17-12-08, 11:57 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | مشرف سابق
| الرتبة: | | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Aug 2008 | العضوية: | 1293 | الاقامة: | بريدة | الجنس: | ذكر | المواضيع: | 1624 | الردود: | 5444 | جميع المشاركات: | 7,068 [+] | بمعدل : | 1.19 يوميا | تلقى » 2 اعجاب | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 121 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
يـحـكــى أن الذئبُ .. الحنون ! ) ( الذئبُ .. الحنون ! )
" قصة قصيرة "
" حقيقية "
انطلق الأطفالُ نحو مجلسِ جدهم .. وتدافعوا يتسابقون أيُهم يَحِلُ قُربه ..
ارتطمتِ الرؤوس .. واشتبكتِ الأيدي .. ولم يغب عن المشهدِ بعضُ الركلاتِ أيضًا !
تحلق َ الأطفالُ في دائرةٍ يتضاحكون حول جدهم .. الذي اتسعت ابتسامتُه لتشمل وجهه كله، وهو يرتب أحفادهُ ويطلب منهم حُسن الجلوس .. قبل أن يصمتَ الأطفال ، وهم يطالعون جدهم الذي قال مبتسمًا :
ــ أهلاً بكم يا أبنائي .. لا شك أنكم تريدون حكاية ً جديدة .. أليس كذلك ؟
صرخ أحد الأطفال قائلاً ــ قبل أن يرددَ كلُ الأطفالِ مثلهُ من بعدهِ ــ :
ــ هيه .. هيه .. قصة .. قصة ..
جدي .. يا جدي ..
نريد قصة ً لم تحكها لنا من قبل .. هذه المرة !
هز الجد رأسه مبتسمًا وهو يقول :
ــ لا بأس أيها المزعج ! سأحكي لكم قصة ً لم أحكها لكم من قبل، وهي قصة ٌ حقيقية ٌ حصلت قبل ما يربو على الخمسة والخمسين عامًا .. في وقتٍ لم تكنِ البلادُ مثل ما هي عليه الآن ..
حسنًا يا أبنائي .. سأحكي لكم قصة ( الذئب الحنون ) !
وصمت لحظة ً، قبل أن يقول وقد ارتسمت على عينيهِ علامات الشرود :
ــ وهذه القصة .. أثق تمامًا بأنها حقيقية .. لأنني أعرف ذلك الرجل الذي حدثت له ..
وتابع وهو يضم أحفاده من حوله بصوتٍ خافت :
ــ أعرفه ُ جيدًا
في تلك القريةِ البعيدة ..
ووسط ساحتها .. مقابل مسجدها الطيني الصغير ..
اجتمع الرجالُ بعد أن أدوا صلاة الفجر، وقد برز من بينهم شيخ القرية، وأمامه انطلق أحد الرجال يقول :
ــ أنت كبيرنا يا شيخ .. ولا بد أن تجد حلاً لهذه المشكلة !
هذه هي المرة السابعة في هذا الشهر، التي يُسرق فيها أحد ( الحـملان ) !
وهذه الليلة من ( حظيرة ) "أبي صالح" !
لقد بِتنا يا شيخ نُسرق مرة ًكل ثلاثِ ليالٍ تقريبًا، وفي كل مرةٍ من حظيرةٍ مختلفة، دون أن نعرف ماذا نفعل !!
تطلع إليه شيخُ القرية مفكرًا، وهو يُخلِلُ شُعيراتِ لحيته بأصابعِ يُمناه ببطءٍ ؛ قبل أن يقول :
ــ سَرق َ ( حملاً ) أيضًا هذه المرة !
لا أعرفُ لماذا ينتقي هذا اللصُ ( الحملان ) دون غيرها من ( الأغنام ) الأكبرِ عُمرًا !
رد عليه نفس الرجلِ قائلا ً :
ــ لعله يا شيخ يسرق ( الحملان ) تحديدًا لبحثه عن اللحم اللين ِ الطري .. فربما كانت أسنانه تُعاني مشاكل مع اللحم القاسي .. أو ..
صمت لحظة ً قبل أن يُردف وهو يبتسم حاكًا رأسه :
ــ أو ربما .. ليس لديه أسنان !!
قال رجلٌ آخر وهو يهزُ سبابته :
ــ بل أظن أنه يَنتقي ( الحملان ) لكي يسهلُ عليه سرقتها وحملها دون أن يثير انتباه أحد .. ودون أن تتعبه بثقل وزنها أو مقاومتها !
تطلع شيخ القرية إلى الرجال من حوله، وهو يواصل تخليل لحيته، قبل أن يسأل أحد الرجال :
ــ ألم ترَ له أثرًا في ( حظيرة أغنامك ) أو قُرب بيتك يا "أبا صالح" ؟
تقدم "أبو صالح" مقتربًا من شيخ القرية وهو يقول :
ــ لا يا شيخ .. لا يوجد له أيُ أثرٍ ! ولا أعرف من أي جهةٍ دخل إلى ( الحظيرة ) .. كل ما حدث أنني شعرتُ بحركةٍ داخل ( الحظيرة ) مع ارتفاع ( ثغاء الأغنام ) في منتصف الليل .. لأتحرك بسرعةٍ خارجًا من بيتي لـ( الحظيرة ) الملاصقة للجدار الجنوبي من البيت، لأجد أن ( قطيع الأغنام ) الذي أملكه، قد بات ناقصًا أحد حملانه الصغيرة !
أطرق الشيخ مفكرًا، قبل أن يرفع رأسه ليقول بلهجةٍ حازمة :
ــ يجب أن نضع حراسةً في القرية كل ليلة، حتى نستطيع أن نقبض على ذلك اللص .. فمن منكم يتطوع للقيام بالحراسة في هذه الليلة ؟!
ارتفعت الأصوات من حول شيخ القرية، فقد كان كلُ الرجالِ يرغبون بالقبض على ذلك اللص ..
لص الأغنام !
( وبعد يومين ) :
دخل "أبو صالح" مجلس شيخ القرية، ومعه رجلٌ آخر، ليقول :
ــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هذا يا شيخ رجلٌ يقول أنه ( قصاصُ أثرٍ ) ويريد أن يُساعدنا في القبض على اللص ..
ردَ شيخ القرية على "أبي صالح" :
ــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. حياكم الله يا "أبا صالح" تفضل أنت وضيفك ..
جلس "أبو صالح" والرجل الذي معه، وبعد أن قُدِمَ لـهما القهوة العربية، تحدث الرجل قائلا ً :
ــ يا شيخ .. أنا "أبو غازي" وأعمل في ( قص الأثر ) والصيد منذ فترةٍ طويلة، وأغلب القرى المجاورة تعرفني، وأنا أنتقل بين القرى في الفترة الماضية طلبًا للرزق، ولمَّـا قابلتُ هذا الرجل الكريم "أبا صالحٍ" في طرف القرية، أخبرته عن عملي، فأخبرني بما يحدثُ في القرية من سرقةٍ لـ( الحملان ) .. وأنا يا شيخ قادرٌ بإذن الله، أن أقبض على هذا اللص .. لكني لا أخفيك فقري وحاجتي وبحثي عما أُطعِمُ به نفسي وأبنائي .. فأريد أن تضيِّفونني حتى أمسكه .. كما أني أريد أن أعرف ماذا ستمنحني إذا قبضتُ على هذا اللص ..
رد شيخ القرية عليه قائلاً :
ــ يا بني .. أما ضيافتك وطعامك وشرابك ، فأنت ضيفي ما بقيتَ في قريتنا، وأما أجرك إذا قبضت على ذلك اللص، فلك أن أمنحك ( حملاً ) من كل حظيرةٍ في قريتنا ..
ثم أردف شيخ القرية :
ــ وأنا أريد أن تبدأ حراستك من هذه الليلة، سائلاً الله أن يوفقك للقبضِ على ذلك اللص ..
( وفي منتصف تلك الليلة ) :
جلس "أبو غازي" ليسندَ ظهره إلى نخلةٍ في منتصف ساحة القرية، قبل أن يُحدث نفسه بصوتٍ منخفض :
ــ يبدو أن اللص لن يأتي هذه الليلة !
لقد انتصف الليل .. ولا أظنه ينتظرُ أن أنام !
ثم أغمض عينيَّه وهو يُعيد تثبيت ظهره على النخلة طلبًا لمزيدٍ من الاسترخاء .. قبل أن يهمسَ لنفسه مواصلاً :
ــ رغم أن هذه هي الليلة الثالثة، التي يُتوقع أن يحضر فيها ذلك اللص، غير أني أظن عدم استطاعتي مواصلةَ السهر؛ بعد الرحلة التي قطعتها لكي أصل لهذه القرية .. وربما .. أنه .. لن .. يأتي .. هذه الليلة .. آه ..
وقطع حديثه .. ليدخل في نومٍ عميقٍ !
ــ يا أبا غازي" .. قُم هداك الله .. لقد أدينا صلاة الفجر .. قُم غفر الله لك ..
فتح "أبو غازي" عينيه وهو يتحسسُ كتفيهِ؛ متألمًا من وضعيةِ نومه، ليقول :
ــ جزاك الله خيرًا يا "أبا صالح"، لماذا لم توقظني لأداء الصلاة ؟ لقد نمتُ في منتصفِ الليلِ تقريبًا و ..
قاطعه صوتُ رجلٍ أقبلَ راكضًا من الجهةِ المقابلةِ في ساحةِ القرية :
ــ يا "أبا غازي" .. يا "أبا غازي" .. هل أتيتَ لكي يبقى اللصُ طليقًا ؟!
ها قد سرق ( حملاً ) من حظيرتي !!
انتفض "أبو غازي" وهو يلتفتُ مع "أبي صالح" إلى الرجل، الذي سرعانَ ما وصل إليهما، ليردف :
ــ لقد سرق ذلك اللص من عندي ( حملاً ) .. ولم أنتبه له وقتها .. لكني لمَّـا مررتُ على الحظيرة بعد أن أديت الصلاة، اكتشفت سرقته ..
قال "أبو صالح" وهو يُساعد "أبي غازي" على النهوض :
ــ قم الآن يا "أبا غازي" وأدِ الصلاة .. ثم تعال لمجلس الشيخ .. وهناك سوف نتحدث
قال "أبو غازي" معتذرًا لرجال القرية وشيخها :
ــ عذرًا أيها الكرام، أنتم تعلمون أني قادمٌ من سفر، ومع ذلك فلم أرفض أن أقوم بالحراسة منذ أول ليلةٍ لوصولي، لكني لمَّا انتصف الليل غلبني النعاسُ فنمت .. وعلى كل حالٍ أنا أؤكد لكم يا رجال ويا شيخنا الكريم، أنني سأحرص عليه في المرة القادمة ..
قال شيخ القرية لـ"أبي غازي" :
ــ يا "أبا غازي" يجب أن تعرف أننا نريدك أن تمسك اللص سريعًا، وإلا فإننا سوف نختار عددًا من شباب القرية ونسندُ إليهم الأمر .. فاحرص على ألا يتكرر ذلك ..
قال "أبو غازي" سريعًا :
ــ بإذن الله يا شيخ، لن يحدث إلا ما يرضيك أنت وكل الرجال هنا ..
( وبعد ثلاثة أيام ) :
تسلق "أبو غازي" تلك النخلة التي توسَّطت ساحة القرية، مع قُربِ منتصف الليل، حتى إذا ما وصل إلى قمتها، أحكمَ ربط ذلك الحزام ــ المصنوع من القماش ــ حولَ خِصرهِ بجذع النخلة، وقد أولى جذع النخلة صدره، متحسسًا بندقيته على ظهره، وهو يرقبُ بحذرٍ وصمت؛ كل حركةٍ في ساحة القرية ..
وقبيل الفجر .. حينما بدأ النوم يُحكم سيطرته على جفني "أبي غازي" وعقله .. سمعَ ذلك الصوت .. صوت حركةٍ في إحدى حظائر القرية القريبة !
نزلَ "أبو غازي" من النخلة مسرعًا، وانطلق بخفةٍ متجهًا نحو تلك ( الحظيرة ) التي سمع الجلبةَ منها، وما هي إلا ثوانٍ معدودةٍ حتى كانت ــ تلك ( الحظيرة ) ــ أمام ناظريه ..
هنا توقف ليختبئ خلف شجرةٍ مقابلةٍ للحظيرة، وهو ينتظر خروج اللص، خاصة ً وقد تزايدت أصوات الحركة وثغاء الأغنام ..
وفعلاً؛ خرج ذلك اللص وقد قبض بأسنانه على ( الحمل ) الصغير .. نعم .. قبض على ( الحمل ) بأسنانه ..
فقد كان اللصُ .. ذئبًا !
اتسعت عينا "أبي غازي"، وقد تفاجأ بأن يكون اللصُ هو ذلك الذئب، ليقول بصوتٍ خافتٍ لنفسه :
ــ لص ( الحملان ) .. ذئب !! عجبًا عجبًا !!
يجب أن أتابعه لأرى إلى أين يأخذ ( الحملان ) ..
تحرك الذئبُ بخفةٍ، وقد قبض بفكيهِ على ( الحمل )، ليبدأ في القفزِ من صخرةٍ إلى أخرى، ومن صخرةٍ إلى أرضٍ صلبةٍ لا تظهر فيها آثار قدميه .. ليتوقف "أبو غازي" مذهولاً، فلم يرَ أبدًا ذئبًا يقفز بهذه الطريقة، ولم يتخيل أن يمتلكَ الذئبُ مثل هذا الذكاء، فينتقي المواضع التي يطأ عليها، بشكلٍ يُعجِزُ أيَ قصاص أثرٍ من العثور عليه !
ابتعد الذئب وهو يكرر قفزاته بشكلٍ سريع، و"أبو غازي" ثابتٌ في مكانه، قبل أن ينتفضَ قائلاً :
ــ يجب أن ألحق به الآن ! لا بد من معرفة المكان الذي يذهب إليه، وأين يأكل تلك ( الحملان ) ..
تحرك "أبو غازي" محاولاً اللحاق بالذئب، دون أن يُحدث صوتًا قد يُثير انتباهه، ومع حرصه ذاك ، زادت المسافة بينه وبين الذئب، الذي تواصلت قفزاته سريعةً، حتى خرج من القرية، متجهًا لذلك الجبل القريب منها، قبل أن يُسرع ليدور خلف الجبل ..
أسرع "أبو غازي" الركض، وهو يتحسس بندقيته، وقد اتخذ قراره بأن يقتل الذئب، وأسرع الدوران حول الجبل .. ليتفاجأ !
ـــ هذا ما حدث يا شيخ .. فما إن درتُ حول الجبل، حتى تفاجأتُ بأن لا أثر للذئب .. لا أثر له على الإطلاق !
قال أحد الرجال الذين اجتمعوا في مجلس شيخ القبيلة صباح ذلك اليوم، وهو يحرك يديه بغضب :
ــ هل تريدنا أن نُصدق يا "أبا غازي"، بأن ذئبًا يقفز على الأحجار هو من سرق أغنامنا ؟! أنا أظن أن هذه الحكاية لا تنطلي على أحدٍ يا رجل !!
انعقد حاجبا "أبو غازي" وهو يردُ بنفس الغضب :
ــ هل تقصد أنني أكذب ؟ ولماذا ؟!
ألم تأكل الذئاب أغنامكم من قِبل ؟!
رد عليه نفس الرجل :
ــ نعم أقصد ذلك ، وربما أنك أنت من يسرق الأغنام أيضًا !
تدخل "أبو صالح" قائلاً :
ــ مهلك يا رجل .. صحيح أننا لم نعرف "أبا غازي" من قِبل، لكنه رجلٌ شريف، ولا أتمنى أن تتهمه بما لا يليق .. و ..
رفع شيخ القرية يده ليقول :
ــ اسمعوا جميعًا .. ربما أن ما قاله "أبو غازي" كان غريبًا ..
لكن "أبا غازي" لم يكن بحاجةٍ لكي يقول قصةً غربيةً كهذهِ لو لم يرها ! وأنا أرى أن يواصل "أبو غازي" عمله للقبض على ذلك السارق .. أو الذئب .. أيًا يكن، وفي نفس الوقت، سيكون معه في كل ليلةٍ أحد شبابنا، ليحرس الطرف المقابل من القرية ..
قال "أبو غازي" مخاطبًا شيخ القرية :
ــ نِعمَ الرأيُ ما قلته يا شيخ، وأنا سأحمي طرف القرية المقابل للجبل، لأني أعرفُ أن الذئب سيعود لنفس المكان، وحينها ..
صمت "أبو غازي" لحظةً وهو يلتفتُ ناحية الرجل الذي اتهمه بالسرقة مُشيرًا إليه بسبابته، قبل أن يُردف مُخاطبًا شيخ القرية :
ــ وحينها يا شيخ سترى أنني لم أكذب ولم أسرق، لكني أطلب أن آخذ ثلاثة ( حملان ) من هذا الرجل الذي اتهمني يا شيخ ..
قال الرجل ساخرًا :
ــ سأمنحك خمسة ( حملان ) .. بشرط ألا تسرقها .. أو أن يسرقها صاحبك الذئب !!
قال شيخ القرية مُنهيًا النقاش :
ــ حسنًا يا "أبا غازي" .. أنا أوافق على ما قلته، لكن فلتعلم، أن المرة القادمة، هي آخر مرةٍ لك في هذه المهمة، فإما أن تمسك بالسارق ــ أيًا يكن ــ ، وإما أن تغادر قريتنا بحفظ الله ..
تطلع "أبو غازي" لشيخ القرية لحظةً قبل أن يقول :
ــ أنا أعدك يا شيخ، بأنني سأسلمكَ هذا الذئب بإذن الله ..
أعدك يا سيدي !
( وبعد ثلاثة أيام )
وضع "أبو صالح" كفه على كتف "أبي غازي" وهو يجلس بجواره قائلاً :
ــ ماذا ستفعل هذه الليلة يا أخي ؟
التفت "أبو غازي" لـ"أبي صالح" وهو يرد :
ــ بإذن الله سأمسك بالذئب، مثلما سأدلكم على المكان الذي يأكل فيه أغنامكم .. أنا لا أكذب .. ولم ولن أسرق أبدًا .. حتى يأتي مثل ذلك الرجل هداه الله ليقول أنني سوف أسرق أغنامكم .. بل إني حينما أمسك بالذئب، فلن آخذ منه شيئًا، فلستُ أقبل من مثله أجرًا ..
رد "أبو صالح" سريعًا :
ــ هوِّن عليك يا أخي .. إنما قال ما قال، بسبب أنه قد فقد ( حملين ) من حظيرته، كما أنك يجب أن تأخذ أجرك من الجميع، وهو بلا شك أولهم، فهو أكثر أهل القرية مالاً ..
أسأل الله لك التوفيق يا "أبا غازي" .. أتمنى أن أراك صباحًا وقد أمسكت بذلك الذئب ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
استند "أبو صالح" على كتف "أبي غازي" لينهض، والأخير يرد عليه :
ــ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .. أراك في الصباح بإذن الله .
( وقبل الفجر )
قال "أبو غازي" لنفسه، وهو ينظر للقرية من أعلى الجبل الذي فقد الذئب عنده في المرة الماضية :
ــ ما لي أراك قد تأخرتَ هذه الليلة أيها الذئب ؟! أتُراك علمتَ بأني أنتظرك ؟ أم أنك قد ..
قطع "أبو غازي" حديثه وهو يُركز ناظريه على طرف القرية، وقد جاء الذئب حاملاً ــ كما في المرة الماضية ــ حملاً صغيرًا بين فكيه، وهو يتحرك عبر نفس قفزاته على الأحجار ..
نهض "أبو غازي" ليُشرف على الجهة المقابلة من الجبل، والذئب يقترب بسرعةٍ قبل أن يتجه نحو الجزء الأخير منه؛ ويبدأ في صعوده، ليدخل في تلك المغارة الصغيرة !
ثبت أبو "غازي" في مكانه، حتى مر ما يقارب الدقيقتين من دخول الذئب، قبل أن يقول :
ــ إذن هنا تأتي بالحملان أيها الذئب ! لكن لماذا ؟
تحرك "أبو غازي" بحذرٍ وهدوءٍ حتى وصل المغارة، قبل أن يجلس بجوار مدخلها رافعًا بندقيته، قبل أن يسمع عواءً ضعيفًا للذئب، ليحرك رأسه محاولاً أن يُلقي بنظرةٍ إلى الداخل ..
وهناك .. رأى الذئب وقد انهال على ( الحمل ) المسجى أمامه بمخالبه، وهو يمزق لحمه إلى قطعٍ صغيرة، ثم يقبضُ بمخلبه على إحدى تلك القطع، قبل أن يمُدها إلى طرفٍ خفيٍ لم يره من موقعه ذاك أمام مدخل المغارة ..
تحرك "أبو غازي" محاولاً أن يرى إلى من يمد الذئب قطعة اللحم تلك .. وما أن رآه .. حتى اتسعت عيناه !
اتسعت عينا "أبي غازي" وهو يتطلع إلى تلك الذئبة العجوز، التي تُحركُ يدها في الفراغ، قبل أن تقبض على مخالب ابنها، لتنقل منه قطع اللحم إلى ما بين أنيابها الضعيفة ..
فكر "أبو غازي" فيما يرى، وهو يتطلع لنفس الحركة تتكرر عدة مراتٍ أمام عينيه، قبل أن يقول :
ــ سبحان الله !
من أجل هذا كان الذئب يختار ( الحملان ) دون سواها من الأغنام !
يبدو أن هذه الذئبة العجوز هي أمه !
كما أعتقد أنها عمياء لا ترى ! وإلا فلماذا تُحركُ يدها في الفراغ، دون حتى أن تنظر إلى يد ابنها !!
وبالتأكيد أن الذئب كان ينتقي ( الحملان )، لكي يأتي باللحم اللين الذي يُناسب أنياب أمه العجوز !!
يا إلهي !
عجبًا لهذا الذئب ! كيف يقوم بتقديم الطعام بهذا الحرص لأمه العجوز !!
ثم بدأ صوته يكتسي بتنهداتِ البكاء وهو يردف :
ــ الذئب يقدم لأمه الطعام اللين .. وأنا لم أر أمي العجوز من ثلاثة أشهر !! يا إلهي !! كيف باتَ هذا الذئبُ أبر مني بأمه !!
تدافعت الدموع من عينيَّ "أبي غازي"، وهو يتعجبُ من حالِ هذا الذئب، وقد زاده ألمًا أنه لا بد من أن يقتله حتى يأخذ أجره من رجال القرية ..
بدأ الوقت يمر سريعًا و"أبو غازي" يمسح دموعه ويفكر أيقتل الذئب وأمه أم يدعهما، حتى وصل إلى قرارٍ فقال :
ــ يجب أن أقتلك أيها الذئب الحنون البار بأمك ، و والله أني لا أود ذلك ولا أرغبه .. لكني سأبقي على أمك العجوز .. ولن أقتلها .. إكرامًا لك أيها الذئب الحنون !
مسح "أبو غازي" دموعه وهو يصوب بندقيته نحو الذئب ..
قبل أن يطلق رصاصته !
قفز أحد الأطفال نحو جده قائلاً :
ــ يا جدي .. لماذا أطلق هذا الصياد الأحمق النار على ذلك الذئب الحنون ؟ ألا يرى أنه ذئبٌ طيب ؟!
احمرَّ خدا الجد، وهو يقول وقد ارتسم الحزن على وجهه :
ــ يا بني .. لا تغضب على قصاص الأثر ذاك .. فقد كان يبحث عما يُقدمه طعامًا لأبنائه .. ثم إني أعرف أنه كان لا يرغب في قتل الذئب بعدما رآه من بره بأمه !
رد الطفل غاضبًا :
ــ بل هو أحمق .. لكن أتمنى أنه لم يمس الذئب ببندقيته تلك ! ثم لماذا تُدافع عن الذئب يا جدي ؟ أتعرف ذلك الصياد ؟!
تنهد الجد وهو يقول :
ــ نعم .. أعرفه جيدًا .. وحتى أنت أيها المزعج تعرفه أيضًا ! والآن دع الكلام حتى أنهي هذه القصة !
أصاب "أبو غازي" برصاصته رأس الذئب، والذي خر صريعًا وهو يطلق عواءً خافتًا، والدم يتناثر من جرح رأسه، لتفزع الذئبة العجوز، وتتحرك وهي تشم رائحة الدم، لتتحسس الأرض والهواء بحثًا عن ابنها، و"أبو غازي" ينظر بجزعٍ إلى حركتها وهي تدور حول نفسها، قبل أن تجد ابنها وتلمس جسده جزِعةً عليه، مُطلقةً عواءً صغيرًا بين اللحظة والأخرى، قبل أن تمسك برأس ابنها، تتحسس فيه نبض الحياة، ثم ترفعه قبل أن تتركه؛ ليَخِر نحو الأرض، لتكرر رفع رأس ابنها وتركه عدة مرات، حتى أيقنت؛ أنه ما عاد بابنها من حياةٍ تحرك جسده، وتدفعه لمنع رأسه من السقوط !
وهنا .. عادت الذئبةُ لتتحسس دم ابنها .. قبل أن ترفع رأسها عاليًا .. مطلقةً عواءً طويلاً حزينًا ..
زلزل أركان "أبي غازي" .. وجعله يشعرُ وكأنما آلام الرصاصةِ، قد أصابت رأسه هوَ !
استمرت الذئبة في ذلك العواء الطويل، وكأنما تنقل به آلام حياتها كلها، من فقدانها لبصرها .. وحتى فقدها لابنها .. قبل أن تقطع ذلك العواء .. لتَخِر بجوار ابنها البار .. وقد صرعها حزنها عليه ..
على الذئب الحنون !
سقط "أبو غازي" على ركبتيه، وقد وضع رأسه بين يديه باكيًا دون توقف، وقد تمنى لو لم يأتِ هذه القرية، ولم يرفع فيها بندقيته ..
ظل "أبو غازي" على هذه الحال حتى شعر بحرارةِ الشمس تلفح ظهره، فقام ليجففَ دموعه، قبل أن يدخل إلى المغارة، حاملاً الذئب وأمه، وما بقي من ( الحمل ) على كتفه .. ليعود إلى القرية ..
وبعدها بدقائق .. في مجلس شيخ القرية، نهض الرجل الذي اتهم "أبا غازي" بالسرقة وهو يقول :
ــ يا شيخ .. لقد قلتُ لك أن "أبا غازي" هذا سارق فلم تصدقني ! ها هو قد سرق ( حملاً ) جديدًا وفر هاربًا !
في تلك اللحظة؛ دخل "أبو غازي" مجلس الشيخ، حاملاً ما جاء به من المغارة، ليقول :
ــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أرى أنك ما زلت على نفس حديثك يا رجل !
ووالله ما صدقت !
ثم رفع ما يحملُ وسط مجلس الشيخ، قائلاً :
ــ أنا لم أكذب يا شيخ .. وهذا دليلي .. وسآخذك لترى أين كنتُ بعد قليل ..
ثم التفت إلى الرجل الذي كان يتحدث عنه :
ــ وأنت أيها الرجل .. أسرع بإحضار ( الحملان ) الخمسة، التي قلت أنك سوف تجعلها أجري .. وأسأل الله أن يغفر لك ما قلته في حقي !
تطلعُ الجد إلى وجوه أطفاله الحزينة، وقد انعقدت حواجبهم، وامتدت شفاههم .. ليقول وهو يتصنعُ الابتسامة :
ــ وهكذا انتهت قصة ( الذئب الحنون ) .. والآن يا أطفالي .. من منكم يرى أنه كمثل هذا الذئب في بره بأمه ؟!
ومن منكم أزعج أمه أو ضايقها قبل أن يأتي إليَّ ؟!
من فعل ذلك ، أريده أن يذهب ويعتذر منها الآن .. هيا ..
تطلع الأطفال إلى بعضهم .. قبل أن تنهض تلك الصغيرة، وهي تصرخُ باكيةً لتغادر وهي تقول :
ــ ماما .. يا ماما !!
اتسعت عينا الجد، وهو يرى أحفاده قد نهضوا جميعًا يتقاطرون إلى الخارج .. ما عدا أحدهم، الذي اقترب إليه وهو يقول :
ــ ما بهم يا جدي ؟! لماذا خرجوا ؟!
قل لي يا جدي .. أتعرفُ الذئب ؟!
فاضت عينا الجد، وقال وصوته يختلط بنبرة البكاء :
ــ نعم ..
مسح الطفل على رأس جده قائلاً وهو يقلب في وجهه النظرات :
ــ لا بأس يا جدي لا بأس .. لا تحزن .. هيا ..
احك لي قصةً جديدة
( تمت بحمد الله ) .
منقول للامانة
|
| |