْ آتِـيـهِـمْ عَـذَابٌ غَـيْـرُ مَـرْدُودٍ) فـمـن الإنـصـافِ تـشـخـيـصُ الأمـورِ بـمـيـزانِ الـشـرعِ ، ويُـأخَـذ فـي الاعـتـبـارِ بـكـل أصـلٍ وفَـرع ، وإن لـم نَـعـمَـل بِـهـذَا الأصـل ، فَـأمـر اللهِ فِـيـنَـا هـو الـفَـصـل 0
#.* أَلَـيْـسَ مِـنْـكُـمْ رَجُـلٌ رَشِـيـدٌ *.#
أيُّهَـا الـمُـنـصِـفـونَ : لـيـس مـن الإنـصـافِ بِـحَـال إصـلاحُ ظـواهـرِ الـعـللِ وتـجـاهـل بـواطِـنِـهـا ، إذ مـن الاسـتـحـالـة الـعـقـلـيـة طَـلَـبُ الـشـفـاءِ لـجـرحٍ ضُـمِّدَ عـلـى قَـذَرٍ ، ومَـنْ تـجَـاهـلَ الـقـذر فـقـد حـكـم عـلـى الـعُـضـوِ الـمـجـروحِ بـالإعـدامِ جَـهِـلَ ذلـك أو عَـلِـمَ ، فَـمِـن هـنـا يـتـبـيـن للـعُـقـلاءِ أنَّ طَـلَـبَ الـشِـفـاءِ بـالـقَـذَرِ أمـرٌ مُـسـتـقـذر ، ونَـخـلُـصُ بِـخَـالِـصَـةٍ أنَّ رَغَـدَ الـعـيـشِ والأمـنِ هـمـا الـشِـفـاء ، ولا يُـمـكِـنُ أن يـكـونـا أبـداً مـع وجـودِ الـقَـذَر الـمُـتَـمـثِـل فـي الـفـسـادِ 0
#.* بَـيـنَـاتٌ قَـبَـلَ الـعِـبَـرِ والـعِـظَـاتِ *.#
وقَـبَـلَ الـشـروعِ فـي مـوجـاتٍ مُـتـآكِـلـةٍ مُـتـلاطِـمـةٍ مـن الـفـواجـعِ الـمـرعـبـةِ ، والـرزايـا الـصـاعِـقَـةِ ، ومِـن صُـوَرٍ يَـفِـرُّ مِـنـهـا الـخَـيَـال ، أقـول إنَّ مُـسـمـى الإسـلام عـلـى الـمُـجـتـمـعَـاتِ والـطـوائـفِ والـدولِ لا يـكـفـي لـردِ الـبـلاء إن هـي قـارفـت مـا يُـغـضِـبُ خَـالِـقـهـا ، ويُـجِـبُ عِـقَـابَـه ، فـالأمـن له ثـمـنـه ، والـعـيـش الـرغـيـدِ له ضـرائـبُـه ، فـإن مُـنِـعَ الـثـمـن ، وشَـحَّت الـضـرائـب كـان مَـنْـع الأمـنِ وشُـح الـرغـدِ ، ومَـن شـاء فـلـيـزد ، ومـن شـاء فـلـيُـمـسِـك ، ولـقـد أخـبـرنـا الله عـن قَـريَـةٍ كـانـت آمـنـة رغـدة فـخـالـعـهـا أمـنـهـا ، ورغـدهـا فـقـال : (( وَضَـرَبَ اللَّهُ مَـثَـلاً قَـرْيَـةً كَـانَـتْ آمِـنَـةً مُـطْـمَـئِـنَّةً يَـأْتِـيـهَـا رِزْقُـهَـا رَغَـداً مِـنْ كُـلِّ مَـكَـانٍ فَـكَـفَـرَتْ بِـأَنْـعُـمِ اللَّهِ فَـأَذَاقَـهَـا اللَّهُ لِـبَـاسَ الْـجُـوعِ وَالْـخَـوْفِ بِـمَـا كَـانُـوا يَـصْـنَـعُـونَ )) وإنـي الـيـوم بِـصـددِ بـيـان الـعـذاب الـمـهـيـن ، الـمـتـمـثـل فـي الـجـوع فـإلـى هـنـاك 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـكُـلِ الـنَّاسِ *.#
يـقـول جـمـال الـديـن الأتـابـكـي : والـغـلاء بـمـصـر يـتـزايـد ، حـتـى إنَّه جـلا مـن مـصـرَ خـلـقٌ كـثـيـرٌ لـمـا حـصـل بـهـا مـن الـغـلاء الـزائـد عـن الـحـدِ[ والـجـوع ] الـذي لـم يُـعـهـد مِـثـله فـي الـدنـيـا ، فـإنَّه مـات أكـثـر أهـل مـصـر ، وأكَـلَ بَـعـضُـهـم بـعـضـا ، وظـهـروا عـلـى بـعـضِ الـطـبـاخـيـن إنَّه ذَبَـحَ عِـدة مـن الـصِـبـيـانِ والـنِـسـاءِ ، وأَكـلَ لُـحُـومَـهـم وبَـاعَـهـا بـعـد أن طَـبـخـهـا ، وأًكِـلـت الـدَّوَاب بـأسـرهـا ، فـلـم يـبـق لـصـاحـب مـصـر أعـنـي الـمـسـتـنـصـر سـوى ثـلاثـة أفـراس بـعـد أن كـانـت عـشـرة آلاف مـا بـيـن فَـرسٍ وجَـمـلٍ ودَابـة ، وبِـيـعَ الـكـلـب بِـخـمـسـةِ دنـانـيـر ، والـسـنـور بـثـلاثـة دنـانـيـر ، ونـزلَ الـوزيـر أبـو الـمـكـارم وزيـر الـمـسـتـنـصـر عـلـى بـاب الـقـصـر عـن بـغـلـتِـه ولـيـس مـعـه إلا غـلامٌ واحـدٌ فـجـاء ثـلاثـة وأخـذوا الـبـغـلـة مـنـه ، ولـم يـقـدر الـغـلام عـلـى مـنـعِـهـم لـضـعـفِـه مـن الـجـوعِ فـذبـحـوهـا ، وأكـلـوهـا ، فـأُخِـذُوا وصُـلِـبـوا ، فـأصـبـحَ الـنـاس فـلـم يُـروا إلا عِـظَـامـهـم أكِـلِ الـنَّاس فـي تِـلـكَ اللـيـلـةِ لـحُـومَـهـم أ.هـ أنـظـر الـنـجـوم الـزاهـرة فـي مـلـوك مـصـر والـقـاهـرة ج5/ص15
#.* عِـبـرَةٌ لِـكُـلِ وَالٍ ولاهُ اللهُ وِلايـة *.#
ويـقـول : ودَخَـلَ رجُـلٌ الـحـمـام فـقـال له الـحـمـامـي : مَـنْ تُـرِيـدُ أن يَـخـدُمَـكَ سـعـدُ الـدولـةِ ، أو عـزُ الـدولـةِ ، أو فـخـرُ الـدولـةِ ؟ فـقـال له الـرجـل : أتـهـزأ بـي ؟ فـقـال : لا واللهِ أنـظُـر إلـيـهـم فـنَـظَـرَ فـإذا أعـيـانُ الـدولـة ، ورؤسـاؤهـا صـاروا يَـخـدِمـونَ الـنَّاس فـي الـحـمـامِ لِـكـونِـهـم بَـاعـوا جـمِـيـعَ مـوجـودِهـم فـي الـغـلاءِ واحـتـاجـوا إلـى الـخـدمـةِ ، وأعـظـم مِـن هـذا أن الـمُـسـتـنـصِـرَ الـخـلـيـفـة بَـاعَ جـمـيـع مـوجـودهِ ، وجـمـيـع مـا كـان فـي قـصـرِه ، حـتـى أخـرجَ ثـيـابـاً كـانـت فـي الـقـصـرِ مـن زمـنِ الـطـائـعِ الـخـلـيـفـة الـعـبـاسـي لـمـا نَـهـبَ بـهـاء الـدولـةِ دار الـخـلـيـفـة فـي سـنـة381 ، وأشـيـاء أُخـر أُخِـذَت فـي نـوبـةِ الـبـسـاسـيـري ، ... فـكـانـت هـذه الـثـيـاب عـنـدهـم بـمـصـر بـسـبـب الـمـعـيـرة لـبـنـي الـعـبـاس فـلـمـا ضَـاقَ الأمـر عـلـى الـمـسـتـنـصـر أخـرجـهـا ، وبَـاعـهَـا بـأبـخـسِ ثـمـن لـشِـدَةِ الـحـاجـةِ ، ... وأمـا مـا بَـاعَ مِـن الـجـواهـرِ والـيـواقـيـتِ والـخـسـروانـي فـشـيء لا يُـحـصـى ، وأُحـصـى مـن الـثِـيـابِ الـتـي بِـيـعـت فـي هـذا الـغـلاء مـن قـصـرِ الـخـلـيـفـةِ ثـمـانـون ألـف ثـوب ، وعـشـرون ألـف درع ، وعـشـرون ألـف سـيـف مـحـلـى ، وبـاع الـمـسـتـنـصـر حـتـى ثـيـاب جـواريـه 0 [ يـقـول الـفـلاح الـمـعـتـصـم : الـمـلـك لله ] أ. هـ أنـظـر الـنـجـوم الـزاهـرة ج5 ص15 فـمـا بـعـدهـا 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـلـعُـلَـمَـاءِ وطَـلَـبَـةِ الـعِـلـمِ *.#
قـال الـيـافـعـي : تـوفـي أبـو الـبـركـاتِ عـبـدُ اللهِ بـن مُـحَـمَّد بـن الـفـضـل الـفـراوي الـنـيـسـابـوري ، وكـان رأسـاً فـي مـعـرِفـةِ الـشـروطِ ، حـدَّثَ بـمـسـنـدِ أبـي عـوانـة ، [ ومـات مـن الـجـوعِ ] بـنـيـسـابـور 0 أنـظـر مـرآة الـجـنـان ج3/ص295
وقـال الـحـنـبـلـي فـي سـنـة 561 هـ : مـا أورد ابـن رجـب ونَـقَـلَ عـن الـشـيـخِ عـبـدِ الـقـادر الـجـيـلانـي أنَّه قـال : كـنـت أقـتَـاتُ الـخـرنـوب ، والـشـوك ، وقـامـة الـبـقـل ، وورق الـخـس مـن جـانـب الـنـهـر والـشـط ، وبَـلَـغـت بـي الـضـائـقـة فـي غـلاء نـزل بـبـغـداد إلـى أن بـقـيـتُ أيـامـاً لـم آكـل فـيـهـا طـعـامـاً ، بـل كـنـت أتـتـبـع الـمـنـبـوذات أطـعَـمُـهـا ، فـخـرجـتُ يـومـاً مِـن شـدةِ الـجـوعِ إلـى الـشـطِ لـعـلـى أجـدُ ورق الـخـسِ ، أو الـبـقـلِ أو غـيـر ذلـك ، فـأتـقـوَّت بـه ، فـمـا ذهـبـتُ إلـى مـوضـعٍ إلا وغـيـري قـد سـبـقـنـي إلـيـه ، وإذا وجـدتُ الـفـقـراء يـتـزاحـمـون عـلـيـه أتـركـه حـيـاء ، فـرجـعـت أمـشـي وسـط الـبـلـد فـلا أدرِك مـنـبـوذاً إلا وقـد سُـبِـقـتُ إلـيـه ، حـتـى وصَـلـتُ إلـى مـسـجـدٍ بِـسـوقِ الـريـحـانـيـيـن بـبـغـداد ، وقـد أجـهـدنـي الـضـعـف ، وعَـجـزتُ عـن الـتـمـاسـكِ ، فـدخـلـتُ إلـيـه وقـعـدتُ فـي جـانِـبٍ مِـنـه ، وقـد كِـدتُ أصـافـح الـمـوت ، إذ دَخَـلَ شـابٌ أعـجـمـيٌ ومـعَـه خـبـز رصـافـي وشـواء ، وجَـلَـسَ يـأكـلُ فـكُـنـتُ أكـادُ كُـلـمـا رَفـعَ يَـدَه بـاللـقـمـةِ أن أفـتَـحَ فـمـي مِـن شـدةِ الـجُـوعِ حـتـى أنـكـرتُ ذلـك عـلـى نـفـسـي 0 أنـظـر شـذرات الـذهـب ج4/ص201
#.* عِـبـرَةٌ لِـصَـاحِـبَـةِ الـعَـبَـاءةِ الـمُـخَـصَّرة *.#
ولـيـسَ هـذا لـصـاحـبـةِ الـعـبَـاءةِ الـمُـخـصَّرةِ فـحـسـب ، بـل للـمُـتـبـرجـةِ ، والـسَـافِـرةِ ، واللاهِـيـةِ ، والـغَـافِـلَـةِ عـن دِيـنِـهـا ، أُذكِّرُهـا إِن كـانَ لهـا قـلـب يَـدَّكِـر يـقـول صـاحـب الـنـجـوم : وكـانَ الـسـودان يَـقِـفـونَ فـي الأزِقَـةِ يَـخـطَـفـونَ الـنِّسَـاء بِـالـكـلالِـيـبِ ، ويُـشَـرِّحُـونَ لُـحُـومَـهـنَ ، ويَـأكُـلـونَـهـا ، واجـتـازتِ امـرأة بِـزُقَـاقِ الـقـنـادِيـلِ بِـمِـصـرَ وكـانـت سـمِـيـنَـة فَـعَـلَّقَـهـا الـسُـودان بِـالـكـلالِـيـبِ ، وقَـطَـعُـوا مـن عَـجـزِهـا قِـطـعَـةً ، وقَـعـدُوا يَـأكُـلُـونَـهـا ، وغَـفِـلُـوا عـنـهـا فَـخَـرَجـت مِـن الـدَّارِ واسـتـغـاثـت ، فـجـاءَ الـوَالِـي ، وكَـبَـسَ الـدَّار فَـأَخـرَجَ مِـنـهـا أُلُـوفَـاً مِـن الـقـتـلـى ... وخَـرَجـت امـرأَة مِـن الـقَـاهِـرة فـي هـذا الـغـلاء ومَـعَـهـا مُـدّ جَـوَهِـر ، فـقـالـت : مَـن يَـأخُـذُ هـذا ويُـعـطِـيـنـي عِـوضَـه دقِـيـقـاً ؟ أو قَـمـحَـاً ؟ فـلـم يَـلـتَـفِـت إلـيـهـا أحـدٌ فـألـقـتـه فـي الـطـريـقِ وقـالـت : هـذا مـا يَـنـفَـعُـنـي وقـتَ حَـاجَـتـي فـلا حَـاجَـةَ لـي بِـه بـعـدَ الـيـوم ، فـلـم يـلـتـفـت إلـيـه أحـدٌ ، وهـو مـبـدد فـي الـطـريـق 0نـفـس الـمـرجـع 0
ويَـذكُـرُ الـذهـبـيُ رَحِـمَـهُ اللهُ تـعـالـى هـذا الـحـال فـيـقـول : وأمـا بَـغـدَادُ فـكـانَ بِـهـا قَـحـطٌ لـم يُـرَ مِـثـله ، وهَـرَبَ الـخَـلـق ، فـكَـانَ الـنِّسَـاء يَـخـرُجـنَ عِـشـريـنَ وعَـشـرَاً يُـمـسِـكُ بَـعـضـهُـنَ بِـبـعـضٍ ويَـصِـحـنَ الـجـوع الـجـوع ، ثُـمَّ تَـسـقُـطُ الـواحِـدة بَـعـدَ الـواحِـدة مـيِّتـة فـإنَّا لله وإنِّا إِلـيـه رَاجِـعُـونَ 0 سـنـة 251 هـ أنـظـر الـعـبـر فـي خـبـر مـن غـبـر ج2/ص239 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـآكِـلِـي الـرِبَـا *.#
قـال أبـو الـحُـسـيـن الـشـيـبـانـي : كـانَ بِـخُـراسـانَ غـلاءٌ شَـدِيـدٌ ، ومَـاتَ مِـن أَهـلِـهـا خَـلـقٌ كَـثِـيـرٌ مِـن الـجُـوعِ فَـعَـجَـزَ الـنَّاسُ عـن دَفـنِـهـم ، فـكَـانـوا يَـجـمـعُـون الـغُـربَـاء والـفُـقـراء فـي دارٍ إلـى أن يَـتـهـيـأ لهـم دَفـنِـهـم ، وتـكـفـيـنـهـم 0 سـنـة 323 هـ أنـظُـر الـكَـامِـل فـي الـتَـاريـخِ ج7/ص116
#.* عِـبـرَةٌ لِـأربَـابِ الـفـضَـائِـيـات *.#
قَـالَ أبـو الـعـبَـاس الـنَّاصِـري : وَلَـقَـد هَـلَـكَ فـي هـذه الـمُـدةِ مِـن الـجُـوعِ جَـمٌ غَـفِـيـرٌ أخـبَـرَ صَـاحـبُ الـمـارِسـتـان أنَّه كَـفَـنَ فـي رجـب ، وشـعـبـان ، ورمـضـان ثَـمـانـيـنَ ألـفـاً وزِيـادة سِـوَى الـذِّيـنَ كَـفَـنَـهـم أَهـلهـم ، وعـشِـيـرتـهـم سـنـة 1149 هـ 0 أُنـظُـر الاسـتـقـصَـاء لأخـبـارِ دُولِ الـمَـغـرِبِ الأقـصـي ج7/ص145
#.* عِـبـرَةٌ لِـأصـحَـابِ الـفَـخـرِ وَالـبَـطَـرِ وَالـبَـذَرِ *.#
قَـالَ ابـنُ كَـثِـيـر رحـمَـه اللهُ فـي سـنـةِ 449 هـ : وَوَقَـعَ وبَـاءٌ بِـالأَهـوَازِ وبـواطِ وأَعـمَـالهـا وَغـيـرهـا ، حـتـى طَـبَـقَ الـبِـلاد ، وكـانَ أَكـثـر سـبـب ذَلِـكَ الـجُـوعَ ، كـانَ الـفُـقـراء يَـشـوونَ الـكِـلاب ، ويَـنـبِـشُـونَ الـقُـبُـورَ ، ويَـشـوونَ الـمـوتـى ، ويَـأكُـلـونَـهـم ، ولـيـس للـنَّاسِ شُـغـلٌ فـي اللَّيـلِ والـنَّهَـارِ إلا غُـسـلُ الأمـواتِ ، وتـجـهِـيـزُهـم ، ودَفـنُـهـم ، فَـكَـانَ يُـحـفَـرُ الـحَـفِـيـر فَـيُـدفَـنُُ فِـيـهِ الـعـشـرونَ والـثـلاثـونَ ، وكَـانَ الإنـسـانُ بـيـنـمـا هـو جَـالـسٌ إذ انـشـقَ قـلـبـه عَـن دَمِ الـمُـهَـجـةِ فَـيـخـرُج مِـنْـهُ إلـى الـفَـمِ قَـطـرَةٌ فَـيـمُـوتُ الإنـسـانُ مِـن وَقـتِـه ، وتَـابَ الـنَّاسُ وتَـصـدقـوا بِـأكـثَـرِ أمـوالِـهـم فَـلَـم يَـجِـدوا أحـداً يَـقـبَـلُ مِـنـهـم ، وكَـانَ الـفَـقِـيـر تُـعـرَضُ عـلـيـه الـدنـانِـيـرُ الـكـثِـيـرةُ والـدراهِـمُ والـثِـيـابُ فـيـقـول : أنَـا أُرِيـدُ كِـسـرَة ، أُرِيِـدُ مَـا يَـسُـدُ جُـوعـي فـلا يَـجِـد ذَلِـكَ ، وأَرَاقَ الـنَّاس الـخُـمُـور وكَـسـروا آلات اللهـوِ ، ولَـزِمـوا الـمـسَـاجِـدَ لِـلـعِـبَـادةِ ، وقـراءة الـقُـرآنَ وقَـلَّ دَارٌ يَـكـونُ فِـيـهـا خَـمـرٌ إلا مَـاتَ أهـلهـا كـلهـم ، ودُخِـلَ عـلـى مَـرِيـضٍ له سـبـعـة أيَـامٍ فـي الـنِـزَعِ فَـأشَـارَ بِـيـدِه إلـى مَـكَـانٍ فَـوجَـدوا فِـيـه خَـابِـيـةٌ مِـن خَـمْـرٍ فَـأرَاقُـوهـا فَـمَـات مِـن وقـتِـه بِـسـهـولـةٍ ، ومَـاتَ رَجُـلٌ فـي مَـسـجِـدٍ فَـوجَـدوا مَـعَـهُ خَـمـسِـيـنَ أَلـف دِرهـم فَـعُـرِضَـت عـلـى الـنَّاسِ فَـلَـم يَـقـبَـلهَـا أحَـدٌ ، فَـتُـرِكَـت فـي الـمَـسـجِـدِ تـسـعـة أيـامٍ لا يُـرِيـدَهَـا أحَـدٌ ، فـلـمـا كـانَ بَـعـدَ ذَلَـكَ دَخَـلَ أربـعـة لِـيـأخُـذوهـا فَـمَـاتـوا عَـلـيـهـا فَـلَـم يَـخـرُج مِـن الـمَـسـجِـدِ مِـنـهـم أحَـدٌ حـي ، بَـل مَـاتـوا جَـمِـيـعَـاً وكَـانَ الـشَـيـخُ أبـو مـحـمـد عـبـد الـجـبـار بـن مـحـمـد يَـشـتَـغِـل عَـلـيـه سـبـعـمـائـة مُـتَـفـقِّهٌ فَـمَـاتَ ومَـاتـوا كـلهـم ، إلا اثـنـي عَـشَـرَ نَـفَـراً مِـنْـهُـمْ 0 أنـظُـر الـبِـدايَـة والـنِّهَـايـة ج12/ص70 – 71
وقَـاَلَ رحـمَـهُ اللهُ تـعـالـى : وأَكَـلَ الـنَّاسُ الـجِـيـفَ والـنَـتَـنَ ، مِـن قِـلـةِ الـطَّعَـامِ وَوُجِـدَ مَـعَ امـرأةٍ فَـخـذُ كَـلـبٍ قَـد أُخْـضِـرَ ، وشَـوى رَجُـلٌ صَـبِـيِّةً فـي الأتـونِ وأكـلَـهـا 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـروَّادِ الـخََمَّارَةِ والـبَـارَةِ *.#
وقَـاَلَ رحِـمَـهُ اللهُ عـن مَـجَـاعـةٍ فـي أهـلِ مِـصـرَ : وظَـهَـرَ عـلـى رَجُـلٍ يَـقـتُـلُ الـصِـبـيـانَ والـنَّسَـاء ، ويَـدفِـنُ رؤسَـهـم وأطـرافَـهـم ، ويَـبِـيـع لُـحُـومَـهـم ، فَـقُـتِـلَ وأُكِـلَ لَـحـمَـهُ وكَـانـت الأَعـرَابُ يُـقـدِمُـونَ بِـالـطََّعَـامِ يَـبِـيـعُـونَـهُ فـي ظَـاهِـرِ الـبَـلـدِ لا يَـتـجَـاسـرُونَ يَـدخُـلـونَ لِـئـلَّا يُـخـطَـفَ ويُـنْـهَـبَ مِـنـهُـم ، وكَـانَ لا يَـجـسُـرُ أحَـدٌ أن يَـدفِـنَ مَـيِّتَـهُ نَـهَـاراً وإنَّمَـا يَـدفِـنَـهُ لـيـلاً خُـفـيَـةً لِـئـلَّا يُـنـبـشَ فـيُـؤكَـل 0 أنـظُـر الـمَـرجـع الـسـابـق 0
#.* عِـبـرَةٌ لأهْـلِ الـحِـلِّ وَالـحَـرَمِ *.#
قَـاَلَ ابـنُ كَـثِـيـر فـي سـنَـةِ 462 هـ : وفِـيـهـا ضَـاقَـت الـنَـفَـقَـة عـلـى أمِـيـرِ مَـكَـةَ فَـأخَـذَ الـذَّهَـب مـن أسـتَـارِ الـكَـعـبَـةِ والـمِـيـزَابِ وبَـابِ الـكَـعـبَـةِ فَـضَـربَ ذَلَـكَ دراهِـم ودنـانِـيـر ، وكـذا فَـعـلَ صَـاحـبُ الـمَـديـنـةِ بِـالـقـنَـادِيـلِ الـتـي فـي الـمَـسـجِـدِ الـنَّبَـوِي 0 أنـظُـر الـبـدايـة والـنـهـايـة ج12/ص99
وقَـالَ عـبـد الـحـي الـحَـنـبَـلـي رحِـمَـهُ اللهُ تـعـالـى فـي سـنـةِ 718 هـ: كَـانَ الـقَـحـطُ الـمُـفـرِطُ بِـالـجـزيـرةِ ودِيـارِ بَـكـرٍ ، وأُكِـلَـت الـمَـيـتَـة وبِـيِـعَ الأولاد ، وجَـلا الـنَّاس ، ومَـاتَ بـعـضُ الـنَّاسِ مِـن الـجُـوعِ وجَـرى مَـا لا يُـعَـبـرُ عَـنـه 0 أنـظُـر شـذرات الـذَّهَـب ج6/ص47
#.* عِـبـرَةٌ لآكِـلاتِ اللُّحُـومِ غِـيـبَـة *.#
قَـاَلَ الهَـمـدَانِـيُ: وأَكَـلَ الـنَّاسُ فـي يَـومِ الـغَـلاءِ الـنـوى والـمَـيـتَـة ، وكَـانَ يُـؤخَـذُ الـبِـزرَ قُـطـونـاً ويُـضـربُ بِـالـمَـاءِ ويُـبـسَـطُ عـلـى طَـابِـقِ حَـدِيـدٍ ويًـوقَـدُ تَـحـتَـهُ الـنَّار ، ويُـؤكَـلُ فَـمـاتَ الـنَّاسُ بِـأكـلِـهِ ، وكَـانَ الـوَاحِـدُ يَـصِـيـحُ [ الـجُـوع ] ويَـمـوتُ ، وَوُجِـدَت امـرأةٌ قَـد شَـوت صَـبِـيَّاً حَـيّـاً 0 أنـظُـر تَـكـمِـلـة تـاريـخ الـطـبـري ج1/ص152
#.* عِـبـرَةٌ لِـلـمُـعـتَـبِـرِيـنَ *.#
ذَكَـرَ الـعَـرشِـيُ أن مَـجَـاعَـةً عَـمَّتِ الـيَـمـن حـتـى أن أهـلَـهـا أَكـلُـوا الـمَـيـتَـة ، وَوُجِـدَت امـرأة اسـتَـضـعَـفَـت وَالِـدَهـا فَـأكَـلَـتـهُ 0 أنـظُـر بُـلـوغ الـمَـرام فـيـمَـن حَـكَـمَ الـيَـمـن مِـن مَـلِـكٍ وإمَـام 0
#.* لِـمَـاذا كُـلَّ هَـذا *.#
يُـبَـيِّنُ لَـنَـا بَـعـضُ أسـبَـابـهـا عـبـد الـرحـمـن بـن حـسـن الـجـبـرتـي رحِـمَـهُ اللهُ تـعـالـى فـي سـنـة 1198 هـ فـيـقـولُ : وفَـسَـدَت الـنِِّيَّات ، وتَـغَـيَّرَت الـقُـلـوب ، ونَـفَـرَت الـطِّبَـاع ، وكَـثُـرَ الـحَـسَـد ، والـحِـقـد فـي الـنَّاسِ لـبـعـضِـهـم الـبَـعـض ، فَـيـتَـتَـبَـعُ الـشَـخـصُ عـورات أخـيـه ، ويُـدلـي بِـه إلـى الـظُـلـمِ حـتـى خَـرِبَ الإقـلـيـم ، وانـقـطَـعَـت الـطُـرق ، وعَـربَـدَت أولادُ الـحَـرامِ ، وفُـقِـدَ الأمـن ، ومُـنِـعَـت الـسُـبُـل إلا بـالـخـفَّارةِ وركُـوبِ الـغَـرَرِ ، وجَـلـت الـفـلاحـون مـن بـلادِهـم مِـن الـشـراقـي والـظُـلـم ، وانـتـشَـروا فـي الـمـديـنـةِ بِـنِـسَـائِـهـم وأولادِهِـم ، يـصـيـحـون مِـن [ الـجـوعِ ] ويَـأكُـلـونَ مـا يَـتـسَـاقَـطُ فـي الـطُـرقَـاتِ مِـن قُـشُـورِ الـبَـطِـيـخِ وغَـيِـرِهِ ، فَـلا يَـجِـدُ الـزبَّالُ شَـيـئـاً يَـكـنِـسَـهُ مِـن ذَلَـكَ واشـتَـدَّ بِـهـمُ الـحَـال حـتـى أكـلُـوا الـمَـيـتَـات مِـن الـخَـيـلِ والـحَـمِـيـر والـجِـمَـال ، فـإذا أُخـرِجَ حِـمَـارٌ مَـيِّتٌ تَـزَاحـمـوا عَـلـيـهِ وقَـطَّعُـوهُ وأَخـذُوهُ ، ومِـنـهُـم مَـن يَـأكُـله نَـيِّئـاً مِـن شِـدَةِ الـجُـوعِ ومَـاتَ الـكَـثِـيـر مِـن الـفُـقـراءِ [ بِـالـجُـوعِ ]هـذا والـغَـلاءُ مُـسـتـمِـرٌّ ، والأسـعَـارُ فـي الـشِـدَّةِ ، وعَـزَّ الـدِرهـم والـدِّيـنـار مِـن أيـدِي الـنَّاسِ ، وقَـلَّ الـتَّعَـامُـلُ إلا فِـيـمـا يُـؤكـل ، وصَـارَ سَـمَـرُ الـنَّاسِ وحـدِيـثُـهـم فـي الـمـجَـالـسِ ذِكـرُ الـمـآكِـل ، والـقَـمـح ، والـسَـمـن ، ونـحـو ذلـك لا غـيِـر 0 أنـظُـر عَـجَـائِـب الآثـار ج1/ص583
#.* سُـؤالٌ أَخِـيِـر *.#
إذا كَـاَنَ هَـذا الـبَـلاء فـي الـدُّنـيَـا فَـكَـيـفَ الـقَـبـرُ ، والـمَـحـشَـرُ ، وقـوَارِعُ صَـقَـر ؟! وإلـى أيـنَ يَـومَـئِـذٍ الـمَـفَـر ؟! وكَـيَـفَ يَـكـونَ الـمُـسـتـقَـر ؟!
#.* خَـاتِـمَـةٌ *.#
وبَـعَـدَ هَـذا الـعَـرضُ والـتَّشـخِـيـص يَـجِـبُ عـلـى الـحَـاكـمِ أن يَـنـظُـرَ إلـى نَـفْـسِـهِ ونَـهـجِـهِ فـإِن رَأَى الـحَـالَ قَـد حَـال ، والـمـآلَ قـد آل ، فَـلْـيـقْـرأْ هَـذِهِ الآيـات وكَـذَا الـمَـحـكُـوم قـال الله : (( أَوَلَـمَّا أَصَـابَـتْـكُـمْ مُـصِـيـبَـةٌ قَـدْ أَصَـبْـتُـمْ مِـثْـلَـيْـهَـا قُـلْـتُـمْ أَنَّى هَـذَا قُـلْ هُـوَ مِـنْ عِـنْـدِ أَنْـفُـسِـكُـمْ))
وقـال سـبـحـانـه : (( وَمَـا أَصَـابَـكُـمْ مِـنْ مُـصِـيـبَـةٍ فَـبِـمَـا كَـسَـبَـتْ أَيْـدِيـكُـمْ وَيَـعْـفُـو عَـنْ كَـثِـيـرٍ))
وقـال سـبـحـانـه : (( ذَلِـكَ بِـأَنَّ اللَّهَ لَـمْ يَـكُ مُـغَـيِّراً نِـعْـمَـةً أَنْـعَـمَـهَـا عَـلَـى قَـوْمٍ حَـتَّى يُـغَـيِّرُوا مَـا بِـأَنْـفُـسِـهِـمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَـمِـيـعٌ عَـلِـيـمٌ )) بَـعـدَهـا فَـلا يَـلُـومَـنَّ كُـلَّاً إلا نَـفـسَـه ويـا حـسـرَةَ مَـن خَـدعـتـهُ ألـحَـان الـنِّفَـاق ، وغَـرَّهُ قَـولُ الـمُـرتـزَقـة أنَّهُ يَـزرَعُ الـدُّرر ، ويَـجـنِـي الـجَـوهَـر ، واللهُ يُـخـبِـرُ أن زَرعَـهُ شَـذرَ مَـذَر 0
كـتـبـه ابـن الـقـريـة الـفـلاح الـمـعـتـصـم
15 / 3 / 1425 هـ
منقووووول
عـدَهـا فَـلا يَـلُـومَـنَّ كُـلَّاً إلا نَـفـسَـه ويـا حـسـرَةَ مَـن خَـدعـتـهُ ألـحَـان الـنِّفَـاق ، وغَـرَّهُ قَـولُ الـمُـرتـزَقـة أنَّهُ يَـزرَعُ الـدُّرر ، ويَـجـنِـي الـجَـوهَـر ، واللهُ يُـخـبِـرُ أن زَرعَـهُ شَـذرَ مَـذَر 0
كـتـبـه ابـن الـقـريـة الـفـلاح الـمـعـتـصـم
15 / 3 / 1425 هـ
منقووووول
|
| |