وسالم رباح ،، إشتهر في النت من خلال هذا الجانب خصوصا في حلقات شاعر المليون ،، ويكمل إبداعه وتألقه بشعر المحاوره .
أترككم مع الموضوع كما كتبه صاحبه ،،،
فن المحاوره هو فن أصيل وعريق ارتبط كثيرا بالحجاز ومن ثم أنتشر الى نجد .
وبعض المناطق الشرقية والجنوبية في الزمن الأخير .
هذا الفن أو الموروث أصيل ومرتبط بتاريخ قبائل الجزيرة العربية ويوثق كثيرا من ماكان يجري بينهم من نقاشات وأمور بعضها عام وبعضها خاص ذات طابع قبلي أو اجتماعي أو سياسي أو قضية شخصية أو دعابة وفكاهة .
يتميز هذا الفن با ( الرمز ) الرمز ارتبط به ودفن المعنى ضرورة لهذا الفن الشعري الجميل .
وايضا يتميز بأن معنى الشاعر لابد من الرد عليه من الشاعر المقابل برد ( يغلق الباب )
اي فن النقض والفتل , بمعنى ان الشاعر يحيك معنى أي يفتله ويصعب رده من الشاعر المقابل لكن اذا كان الشاعر المقابل قوي فإنه سيأتي ببيت يغلق البيت الذي اورده الشاعر له وينقضه .
كذلك ترابط الفكرة وتسلسها ضرورة حتى تكون المحاورة رائعة فلاتصبح عشوائية ويتم التدرج في الموضوع ولايخرج عنه الا في مجال يكمل الموضوع ولايشتته .
اليوم للأسف المحاورة صراع أطفال وخالية تماما من الرمزية ومن دفن المعنى ومن المعاني القوية ومن النقض والفتل ومن المواضيع التي تستحق النقاش .
اشبهها بمعارك الديكة .
سأعطي الكثير من الأمثلة والأسرار إن شاء الله عن هذا الفن الرائع .
الأسرار :
1- كسر شفرة المعنى
أو فك الرمز .
ويلاحظ فيه التالي :
1) وجوب تركيز الشاعر الخصم كثيرا على بيت المعنى حتى تستمر المحاورة قوية وليست عشوائية .
2) وجوب أن يأتي الشاعر البادئ بمعنى اجتماعي سياسي تاريخي خاص فكاهي شعري قبلي قضايا عامة ................
وهذا المعنى لابد منه حتى تكون المحاورة على أصول حقيقية .
3) يجب ان تكون رموز المعنى واضحة وغير متفككة أو ضعيفة الدلالة , فحتى يعرفك الشاعر الخصم لابد من إيضاح مبتغاك بصورة كاملة تضع الرموز في مكانها والذي سيدله الشاعر الآخر اذا كان متمكنا .
4) غالبا يوضع المعنى من ثاني بيت للشاعر الذي يبدأ المحاورة لان البيت الاول للترحيب أو السلام , وتأخير المعنى يجعل المحاورة تتفكك من بدايتها فيجب وضع المعنى من ثاني بيت أو في البيت الثالث أوالرابع للشاعر الذي بدا المحاورة على أبعد تقدير , ويكون معنى يستحق النقاش أو فيه مدى واسع لاثبات الشاعرية وحبك المعاني .
5) الشاعر البادئ للمحاورة هو الذي يضع بيت المعنى والشاعر الخصم هو الذي يرد عليه .
6) غالبا يتخذ الشاعر البادئ للمحاورة صفة الهجوم أو الفتل والشاعر الخصم له يتخذ صفة الدفاع أو النقض ويرد على كل معنى يأتي منه , لكن في احيانا أخرى واذا كان الشاعر ضعيف أو معتاد على النقض فإنه يعود للدفاع أو النقض حتى لو كان هو البادئ للمحاورة .
7) أذا لم يحدد الشاعر البادئ شاعر معين فأنه يجعل أول بيتين تحدي أو فتح المجال للشعراء لمقابلته , وينتظر الخصم ثالث أو رابع بيت من الشاعر البادئ للمحاورة حتى يجد بيت المعنى لان الخصمين لم يتحددا سابقا .
8) أحيانا حتى الشعراء الكبار ينسون إيراد المعنى أو يطلبون من خصومهم بدع معنى وهذا قليل جدا , اما حاليا فأغلبية المحاورات بدون معنى وميزتها الوضوح الشديد وضحالة الشاعرية جدا وبروز الهياط فقط بعيدا عن الشعر .
9) أحيانا حتى بيت السلام أو الترحيب فيه معنى يستحق النقض أو مطب للخصم وهذه تحدث مع الشعراء الكبار وحتى في بيت سلامهم العادي لبعضهم وكذلك بيت الترحيب لايخلوا من الدفن والرمز .
10) وجوب الاعتماد على الرمزية الجميلة التي يسهلها فك شفرة المعنى في
( بيت المعنى ) وبعدها ستكون اي ترميزات في المحاورة أسهل وأوضح , والبعد تماما عن الوضوح والسطحية في كل مجال , حتى في النقاش الشخصي أو القبلي .
الشعراء الكبار يدخلون المحاورة ويخرجون ولم يعرف مايتحدثون عنه الا أقل من 5% من الجمهور , وهذا الفن لمتلقيه الذين يستحقونه , وقد كرمه الشعراء الكبار عن فهم الجمهور السطحي الذي هو حاليا نجم هذا الفن وأودى به الى غيابة السطحية وظهور أسماء هزيلة جدا على أيدي هذا الجمهور عندما سهل منالهم له وأصبح اقرب لفهمهم فأخرجوا لنا أسماء أضعف من سابقيهم الذين دلوهم .
اين توجد هذه الشفرة أو الترميز الذي يكون زبدة الموضوع أو بدايته ومنه تنطلق المحاورة .
أغلب الاوقات في البيت الثاني للشاعر الذي يبدأ المحاورة .
أذا ركز المتابع كثيرا على بيت الشاعر الذي يبدأ المحاورة اقصد البيت الثاني فإنه سيجد المحاورة أسهل فهماً لأنها هي التي تعطي خيوط بقية المحاورة .
أما البيت الأول فهو عادة للسلام أذا كان الشاعر ضيف أو الترحيب اذا كان الشاعر صاحب محل أو أقرب لاصحاب المحل من الشاعر الذي يقابله .
أمثلة على ( السر الاول ) فك شفرات المحاورة .
بدأ الشاعر الكبير فيصل الرياحي محاورة مع الشاعر الفذ عبدالله الميزاني فقال :
سلام ياسلة الصارم شيوخ وجبـر ،، قبيلة مطير مثل السيف وأمضى منه
هذا البيت للسلام فقط وليس بيت المعنى .
يكمل الشاعر الرياحي بيته الثاني أو بيت المعنى فيقول الرياحي :
هذا المعنى سيركز فيه الشاعر الخصم كثيرا وسيجد رموز هي ك
( غدير مورود , ميمنة , ميسرة ) وهذه الألفاظ خاصة بيوم القيامة عند مايكون أصحاب الميمنة هم الفائزون وأصحاب الميسرة هم الخاسرون , ثم الغدير المورود وهو القبر .
فهنا فكت رموز معاني الرياحي ليرد عليها عبدالله الميزاني بصورة رائعة وتستمر المحاورة على هذا المنوال والقوة .
ثم يرد عليه الشاعر عبدالله الميزاني مواصلا المعنى :
اليا وردتوا سنة واليا وردتوا شهر،، كم ساعةً ترفع الرجّال وتطمنـه
الرجّال = رجل وليس جمع لمن لايعرف لهجة أهل نجد .
يقصد عبدالله الميزاني ان الانسان مهما عاش عمراً طويلا أو قصيراً فإن العبرة بخاتمته فهي الساعة التي ترفعه وتضعه من أهل الميمنة أو تطمنه للأسفل وتضعه من أهل الميسرة .
ردا على الرياحي ويقول إنك يالرياحي ربما لاتعلم خاتمتك أو خاتمتي فقد أكون أفضل خاتمة منك .
تستمر المحاورة بروعة وبمعاني جميلة جدا ومن لم يعرف رمزية المعنى تفوته متعة الشعر الحقيقية .
من الأبيات الرائعة في هذه المحاورة قول عبدالله الميزاني :
( سر الحياة أضمنه والموت لاتضمنه )
يقصد بسر الحياة قول الله تعالى ( وماخلقت الجن والأنس الا ليعبدون ) .
والموت لايضمن متى يأتي للإنسان فعليه أن يكون دائما مستعدا له ولايطيل الأمل ويرجع الى ربه .
أيضا من الأبيات الرائعة في هذه المحاورة قول الرياحي مستمرا في المعنى :
اليا ولعت اللمبة الحمراء دليل الخطر،،امية وعشرين ويجي للجرس دندنـة
جمع رائع جدا بين دندنة جرس السيارة عند وصولها الى سرعة 120 كيلو وبين قرب قيام الساعة لأن الرياحي يتوقع قرب قيام الساعة بقوله ولعت اللمبة الحمراء , و120 سنة أي أن قيام الساعة قريب من كثرة مايرى من مصائب وذنوب وقلة خوف من الله .
ثم بيت رائع للرياحي يبين فيه أن المصيبة الأكبر هي المجاهرة بالذنوب فلو كان الإنسان يعمل الذنب ويستتر لكان أهون :
ياكثر الأمراض والعنها جنون البقر،، من كح كحة تحنحن عقبها حنحنـة
اي ان الذنوب كثيرة لكن الأسواء أن ينبه الانسان ويجاهر بمعصيته مثل شخص يكح ثم يتحتحن منبها الناس لنفسه .
هذه المحاورة كاملة للإستزادة ومعرفة المعنى الذي لعب عليه الشاعران وملاحظة ذلك من البيت الثاني للرياحي والذي فهمه الشاعر المقابل له وأستمر معه في محاورته الرائعة :
بدأ المحاورة فيصل الرياحي البقمي قائلا:
سلام يا سلة الصارم شيوخ وجبـر ،، قبيلة مطير مثل السيف وأمضى منه
اليا وردنا الغدير اللي سقاه المطـر ،، ما تصبر الميمنة عن زحمة الميسره
يرد الشاعر عبد الله غازي الميزاني المطيري قائلا:
يامرحبا ياسماء ونجوم ماادري قمر،، سر الحياه اضمنه والموت لا تضمنه
اليا وردتوا سنه واليا وردتوا شهـر،، كم ساعةً ترفع الرجّـال واتطمنـه
يرد الرياحي قائلا:
عبدالله اهرج على الواقع وكلك نظر،، تراك شهراً نعده من شهور السنـة
النار فوق الجبل والدر وسط البحر،، واليا حداك البحر رح للجبل وازبنه
يرد الشاعر عبدالله غازي قائلا :
أنا كلامي يخـص الجـن والا البشـر،، يومن كلن مع الديـره يسـوق اضعنـه
ان قلت واحد صفر وان قلت خمسه صفر،، أقرب من الجمر لاتقرب مـن المدخنـة
يرد الرياحي قائلا :
الله يعجل ظهور المهـدي المنتظـر،، اليوم كثر الدلع والغـش والملعنـه
لا ولعت اللمبه الحمرا دليل الخطـر ،، واميه وعشرين وايجي للجرس دندنه
يرد عبد الله غازي قائلا :
يا فيصل انتـه وليّـد البطـن والا الظهـر ،، يدهنك دهّان سيـر السـوء مـا تدهنـه
إن قلت وجهك خضر وان قلت وجهك غبر ،، التين من يزرعـه والشـب مـن يسحنـه
يرد الرياحي قائلا:
أنا ولد بدو ماأخاوي عيال الحضر ،، فارس ولاهم قلبي هـن والا هنـه
انته تحب الحيا ولا تحـب الدهـر ،، والله ما نرضى عليك الذل والمسكنه
يرد عبد الله قائلا:
مامنك عبره على ما قيل ياام العبر ،، أيامنا ساكنه يا الهاجـري سكنـه
اسمك مسجل رياحي قلب والا سحر ،، اليا بغيت ابعثه واليا بغيـت ادفنـه
يرد الرياحي بيته الأخير:
يا كثر الأمراض والعنها جنون البقر ،، من كح كحه تحنحن عقبها حنحنـه
إكمال أمثلة فك شفرة ورمز المعنى
أحيانا ينسى الشاعر أن ياتي بمعناه في البيت الثاني أو يتعمد ذلك خاصة اذا كان الشاعر المقابل له أقوى وينتظر المعنى منه .
لكن أحيانا قد يكون نسيان .
أو بسبب طلب شعراء لايعرف أيهم سيلعب معه .
مثلا محاورة من قمم محاورات القلطة وتعتبر ذات قيمة كبيرة لما أحتوته من معاني تدّرس لكل شاعر قلطة يريد أن يعرف كيف يصاغ هذا الفن الجميل :
بدأ الشاعر الكبير نواف العازمي رحمه الله :
يامرحبا من هجوساً صادقاً ماهـو بكـذاب =بأصحابنا اللي تواعدنا وتوفي في وعدهـا
بضاعة السوق وسط السوق ياللي تفتح الباب =وأنا أعرف الأوله والثانية واللـي بعدهـا
في بيته الثاني العازمي لم يبدأ المعنى لأنه لم يعرف الشاعر الذي سيقابله فالعازمي وضع الكورة في ملعب الشعراء في تلك الحفلة وقال من يريد أن يحاورني فليتفضل , وتفاخر العازمي بشاعريته وأنه يعرف معانى الشعراء ولن يجهلها .
خصم رائع جدا من الميزاني لسلام العازمي الذي قد يكون فيه مطب وسيفهم من يدقق في السلام ورده , ثم يقول عبدالله ان البضاعة أو الشعر سيحرص عليها شاعر مبتدئ يتمنى اللعب مع الشعراء الكبار أما أنا فلم أفقد الشعر حتى تكون أمنيتي مقابلتك .
وبيت المعنى سيعطيه العازمي لما عرف الشاعر الذي سيقابله فيقول العازمي
( تحف الشنب وتربي اللحى ( أهل دين ) , مطير ( قبيلة ) , أحزاب ( الإخوان ) )
سنجد المعنى عن الإخوان ومعروف أن قبيلة مطير والدويش هم العمود الفقري والرئيسي للإخوان وقد كانت لهم وقائع مع قبيلة العازمي وواضح أنه أراد اللعب على هذا المعنى )
الساحر اللي دفن سحرك وثارت فيك الأسبـاب
والأرض تبكي على الطيّب تضمه فـي لحدهـا
جابتك من تحت الأرض الحية اللي جابت الداب
والنفس مـاأدري يصـدّق جدهـا والا جهدهـا
يقصد بالساحر ملك سلّح قبيلة العوازم ووضع عندهم سرايا لمقاتلة الإخوان بعد هزيمتهم في السبلة عام 1347 وهي أحداث معروفة , والطيّب الذي تبكي عليه الأرض هم شهداء الإخوان
ووضع الميزاني متضادت رائعة جدا ( سحر ساحر مقابل الطيّب , دفن سحرك مقابل الأرض التي تحرص على ضم الشهيد من الإخوان )
والحية اللي جابت الداب يقصد شيخ دولة خليجية أنقذ العوازم من الإبادة على يد الإخوان في قصة معروفة , والداب هو ملك أعادته تلك الحية الى وطنه ليحكم بعد ذلك , والمعنى أن تلك الحية ايضا أنقذت العوازم من الإبادة كما ورد في كتاب ديكسون المقيم السياسي البريطاني في الكويت .
ثم يرد عليه العازمي موضحا وحشية الإخوان وأنهم سفاحين أكثر منهم مجاهدين :
ياأصحابنا ياأهل الضفة فضحتونا في الأجناب ،، من حبكم للشهادة ترمـي المرضـع ولدهـا
تستمر المحاورة بروعة وبقوة وبمعاني جميلة جدا , عن أحداث وقعت ومعارك سابقة حدثت بين أعوام 1342 - 1348 مع مشاكل الإخوان واستغلال للظرف ,.
ولولا القبلية في المحاورة لأستمريت في سردها لأنها تدرس في قوتها وترميزاتها وروعتها وحبكتها القوية جدا .
وربما الكثير سمع المحاورة وخرج ولم يعلم عن ماذا يتحدثون بل الأغلبية الساحقة كذلك , لأن جمهور اليوم جمهور ( صراع الديكة ) .
وهذه المحاورة كاملة للإستزادة ومعرفة المعاني والتدقيق فيها :
نواف العازمي :
يامرحبا من هجوساً صادقاً ماهـو بكـذابب = أصحابنا اللي تواعدنا وتوفي في وعدهـا
بضاعة السوق وسط السوق ياللي تفتح الباب =وأنا اعرف الأوله والثانيه واللـي بعدهـا
عبدالله غازي :
دام البقا بالصحيّب اللي يعدي كل مرقـاب = ايخايل المزنه اللي سيلها يسبـق رعدهـا
بضاعة السوق مابين الشرار وفتل الاشناب = يشره على سلعـة البيـاع شرايـاً فقدهـا
الساحر اللي دفن سحرك وثارت فيك الاسبـاب = والأرض تبكي على الطيّب تضمه في لحدهـا
جابتك من تحت الارض الحيه اللي جابت الداب = والنفس ماادري يصـدق جدهـا والا جهدهـا
نواف العازمي :
ياأصحابنا ياأهل الضفة فضحتونا في الاجناب = من حبكم للشهاده ترمـي المرضـع ولدهـا
خلوني أضرب بسيفي كل ماحصلت مضراب = هاذي علوم الحقيقه ياابن غـازي واعتمدهـا
عبدالله غازي قائلا :
الكون كله مجرات وسماء ونجوم وتـراب = كم واحداً يطلب الحاجه ويرجع ماوجدهـا
ياراس مشعاب في هذا السنه ماانته بمشعاب = والعين ماادري يصدق دمعها والا رمدهـا
نواف العازمي
الناس راس وذنب وانتم كماهم روس وأذناب = خل النماره تنـزل روسهـا وتمـد يدهـا
ماودي انك تغيّب نورها والنـور ماغـاب = لو مامعك حجةً فالمحكمـه تثبـت سندهـا
راحت بيوت الشعر والشعر مع سعدون وعقاب = ياصاحبـن لامناسيـب البيـوت ولاعمدهـا
الليله انته لذيك وذيك لازم تحسـب حسـاب = وان شفت برق السحابه زاد جنب عن نصدها
عبدالله غازي :
انته ثنا عشر سنه تومي على راسك بمشهاب = وحنـا نسمـي عبدهـا اول مـن عبدهـا
اما تجي بالرضا والطيب ولا بأم غصـاب = ياطيّب الفال من حل البيوت ومـن عقدهـا
من أروع المحاورات وأقواها وأجملها
( تدرس منهجيا لكل طالب دخل هذه المدرسة أو شاعر قديم لم يتقن هذا الفن واصبح عالة على مدرسة هذا الفن الأصيل )
ملاحظة أخيرة في كلمة (( الكون )) التي قالها عبدالله الميزاني ولايقصد الكون والفضاء بل يقصد الكون وهو المعركة بلهجة أهل نجد وهذا أبداع في الجناس الكامل ليبعد النجعة على جمهور السطحية , وكذلك المجرات وجر الجيوش .
وسيدقق الشاعر الخصم وكذلك متابع المحاورة على البيت الثاني لأنه شفرة المحاورة الذي سيفك بقية المحاورة وبدونه ستكون محاورات الكبار مدغمة ولاتفك الا بالرجوع أكثر من مرة أو تستمر مدغمة على كل من لايعرف اسرار هذا الفن الجميل .
بيت المعنى الثاني وسيكون التدقيق فيه وهو زبدة المحاورة ومعه ستستمر قوية أو تقتل في مهدها اذا لم تفك رموز هذا البيت المهم جدا .
بيت المعنى الثاني من الشاعر الذي بدأ المحاورة وهو عبدالله الميزاني :
الشريف حسين فوق ايديه دماً من خدوده
قالو أنه جايباً له جوهره من بطن وادي
رموز بيت المعنى
( الشريف حسن ( ملك الأردن ) , خدود وجوهرة ( ربما تدل على إمرأة ) )
مالذي جمع بين الأردن وبين المرأة , ولأن خصم الشاعر هو سلطان الهاجري ومعروف علاقته بشاعرة اردنية هي ( سماح المساعيد ) فقد فك شفرة المعنى أن المقصود العلاقة مع تلك الشاعرة الأردنية .
لذلك رفض الهاجري إكمال المحاورة .
وفي محاورة سياسية بامتياز قامت بين الشاعر الكبير مطلق الثبيتي رحمه الله وبين الشاعر خلف هذال وهي قديمة جدا عندما كان مطلق يحضّر رسالة الماجستير في الأدب وذلك في مدينة لندن , وخلف هذال كان في دورة عسكرية في تلك المدينة فيقول مطلق الثبيتي :
لم يحدد الشاعر الذي طلبه وقال كلاً من الشعار , فرد عليه خلف هذال قائلا :
الايام يامطلق حواجيـز وشبـوك ،، تصحّي رضيع الديس من حلو نومه
هذا الليل عيد وليل الأجواد مشروك ،، تركنا الزمـان ولاتركنـا سلومـه
كأن الشاعر خلف وجّه الشاعر مطلق لمعنى معين استحسنه مطلق الثبيتي فبدع المعنى عليه فقال الثبيتي :
أبو زيد ظلا شيخ واليوم صعلوك ،، من اول شتا واليوم قيض وسمومه
تلين الليالي و أنعتق كل مملـوك ،، ولا ينعتق قلبـاً تزايـد همومـه
وجهها الشاعر الكبير الثبيتي الى اتجاه ( أبو زيد ) وهو رمز لشيوخ قبيلة الشاعرين أو لكل شيخ قبيلة ويصف وضعهم حاليا بصعلوك , ثم المماليك وهم العبيد الذين اعتقوا في هذا الزمن , ثم الأحرار الذين لم تعتق قلوبهم واصبحوا أسرى هذا الزمن .
وظلا في لهجة أهل نجد أي أستمر زمنا طويلا .
وبيت المعنى في كلمة الثبيتي حينما قال ( ظلا شيخ ) اي استمر مدة طويلة شيخ الا انه أصبح في هذا الزمن صعلوك
ثم يواصل خلف المعنى مع الثبيتي فيقول موضحا أن العيب هو في الشيوخ وليس في الزمن فيصفهم خلف بوصف رائع :
ابو زيد في عقله دواكيك وشكـوك ،، وبعض الحرار أخّر من العش بومة
بغيت المعالي والمعالي لها شـوك ،،وتمراً يبس في نخلتـه لاتسومـه
يصف خلف شيوخ القبائل ورمزهم ( ابو زيد ) بأنهم بوّم أتت من حرار أي من صقور ويقول بعضهم وليس كلهم أي انه ليس كل أبن شيخ قبيلة يستحق أن تكون له مكانته , ثم في بيته الثاني يقول خلف لمطلق لاتعتمد عليهم كثيرا يالثبيتي لأنهم أشبه بتمر يبس في نخله ولم يعد الزمن زمنهم .
وتستمر المحاورة بروعة بين حجة الثبيتي وحجة خلف التي أرى أن خلف حجّ بها الثبيتي لأن الحق معه .
وهذا سبب جمال مثل هذه المحاورات التي تتعمق فيها وترى ماقيل بوضوح تام وإبداع في معاني كل شاعر .
في محاورة سياسية بين عبدالله الميزاني وفيصل الرياحي سأعطي بيت المعنى يقول عبدالله الميزاني :
هلا مرحبا والباب غيره مية باب = على شان غض الطرف غير الطرافة
بيت الترحيب وفيه يوضح الميزاني لخصمه إنه سيحاول غض نظر الناس عن معناه وهنا يتضح انه يريد أن يتحدث عن موضوع حساس لايريد احدا ان يكشفه وسيكون تركيز خصمه قوي على بيت المعنى لأن التحذير وصله وانه يريد غض طرف الناس عن معناه .
فيواصل عبدالله الميزاني بيت المعنى :
أبو بدر يطري له شبابه ليا شـاب = ولا أدري يخيف الموت والا يخافه
أبو بدر هو كنية فيصل الرياحي وهو خصم الشاعر في تلك المحاورة لكن الرياحي عرف أن المقصود ليس هو لأن البيت السابق وضح خصمه أنه سيغض طرف الناس عن معناه وأيضا سيضع بدلا من الباب الواحد مية باب اي ان الكلام ليس مباشر بل ملغم وله معاني بعيدة جدا لذلك خصمه حتما سيبعد النظر ويرى , وبالطبع لن يرى الا الشعراء الكبار .
وبدأ خصمه بتجميع الرموز
( يطري له شبابه ويتذكره , يخيف الموت , طال عمره اكثر من اللازم , يخاف الشاعر أن يصرح بمعناه , سيضع بدلا من الباب وهو المعنى المباشر مية باب أي معاني بعيدة لتشتيت نظر الجمهور ولأن المعنى حساس )
لذلك اتجه المعنى فورا لمسؤل كبير طال عمره كثيرا فكان يتسأل الميزاني بنوعا من الطرافة هل الموت يخافه أو ...... ؟
لذلك رد عليه الرياحي وكسر شفرة المعنى وقال :
ثم يقول الرياحي في بيت آخر جميل مذكرا بإسطورة متداولة تقول أن هذا المسؤل سيمكث في المسؤلية ثلاثين سنة ( عشر سنين واقفا وعشراً جالسا على كرسيه وعشراً على سرير المرض ) لكنه مات رحمه الله قبل إكمال الثلاثين واتضح كذب هذه الأسطورة التي أسمعها كثيرا , المهم أن الرياحي قال مذكرا باسطورة الثلاثين سنة :
تبا تفتح الدنيا ثلاثين دولاب = وتلقى معزب والكرم لاتعافه
ملاحظات اخرى على فك شفرة بيت المعنى
احيانا يأتي الشاعر صاحب المعنى ببيت يصعب على خصمه أو قد لايفهمه فلذلك يحاول الخصم أن يجاريه مقاربا للمعنى حتى يتضح له في الأبيات القادمة .
او يطلب بكل صراحة وفي ابياته أن يوضح خصمه المعنى أكثر .
وهذه تحدث .
مثلا محاورة أتذكرها كثيرا وهي التي تنبئت فيها بخروج موهبة شعرية عملاقة تستحق أن تكون في القمة وهو
( بحر جدة ) عبدالله ابن عتقان السلمي , هذا الشاعر رائع وقوي , وعموما قبيلة سليم هم أساس قوي لشعر المحاورة ولايلعبون ابدا على السطحية او المعنى الواضح ويعشقون شعراء الجزالة والرمز ودفن المعنى وكذلك المعاني القوية , وقبيلة سليم لاتدعوا لحفلاتها في الغالب الا شاعر متمكن وكبير ولاتغرها شهرة الشعراء أو جماهريتهم لأنهم يعرفون الشعراء الحقيقيين ويمكن بملاحظة حفلاتهم معرفة ذلك .
المهم ان الشاعر عبدالله ابن عتقان السلمي أعطى الشاعر مصلح الحارثي الذي أنا متحفظ على سمعته التي لايستحقها وقد تتبعت الكثير من محاوراته ويضيع فيها وهو شاعر عرضة أكثر منه شاعر محاورة وليس قوي في ميدان المحاورة , ولكن هذه الأيام البروز والجماهرية اصبحت تخضع لأشياء أخرى منها الصوت والهياط وغيرها .
أبن عتقان السلمي أعطى لمصلح لحارثي معنى جميل جدا وتمنيت ان المحاورة لدي الآن , ومعناها عن غلاء الاسعار وماحصل للناس من خسائر في سوق الاسهم , اعطى المعنى برمزية رائعة وبابداع , لكن مصلح الحارثي لم يفهم المعنى وطلب في بيته أن يوضح له ابن عتقان المعنى أكثر , وابن عتقان شاعر ذو أخلاق عالية وحتى لايضيع المحاورة وضّح له المعنى ايضا بصورة رائعة أتذكر الى انه اشار الى وادي حنيفة وأهله والى شئ من هذا القبيل ليدل على مكان المتحكمين بذلك لا اذكر البيت لكن اذكر توضيحه الذي ازال اللبس كثيرا .
ولم يدرك الحارثي المعنى ايضا .
وانهارت المحاورة على يد مصلح الحارثي .
وخرجت الى العشوائية والتفاخر بالشاعرية للتغطية على الحرج الذي اصاب الحارثي وهذه الحركة يعملها الشعراء غالبا اذا اضاعوا المعنى يكون النقاش حول اضاعته للمعنى ثم يرد الأخر متفاخرا بشاعريته وان الشاعر لم يأتي بمعنى وهكذا فتخرج المحاورة للعشوائية , وإكمال المحاورة فقط حتى لاينتبه الجمهور .
الشاعر يعذر اذا لم يبدع خصمه في صنع معنى ولم يصنع ترميز واضح ذو دلالة قوية ومعبرة وليس مجرد تشتيت بدون أي خيط يدل عليه , لكن اذا كان الرمز والمعنى ذو دلالة يعرفها الشاعر المقابل بقليل من التأمل والتركيز فسيكون اللوم عليه لانه هو الذي اخرج المحاورة من معناها الجميل .
وفوق ذلك شعراء اليوم الشباب لايصنعون معنى بل يقولون كلام سطحي كأنهم في سوالف عامة مثلا ( حنا ذبناحكم وحطينا فوق خمسة شواهد ) .
وفي محاورة جرت بين الشاعر الكبير مستور العصيمي وبين الشاعر مصلح الحارثي وكان البادئ هو مصلح الحارثي ويفترض أنه هو من يعطي المعنى أو يفتل أو يطرح حجته لكنه لم يأتي بمعنى للمحاورة فقال الحارثي بادئاً :
ياسلام الله عليكم من هجوساً ماتبدل = مايغيرها الزمان ولايغيرها المكاني
سلام عادي وكعادة الشعراء يخلوا من بيت المعنى الذي يراد اللعب عليه .
ثم في البيت الثاني الذي يفترض أن يكون هو بيت المعنى قال الحارثي :
نعم والله بالرجال اللـي فعايلهـم تجمـل = واضحه مثل القمر والشمس وسهيل اليماني
هذا البيت يخلوا تماما من المعنى مثلا اذا قلت نعم بقبليتي , هل هذا معنى يستحق النقاش , هذا البيت خالي من المعنى .
ولو أراد النقاش عن قضايا قبلية او معارك كان ينبغي له صنع رمز لحادثة تاريخية او قضية معينة , اما التعويم للبيت وبمثل هذه الصورة جعلت بيت المعنى ليس بيت معنى بل سلق كلام .
رد عليه مستور مع أن الأفضل أن مستور العصيمي ينتظر و لايستعجل في طلب بيت المعنى فقد يكون خصمه الشاعر فاته أن يضع معنى ورمز يلعب عليه وقد يأتي به في ابيات قادمة بشرط ان لاتتجاوز البيت الثالث أو الرابع والتعجل في نسف المحاورة وطلب الحجة هجوم يقتل المحاورة التي ربما تتعدل أو تعود لمسار أفضل أذا أنتبه الشاعر لضعف معناه أو انه لم يأتي بمعنى أصلا , والاحظ على مستور العصيمي رغم أنه شاعر كبير الا انه يتعجل ويريد المعنى فورا ولايجاري الشاعر ويطلب معنى أقوى وهذا طبع شرس في العصيمي , فهو لاينتظر .
ستكون الحجة على الحارثي اقوى لو طلب العصيمي منه معنى أفضل أو جاراه حتى يصنع الحارثي معنى افضل ولم يهاجمه فورا , بعكس ابن عتقان السلمي الذي ذكرت لكم موقفه مع الحارثي سابقا فلم يتعجل السلمي وكانت نقطة قوية له ضد الحارثي .
قال مستور العصيمي لما رأى أن الحارثي لم يصنع بيت للمعنى فقال :
ثم رد مستور على بيت المعنى المفترض قائلا وموضحا أنه لم يشاهد معنى يستحق فيقول مستور :
انت راعي حجةً تطلب طلب والا تعلل = ماتجي لك ماتجي لك ياعميلي بالتماني
اي أني لم اشاهد لك حجة فهل ان تطلب طلب مني أني اتي أنا بالمعنى او تتعلل وتسولف سوالف عادية ليست شعرا .
خرجت المحاورة عن معناها بسبب تعجل العصيمي وايضا بسبب ضعف معنى الحارثي فأصبحت تفاخر بالشاعرية بدون معنى فيقول الحارثي :
كل ماعدل عصا دنيـاي عيـت ماتعـدل = والسنين الباقيه مدري تسـع ولا ثمانـي
حجتـي وردتهـا للعـد وحبالـي مفتـل = والعصيمي شاب راسه بين كان وبين ماني
فقدان المعنى القوي أو عدم وجوده في بيت المعنى شئ كبير في حق الشعراء الكبار لذلك يهاجمون بعض اذا لم يروه , الحارثي لم يأتي ببيت معنى يستحق أو حجة مثلما قال العصيمي , والعصيمي هاجم الحارثي لانه لم يرى ذلك البيت , فخرجت المحاورة من اطارها الى التفاخر بالشاعرية ورفع الحرج وإكمال اللازم فقط حتى لاينتبه الجمهور .
ربما لو كان العصيمي اقل هجوما ربما عاد الحارثي وصاغ معنى في بيته الثالث أو الرابع لكن هجوم العصيمي جعله ايضا يكابر ولايصنع معناه ويدّعي الحارثي انه وضع المعنى أو الحجة مكابرا لكنه فعليا لم يضعها فيقول :
( حجتي وردتها للعد وحبلي مفتل ) ؟؟! .
السر الثاني من أسرار هذا الفن :
2- الفتل والنقض :
الفتل والنقض .
أو الحجة والحجة المضادة .
اذا كان معنى الشاعر قوي ومحكم ويصعب الرد عليه من ناحية معناه أو مجاراة قوة معناه , ثم اتى خصمه ببيت يزيد قوة في المعنى عن خصمه وينسف حجته أو يجعلها ضعيفه فأنه نقض لفتل البيت ومن الأمثلة الكثيرة التي تحفل بها محاورات الكبار فقط .
قال نواف منور العازمي رحمه الله وهو شاعر محاورة كبير في المحاورة التي اوردتها كاملة في أول الموضوع .
وهي تتحدث عن أمور وقتال جرى بين الاخوان في عهد الملك عبدالعزيز بقيادة الشيخ فيصل الدويش وذلك بعد قتالهم للملك عبدالعزيز وبين قبيلة العوازم ومعهم سرايا للملك تقاتل في صفهم فقال نواف منور العازمي :
الناس راس وذنب وانتم كماهم روس وأذناب = خل النماره تنـزل روسهـا وتمـد يدهـا
أي انك ياعبدالله الميزاني تتحدث عن امور ومشاكل قبائل حدثت بين شيوخ ورؤس وانت لست منهم فلماذا تستميت في الدفاع عنهم , أي أنك من عامة مطير ولست مؤهلا للدفاع .
هذا بيت فتل سيجد الشاعر الكبير عبدالله الميزاني معنى قوي جدا ينقض حجة نواف العازمي فقال الميزاني :
معنى رائع وقوي اغلق الباب على حجة نواف العازمي ومعناه أن البيت لابد له من عمود يقوم عليه وطنب يشد به البيت حتى لايرتخي ويقصد عبدالله بذلك أصل القبيلة ومكانتها بين القبائل , فالقبيلة التي من هذه الفئة لاتقوم على عمود وطنب يسندها , فمهما بنت أو مهما فعلت فإنها مثل هدمها أي لاقيمة لشئ تفعله لأن الأساس والعمود والطنب غير موجود .
ومن نفس المحاورة هناك بيت آخر يقول نواف العازمي فاتلا لمعنى :
خلوني أضرب بسيفي كل ماحصلت مضراب = هاذي علوم الحقيقية ياابن غازي وأعتمدهـا
يقول العازمي أن قبيلتة متى ماوجدت الفرصة فأنها ستضرب عدوها , فلاتلام على فعلها لأن ذلك الزمن كان الكل يتربص ببعض والعدواة قائمة .
نقضه عبداله الميزاني بصورة قوية جدا فقال :
ياراس مشعاب في هذا السنه ماانته بمشعاب = والعين ماادري يصدق دمعها ولا رمدهـا
راس مشعاب هي منطقة جنوب الخفجي وقعت فيها معارك بين قبيلة العوازم وقبيلة مطير سابقا فقال أبن غازي هل دمعة العين البسيطة ويرمز لها بما فعل العوازم بقتل قليل من مطير بمن فيهم الشيخ هابس ابن عشوان وعددهم لايتجاوز 10 رجال , هل يقارن بالرمد الذي وقع للعين حتى دونت تلك الحادثة كتب التاريخ ودونت انقاذ ابن صباح للعوازم من الفناء وإدخالهم الكويت وايقاف الدويش عن مطاردتهم بالطائرات البريطانية .
فهل دمعة العين مثل رمدها .
ولكن رغم حساسية مايتحدث عنه الشاعرين نواف العازمي وعبدالله الميزاني من امور قبلية الا انهما دخلا وخرجا بدون ان يكتشف أحدا ماكانا يتحدثان عنه , وأتذكر الحفلة جيدا فقد كانت عند العوازم ولم يحصل فيها أي شئ يعكر الجو , بعكس الشعراء الشباب الي لايتقنون الرمز ودفن المعنى وياتون بأبياتهم واضحة جدا فمثلا اذا أراد الحديث عن مشاكل القبائل ومعاركهم فأن الجمهور يعرف ماذا يقولون وكيف يردون ويحدث حرج كبير جدا , وقد حدثت الكثير من المشاكل للشعراء الشباب وأتذكر موقف سلطان الجلاوي في حفل مزاين قبيلة قحطان عندما كان ضيفا لتلك القبيلة رد على شعرائها بوضوح لأن الشعراء الشباب لايتقنون هذا الفن ويلعبون بشكل سطحي وواضح ولم يخرج من تلك القبيلة الا بحراسة أكثر من خمس دوريات شرطة حتى تم ايصاله الى بلدته , وهنا الفارق الذي اتحدث عنه كثيرا .
الشعراء الكبار حفظوا كرامة هذا الفن من السطحية , لكن الجمهور السطحي ادخل الشعراء السطحيين معه حتى يكاد هذا الفن يتحول الى صراع ديكة لايلبث ان يمل منه الجميع ويغادرونه بغير رجعة , لابد من إحياء اصول المحاورة الحقيقية هذا الفن الجميل والعريق , وأنقاذها والا أصبحت حديثا تذروه الرياح .
من الفتل والنقض أيضا .
وفي محاورات أهل الحجاز وهي مقياس رائع لهذا الفن الأصيل لأنهم هم قاعدته الاساسية ومنهم انتشر الى غيرها من المناطق .
كانت محاورة بين الشاعر الكبير الجبرتي رحمه الله وبين مبروك ابو ناب الحربي وكان موضوعها وكما يتضح من االابيات هي طريق رئيسي تم ايصاله لديار قبيلة سليم وهم في الحجاز بين مكة والمدينة وكان جيرانهم قبيلة حرب , وكان الطريق عليه نزاع وكل قبيلة تريد أن يمرها وحصلت عليه قبيلة سليم اخيرا ومر بديارها , ومثل هذه الطرق تخدم القرى وتحييها وتنعشها تجاريا اضافة الى تخفيف المسافات على أهلها , لذلك قال الجبرتي ابيات فكاهية لأبوناب الحربي, قائلا له ( مرّ ديار سليم على الطريق وتمش فيها وأكشت وأعمل رحلة برية لكن لاتبني فيها بيوت لأن سليم لن يسمحون لك وهذه أبيات جميلة قالها الجبرتي :
الخط ميّل مع ديار سليم يوم الحـظ قـام =واليوم ديرة حرب يامبروك يعوي ذيبهـا
لا كن تعالوا عندنا ياصاحبي وابنو خيـام = بس الحجر والطوب والأسمنت لا تبني بها
نقض مبروك الحربي ابيات الجبرتي بمعنى رائع ذاكرا له بأن الفعل يوم كان لأهل الفعل قبل ستين سنة أي عندما كانت القبائل تفعل والدولة غير موجودة فأن قبيلة حرب هي التي تفوقت , واليوم وقت الأمان فأن الأمر للحكومة غصبا عن الجميع سواء رضينا او زعلنا أو وصل الخط لدياركم او ديارنا فيقول مبروك ابو ناب الحربي :
حنا كسبنا الأولات اللي لها ستيـن عـام = تدري بها والا ليا ذا الحين ماتدري بهـا
والخط ماهو خطكم تخطيط مرحوم العظام = واليوم نمشي به على خبث الدروب وطيبها
##########
يقول شاعر مغمور اعلاميا لكنه كبير كعادة شعراء الحجاز القدماء وهو حبيب الزبالي الحربي :
ما كرهنا الطرقة اللي درجّت شيخ القبيلة = جالنا بأول شهر هذا الشهر جيتو وجينا
أي أن شيخكم ياقبيلة سليم وهم قبيلة خصمه الشاعر ( ابو مشعاب ) يقول ان شيخكم أتي لنا قديما في مثل هذا الشهر ولم نكره طرقته اي لم نكره قدومه الينا رغم انه يريد القتال وهذا دليل شجاعتنا , ودرجته منيته الينا في ديارنا .
عهدنا بك في زمان النار تقبس بالفتيلة = غاب نجم سهيل والليلة ظهر جيتو وجينا
يقول اننا نعرفك ونعرف قبيلتك في زمان النار اي وقت تقاتل القبائل نراك تقبس بفتيلة البندقية, لكن نجمك غاب في ذلك الزمن من فعول القبائل فيكم , لكنه الليلة ظهر في وقت الآمان .
وهذا النقض الحقيقي وابداع الكبار .
#####################
وفي محاورة بين الشاعرين الكبيرين مطلق الثبيتي وأحمد الناصر الشايع يقول مطلق لناصر في بيت فكاهي ومعروف ان الناصر صاحب تدين والثبيتي يقول ان لعبك في المحاورات ومقارعتك للشعراء الهتك عن الدين والعبادة فيقول الثبيتي :
نسيت الفقه والتوحيد والتفسير والتجويد
بعد عودت معهم كل يوماً تلعب الكـوره
رد عليه الناصر يقول اك يالثبيتي تعض وأنت لم تأخذ جواز لسفرك الأبدي وهو الموت فأنت بلاجواز وبضائعك للآخرة قليلة فكيف تنصحني وانا لا اضيع جوازي فيقول الناصر :
تكايدني واناخا برك رجالاً تحب الكيـد
جوازك للسفر ما فيه توقيعاً ولا صوره
#######################
في نقض طريف وفكاهي جرى بين الشاعرين الكبيرين محمد شريف الجبرتي رحمه الله وبين مستور العصيمي .
وكانا مسافرين على طائرة لدولة شرق آسيا , وكانا يتندران على إن النساء والرجال يشبهون بعضهم , فخطرت للجبرتي أبيات قالها وهم في الطائرة فقال الجبرتي :
اليوم يامستور من تحت السماء فوق السحاب = والبنت ماتعرف من الرجّال غيـر بحسهـا
حسها = صوتها .
ويقول الجبرتي لبعض جلسائه بعد ذلك , أنني قلت هذا البيت حتى يقول العصيمي ( ؟؟؟ سها ) عضو المرأة .
يقول أردت احراجه .
لكن العصيمي بذكائه خرج من الفخ وأعطى الجبرتي حل بسيط فقال :
أن كانها صعبه عليك الرب حلال الصعاب = ادخل يمينك مع مخيط البنطلـون وعسهـا
يعني تلمّس وتحسس بيدك حتى تعرف هل هو رجل أو امرأة .
وهذا البيت طريف جدا وبقى لطرافته , وهو من جميل النقض الرائع والذكي , فقد وجد العصيمي حل لمشكلة الجبرتي ووضع يمينه في مخيط البنطلونات .
اكمال الأمثلة عن السر الثاني ( الفتل والنقض )
في نقض للشاعر الرائع جدا عبدالله الميزاني وهو الملقب ( سوار الذهب ) حمل هذا الاسم لأن شعره ذهب حقيقي وهو شاعر كبير جدا , ابعده المرض عن الساحة وكذلك ماتعانية الساحة من ضعف وركاكة كبيرة ودخول السطحية والشعراء الضعفاء واستحواذهم على الساحة ففضل الابتعاد عندما ابتعد الكبار ايضا مثل شليويح شلاح ومثل خلف هذال ومثل ومثل سعود ابن رازن وخليف ابن دواس وحبيّب العازمي والزلامي .....
وغيرهم من الشعراء الكبار الذين فضلوا الانسحاب حفاظا على كرامة الشعر .
وفي فتل ونقض رائع بين الشاعرين حبيب العازمي وعبدالله الميزاني في محاورة قبل مايقارب سنة من الآن , و كان بيت المعنى في تلك المحاورة هو قول حبيّب العازمي
أنا شاعر ولي وجهة نظر وحده فقط لاغير ،،، أقول الشعر غبه من طفح عنهـا تعداهـا
أي ان المعنى سيكون عن الشعر .
أمثلة من النقض والفتل في تلك المحاورة .
1- قال حبيّب العازمي :
والا ياطير ياللي مايشوفك غير جن مطير= متى تلقى الطيور اللي مخاليبك تعشاهـا
يقول الشاعر حبيب العازمي لعبدالله الميزاني أنك ياعبدالله طير حر وتصيد , لكنك محصور عند قبيلتك مطير ولاتجد فرائس كثيرة تصيدها أي لاتتواجد بكثرة بين الشعراء الكبار أو لست متواجدا بينهم .
فمتى ستجد الفرائس أو الشعراء الذين ستتغلب عليهم من القبائل الاخرى أذا كنت محصور في قبيلتك مطير فقط !!!.
أي أنك ياحبيب متواجد لكن بخدمة التأجير ومكاتب تأجير الشعراء التي يملك الشاعر حبيب منها العديد وهذه المكاتب تخدم الشاعر لأنها تضع شروط مسبقة وشلل شعراء , وشروط على من يطلب الشعراء , فعندما يأتي الزبون لطلب شاعر يضعون له قائمة سوداء لايلعب معهم , وكذلك يضعون للزبون شعراء مفضلين أو ينسقون بينهم في مقابلاتهم ويضعون جداول حتى يقابلوا بعض وغيرها من طرق الاحتكار والشلل المعروفة عن هذه المكاتب , وحبيب ومستور العصيمي وصياف الحربي رحمه الله كانوا يملكون مكاتب كثيرة خاصة في الحجاز وابعدوا عنهم شعراء كبار مثل عبدالله الميزاني ومثل فيصل الرياحي وغيرهم .
لذلك يقول عبدالله أن سبب تواجدك مع الشعراء الكبار هو بسبب مكاتب التأجير التي خدمتك وابعدتني عنكم وعن افتراسكم .
ويقول عبدالله أني اتعدى هذه الطرق واتجاوزها لاني أكبر منها ولا أنزل نفسي لمثل هذه الطرق الملتوية .
2-ثم بيت فتل آخر من نفس المحاورة يقول حبيب العازمي في بيت اوله مدح وآخره هجاء مبطن :
أنا مانيب مثل اللي يقولون الذهب قصدير = واخو مره على الجره لاكحلها ولا اعماها
يعني أنا لست مثل من يقول الذهب ويقصد الشاعر سوار الذهب فلست اقول انك قصدير , وهذا مدح , لكنه وكعادة الشعراء في وضع المطبات قال له :
( اخو مرة على الجرة لاكحلها ولا أعماها )
أي أنك لم تعمي العين ولم تكحلها فأنت وسط .
نقض عبدالله الميزاني بيت حبيب بصورة رائعة فقال بنفس طريقة حبيب مدح في الشطر الاول وهجاء مبطن في الشطر الثاني , وهذا هو النقض باصوله الحقيقية :
وأنا مااقول فيك اطقوق لاقاصر ولا تقصير = ليا ضيعت لك حاجه بعد شهريـن تلقاهـا
وبعدما مدحه الميزاني في الشطر الاول مافيك قصور واطقوق , تحول للهجاء المبطن وبنفس طريقة حبيب فقال انك ياحبيب اذا ضيعت المعنى ولم تجده أو تعرفه , فلن تجده الا بعد شهرين من المحاورة .
فهذا اسواء من الذي لم يكحل ولم يعمي .
3- وأيضا في نفس المحاورة وفي اقتباس من آية كريمة يقول حبيب :
لو ان الذيب يمشي لين يصدم في جبال النير = مصيبة قـوم صالـح ناقـة الله وسقياهـا
أي أنك ياعبدالله مثل من يحاول ان يصدم جبل , والنير جبال معروفة في نجد , ويقول حبيب انت ياعبدالله ناقة الله وسقياها وتطلق على الرجل الذي لايعلم أين طريقه أو وين الله حاطه .
رد عليه عبدالله غازي ناقضا البيت بأقتباس من آية كريمة ايضا , وهنا يتضح قوة النقض آية بآية دالة على المعنى بكل قوة . .
فقال عبدالله الميزاني ناقضا المعنى بروعة كعادته :
من اللي يحسبن الخمر والميسر لحم خنزيـر = والارض وماطحاها من ضحاها الليل يغشاها
أي أنك ارض ياحبيب والأرض أسفل السماء , وأن الليل يغشاك منذا الضحى أي أنك في ظلام الغباء منذا اول الطريق أو منذا أول المحاورة وأنت يغشاك ظلام هذا الغباء .
مقتبسا ذلك من قوله تعالى (( والأرض وماطحاها والقمر اذا تلاها والليل أذا يغشاها ))
ووظف الميزاني معناه في ان حبيب منذا الضحى رمزا لأول المحاورة ولأن الضحى اول النهار , فمن الذي يغشاه الليل منذا الضحى ؟؟ , هذا الليل الذي يغشى هو ظلام الغباء ولأن الحديث عن المحاورة وقوة الشعراء وضعفهم فقد كانت توظيفات ونقض رائع جدا من الفذ عبدالله الميزاني ( سوار الذهب ) .
وروعة أخرى لتوظيف عبدالله الميزاني للمعنى كان من نفس السورة سورة
( الشمس ) وقد أخذ منها حبيب قول اله تعالى ( ناقة الله وسقياها ) ووظفه وكما هو معروف ومتداول أن هذا الوصف يطلقه اهل نجد على الرجل الأجودي الذي لايعلم أين موضعه من الاعراب أو الرجل الداج والمعنى كله في الشعر لأن كل المحاورة كانت تتحدث عن شاعرية الشاعرين الكبيرين .
ووظف عبدالله الميزاني معناه بكل قوة في ضياع حبيب وتوهانه عن المعنى وغشيانه بظلام الغباء منذا أول المحاورة واقتبس ذلك كما قلت من الآية التي ذكرتها سابقا من نفس سورة ( الشمس ) .
وهذه المحاورة كاملة للإستزادة وهي ملئة بالنقض والفتل الرائع وكذلك المعاني الرائعة وستكون لي عودة باذن الله في موضوع خاص للتعمق كثيرا في بعض المحاورات ومنها هذه المحاورة .
حبيّب العازمي :
سلام بقاف للعراف مطوي مثل طي البير = وطيّ البير يحفظها مايدفنها علـى ماهـا
أنا شاعر ولي وجهة نظر وحده فقط لاغير = أقول الشعر غبه من طفح عنهـا تعداهـا
عبدالله الميزاني :
هلا يامرحبا ترحيب يسبح في بحر ويطير = يحل من الديـار اللـي حبّيـب ماتحلاهـا
كلامك مايتعبنـي بسيـط ولايبـا تفكيـر = ابا اكتب لك حروف منقطه بسطور وامحاها
حبيّب العازمي :
والا ياطير ياللي مايشوفك غير جن مطير = متى تلقى الطيور اللي مخاليبك تعشاهـا
ياعبدالله هداك الله تراك بخير وانا بخيـر = لكن الرجل يتعب في لزومه ليـن يلقاهـا
عبدالله الميزاني :
أقول انك واشك انك تبيع الاجر بالتأجير = وهاذي عدها يالعازمـي وانـا اتعداهـا
أبو سبعة كفر يمشي ولاهو مثل ابوجنزير = ابوجنزير يسرف فالجبال اليـا تولاهـا
حبيّب العازمي :
أنا مانيب مثل اللي يقولون الذهب قصديـر = واخو مره على الجره لاكحلها ولا اعماهـا
لو ان الذيب يمشي لين يصدم في جبال النير = مصيبة قـوم صالـح ناقـة اللهُ وسقياهـا
عبدالله الميزاني :
أنا مااقول فيك اطقوق لاقاصر ولاتقصيـر= ليا ضيعت لك حاجه بعـد شهريـن تلقاهـا
من اللي يحسبن الخمروالميسر لحـم خنزيـر = والارض وماطحاها من ضحاها الليل يغشاها
حبيّب العازمي :
ليا طاب المريض من المرض وش حاجة التقرير- نهايـة علتـه يومـن ربـي يسّـر ادواهــا
عطاك الله من هموم الليال السـود حمـل بعيـر= وحدتّك الجمال اللي هديـرك ضـاع فرغاهـا
عبدالله الميزاني :
سمعت انك عميلاً تدعم الارهاب والتفجير= من اللي كنت تنفض راسها وتحك علباها
ولاكن البنادم ماعليه ان المصير يصيـر = وتطهير النفوس احسان نيتهـا وتقواهـا
حبّيب العازمي :
كبنك قد قضيت اسبوع في كابل وفي كشمير = وحالق لحيتـك وتعيـر العربـان بلحاهـا
والا يالزير سالم ليت مثلك لونـص الزيـر = علشان العرب تعرف عصاها اللي تعصاها
عبدالله الميزاني :
ولا يالعازمـي مسـرع ومتهـور بـدون انبير = ولا يازينها لو القدور البيض بغطاهـا
أكل مفرودها سبع الخلا وازرت ترام الضير = ولاندري من اللي عندها ويـروح ماجاهـا
حبيب العازمي :
أناخابرك ماتسرع ولاكنك عكست السير = وجتك النجده اللي يقبس ادناها مع اقصاها
عساها ماترام الا بعد يحصلهـا تدبيـر = وعبدالله يرعاها مايدري كيف يرعاهـا
أضافة و شرح لبعض ماورد في المحاورة الرائعة .
في آخر المحاورة معاني قوية عن مشاكل حصلت للشاعرين مع الحكومة إما اللي يحك راسها العازمي وعلباها فقد كانت رد أن حبيب قال أنك يالميزاني مريض وكما ذكرت سابقا فهو يعاني من أمراض عضوية , فقال عبدالله الميزاني أنك تحك راس وعلبا القاروروة ياحبيب وطبعا معروف قصد الميزاني , وبقية الابيات في آخر المحاورة ركزت على امور شخصية في الشاعرين أما أولها ومعظمها فقد كانت تتحدث عن شاعريتهم .
وفي آخر المحاورة يقول عبدالله الميزاني ( أنه مفرود الناقة الوحيد ) افردوه الشعراء الكبار وتركوه , والناقة رمز لفن المحاورة فعبدالله الأبن الوحيد لهذا الناقة أو لهذا الفن والبقية هم سباع غرباء لايمتون بصلة لتلك الناقة , والسبع رمز لظلم الناس أوأنهم اجتمعوا على ظلم هذا الشاعر الفذ والذي غلبه ظلمهم , ثم حاولوا وضع ضير , والتضيير هو أذا مات ولد الناقة يضعون جلده فوق حوار آخر حتى تشم أم الناقة رائحة جلد حوارها الميت ثم ترام الحوار الجديد وتظن أنه ولدها فتعطيه من لبنها وتعتبره ولداً لها بسبب طريقة وضع الجلد على الحوار الجديد , وهذا التصوير العبقري من الميزاني بقوله :
@أي ان عبدالله مفرود الناقة , رمزا الى أنه الشاعر الاصيل الوحيد .
@وأنه مفرود , والمفرود لفظ لأبن الناقة التي فطمته عن الرضاع , واستخدم عبدالله لفظ مفرود الرائع والدال على ان الشعراء الكبار جعلوه فردا وحيدا وتخلوا عنه وحاربوه بكل قوة .
@سبع الخلا الذي اكل المفرود , هو ظلم الناس والجمهور وكذلك الشعراء الكبار له ولفن المحاورة الاصيل والحقيقي ككل .
@ازرت أي عجزت
@ترام , أي ان الناقة عجزت أن ترام او تحن على الضير أو الأبن الجديد الذي يحاولون وضعه لها , ورمزية عبقرية لمحاولة الناس استخدام شعراء غير اصيلين ووضعهم جبرا وفرضهم على الناقة التي هي رمز للمحاورة أي اولئك الشعراء ملفقين وتخدع بهم تلك الساحة الشعرية الرائعة .
@الضير هو الحوار وصغير الابل الذي ماتت أمه ثم يوضع عليه جلد حوار آخر ميت ويحاول أن يقرب من أم الحوار الميت حتى ترامه وتحن عليه وتنخدع وتظنه ولدها بسبب رائحة الجلد , وكل هذا الرمز لأن الشعراء الذين يحاول الناس فرضهم على ساحة المحاورة هم ملفقين .
سوار الذهب فعلا هو ( مفرود الناقة الوحيد ) والأغلبية الساحقة ( ضير الناقة الملفق
هناك شئ مهم جدا جدا في النقض والفتل
وهو أن الشاعرين يردان على بيتين مرة واحدة .
البيت الاول ردا على البيت الاول , والثاني ردا على البيت الثاني , الثالث ردا على الثالث والرابع ردا على الرابع ...........وهكذا .
ولكن لان الشاعر يأتي ببيتين سوية فقد يكون هناك صعوبة لمتابعة المحاورة لكن قد يكون للبيت الاول معنى خاص وللثاني معنى خاص ويرد عليهما الشاعر كل بيت له مقابل .
مثلا الشاعر حبيب يقول في المحاورة السابقة التي كتبتها لكم :
ليا طاب المريض من المرض وش حاجة التقريرنهايـة علتـه يومـن ربـي يسّـر ادواهــا
عطاك الله من هموم الليال السـود حمـل بعيـروحدتّك الجمال اللي هديـرك ضـاع فرغاهـا
يرد عليه عبدالله الميزاني :
سمعت انك عميلاً تدعم الارهاب والتفجير = من اللي كنت تنفض راسها وتحك علباها
ولاكن البنادم ماعليه ان المصير يصيـر = وتطهير النفوس احسان نيتهـا وتقواهـا
نلاحظ ان حبيب العازمي يقول في بيته السابع من تلك المحاورة :
( اليا طاب المريض من المرض وش حاجة التقرير = نهاية علته لمن ربي يسر دواها )
لاحظوا أنه يقصد مرض عبدالله غازي وهو مصاب بامراض عضوية ابعدته كثيراً عن ساحة الشعر , فيقول حبيب أذا طبت من المرض يالميزاني لماذا التقارير تصدر عن حالتك الى الآن , وعسى أن تطيب علتك , يقول ذلك بنوعاً من الشماتة والأستهزاء .
سنجد عبدالله غازي في بيته السابع ايضا يرد على بيت حبيب السابع فيقول الميزاني
:
( سمعت أنك عميلاً تدعم الأرهاب والتفجير = من اللي كنت تنفض راسها وتحك علباها )
هذا البيت ردا على بيت حبيب وفي مكانه ( السابع مقابل السابع ) , سمعت أن تدعم الارهاب والتفجير , وهذا الأرهاب في حاجة تنفض راسها وتحك علباها وهي كناية جميلة جدا عن قارورة الويسكي التي تنفض راسها وتمسح علباها , يقول عبدالله الميزاني أن مرضي من الله إما أنت ياحبيب فانت تدعم نفض رأس القارورة وحك علباها .
هنا المعنى لايشترك مع البيت الثامن لحبيب او الثامن لعبدالله
وسنجد بيت حبيب الثامن يقول :
( عطاك الله من هموم الليال السـود حمـل بعيـر = وحدتّك الجمال اللي هديـرك ضـاع فرغاهـا )
يقول حبيب ياعبدالله ان الهموم تحملك وتثقل كاهلك , وهديرك ايها الجمل وهذا اعتراف بشاعرية الميزاني يقول هديرك ضاع في رغى الجمال وهذا اعتراف من حبيب بضعف شاعرية من ازاحوا عبدالله الميزاني عن الساحة الشعرية .
الهدير هو القوة والجزالة , والرغاء هو الضعف والركاكة , ويقول حبيب ان هديرك يالميزاني ضاع في رغاء الجمال الأخرى أو الشعراء الآخرين , بسبب همومك التي اثقلتك .
فيرد عليه عبدالله الميزاني ( البيت الثامن مقابل الثامن ) قائلا :
وعلى نقطة الهموم يقول عبدالله غازي ان راضي بقضاء الله وقدره , وتطهير ذلك أن نيتي حسنة واتقي الله فلعل ذلك يطهر نفسي عند ربي وهو الاهم , وان هذه الهموم ومايجري لي ثوابه عند الله لان الأهم هو النية الحسنة .
نجد البيتين رغم أن حبيب القى البيت السابع والثامن سوية وهو قانون في شعر المحاورة القى بيتين بيتين , ثم ايضا عبدالله الميزاني ايضا يلقي بيتين سوية
( السابع والثامن ) .
نجد ان كلا منهم مستقلة بمعنى وكلا منهما تستحق رد خاص وكنقض ( بيت عبدالله السابع ردا على بيت حبيب السابع وبيت عبدالله الثامن ردا على بيت حبيب الثامن )
وهكذا .....
وهذا الشئ قانون في كل شعر المحاورة الرد على المعنى بيت ببيت أنما الالقاء بيتين بيتين , وهذا يجعل نوعا من الرمزية والعمق واختبار الذكاء وحفظ المحاورة .